عرضت قناة "العربية"، قبل أكثر من أسبوع، تقريراً يُفيد أن "بيروت تنام في الليل". يقول التقرير إن اللبنانيين باتوا لا يخرجون ليلاً - بعد الثامنة مساءً، ويؤجلون الضرورات أيضاً إلى النهار. كل ذلك، لأنهم تعودوا وقوع الانفجارات ليلاً. أنت تشاهد التقرير، من السعودية مثلاً. تسمع أناساً، من بيروت، يؤكدون ذلك. تدور الكاميرا قليلاً في شارع الحمراء لتؤكد ما يقوله التقرير. إذاً، بيروت تنام باكراً. هذه المعلومة ليست حكراً على تلفزيون"العربية"فقط. القنوات اللبنانية الفضائية والأرضية، بحسب توجهاتها، تقول المعلومة ذاتها. تصل إلى بيروت عند الحادية عشرة ليلاً. قبل الإقلاع، تُفاجأ بأن المسافرين يملأون الطائرة التي ستنقلك إلى هناك. صحيح أن معظمهم لبنانيون، لكن الحقائب الكثيرة تُنبئ عن زيارة صيفية طويلة! ماذا عن"الاعتصام"وپ"فتح الإسلام"وپ"نهر البارد"و"العبوات"وأخيراً ما أصاب"يونيفيل"؟ لا يمكنك أن تربط، فأولئك ليسوا سياحاً، إنهم"أهل بلد". لكنهم ليسوا مضطرين إلى السفر الآن. يستطيعون التأجيل! في الطائرة، تنظر حولك، تكتشف أن هناك من يضحك، وآخر يمزح، وثالثة لم تستطع تحمل العباءة. طبيعي. هل يفترض أن يبكوا؟! كل ذلك الازدحام في مطار الرياض، يختفي بمجرد دخولك مطار بيروت. الوقت متأخر، لا بد من أنهم سارعوا الى بيوتهم ليناموا. كما أن اليوم الأحد، حتى في الصيف يظل الأحد"أحداً". صديقك الذي يستقبلك، يعيد ما قاله تقرير"العربية"وما تقوله التلفزيونات الأخرى. يأخذك إلى"الجميزة"حيث السهر دائم. لكن شوارع الجميزة فارغة. بالكاد ترى سيارة أو اثنتين، وطبعاً"مونو". لم يعد الصخب يزور هذين الشارعين كما كان. تعود إلى شارع"الحمراء". نصف ساعة بعد منتصف الليل، كفيلة بإغلاق نصف المطاعم التي تفتح حتى في هذه الظروف. مطعم في الطابق الثاني يلمك وصديقك، ويلم بضعة أناس في طاولات متفرقة. في النهار، بيروت كما هي. خفوضات في كل المحال التجارية. خفوضات كبيرة، وليست في وقتها! الشوارع لا تزال"تعجق"في النهار كعادة بيروت، لكنها - الشوارع - لا تسمح بمرور أحد في الليل. تسمع حكاية عن صديق قطع وعداً هو وزوجته بألا يستقلا السيارة ذاتها. تسمع ان بعض الناس يخرج ليلاً في اليوم التالي لأي انفجار، ظناً منه أن انفجاراً آخر لن يحصل قبل أسبوع على الأقل! حسناً... من قال إن بيروت لا تعيش"رعباً"؟ من قال إن التلفزيون يكذب؟.. لكن، هناك في"الجميزة"، يوم الجمعة، الساعة 12، بعد منتصف الليل. في مكان صغير جداً. تفتح الباب"كرسي على اليمين وآخر على اليسار. هكذا تتوالى الكراسي. تمر بصعوبة بينها، فالمكان ضيق. تقطع ثلاثة أمتار، لتصل إلى نهاية الممر بل نهاية المحل. الصخب حاضر، في الداخل هذه المرة. ستجد محال كثيرة تشبه هذا المكان، في"الجميزة". يخرج أناس ليدخل آخرون. كل شيء في الداخل لا يشبه أي شيء في الخارج... أين الكاميرا؟ لماذا لا تصور هنا، فپ"بيروت صاحية"؟!