احتضنت مكتبة الإسكندرية اخيراً معرض "التراث العالمي في اليابان" الذي نظمه مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مؤسسة اليابان مكتب القاهرة، وهو الفرع الوحيد للمؤسسة في الشرق الأوسط حيث يتولى منذ عام 1995 تنظيم الأحداث الثقافية في مصر. يضم المعرض 34 صورة فوتوغرافية لأهم المناطق الأثرية في اليابان التي تستحق الزيارة، بغرض دعم التوجهات العالمية الحديثة نحو الحفاظ على التراث العالمي الثقافي والطبيعي في أي مكان كان باعتباره جزءاً من التراث الإنساني والتاريخ الجمعي للبشرية، بالإضافة إلى العمل على نشر الثقافة والتراث الياباني في مصر وفي البلاد الأخرى التي تنتقل إليها لوحات هذا المعرض. المعرض يجسّد تجليات المصور كازويوشي ميوشي الذي قام بكثير من الرحلات لعدد من المناطق في شتى مناحي الأرض، فرحل إلى جزر المالديف وتاهيتي وأفريقيا والهند، وفي السنوات الأخيرة زار جبال الهيمالايا والقطب الجنوبي. وقد أدرجت أعماله ضمن المجموعة الدائمة لمتحف الصور الدولي لجورج إيستمان هاوس في الولاياتالمتحدة الأميركية، كما حاز جائزة"كيمورا إيهي"عن كتابه المصور"راكو - آن"في عام 1985 وكان في السابعة والعشرين من العمر. وتحكي الصور الفوتوغرافية تراث اليابان وتاريخها مدللة على عراقتها من خلال مشاهد لأهم المعابد والأضرحة والأبنية التراثية أو التي تعكس طابعاً معمارياً مميزاً في عصور عدة. ومن صور المعابد نجد صوراً لمعبد إيتسوكوشيما - جينجا وصورة لقبة جينباكو بمدينة هيروشيما ، وصورة معبد شيموجامو - جينجا ومعبد كيوميزو - ديرا ومعبد كاميجامو - جينجا بمدينة كيوتو، وقلعة هيميجي - جو، ومعبد كاسوجا - تايشا، ومعبد دايجو - جي. ومن بين هذه الصور مشهد معبد بيودو - إن بمدينة كيوتو. وكان شيد في الأصل بيتاً لأحد النبلاء ثم أهدي في ما بعد إلى فوجيوارا - نو - ميتشيناجا. وفي عام 1052، حول يوريميتشي ابن ميتشيناجا، المبنى إلى معبد وأطلق عليه اسم"بيودو - إن". وبعد ذلك بعام أقيم المبنى الذي يضم بين جنباته تمثال"أميتابها"والمعروف باسم مبنى"أميدادو"على جزيرة صغيرة في بركة"أجيكي". ويوجد عند أعلى سقف"تشودو"، وهو مركز القاعة الرئيسية، تمثالان للعنقاء يواجه كل منهما الآخر، وهما منحوتان من النحاس ومطليان بالذهب، وقد أُدرج كل منهما ككنز قومي. ويستمد المبنى اسمه منهما حيث أطلق عليه"هو - أو - دو"قاعة العنقاء. ويعكس الترف والثراء المميز للزخارف الموجودة داخل المبنى الكمال الذي تتميز به جنة البوذيين وهي الأرض الطاهرة. وتعود بنا صور معبد توشو - جو، ومعبد رينّو - جي تايّو - إن إلى أجواء القرن السابع عشر، حينما تم اختيار نكّو لتكون موقعاً لبناء مجمع"توشو - جو"، ليضم معبد"توكوجاوا إيياسو"، مؤسس نظام الحكومة في أسرة"توكوجاوا"التي حكمت البلاد أكثر من 250 عاماً، وهي أطول مدة لنظام حكم في تاريخ اليابان. ومن بين كل الأبنية التراثية، يعتبر مجمع الأضرحة أكثر العناصر الممثلة للطراز المعماري الذي تميزت به المباني الدينية في عصر"توشو - جو"، والذي بني في عام 1636 لحفظ رفات"توكوجاوا إيياسو". وقد أقيمت الأبنية التراثية الأخرى مثل"فوتاراسان - جينجا"و"ريّنو - جي"بدعم من حكومة"توكوجاوا"، مستخدمة أفضل التقنيات والحرفيين في ذلك الوقت. وهي تمثل بحق أعمالاً رائعة لكبار الفنانين والحرفيين الذين استخدمتهم حكومة"توكوجاوا". وعلى خلاف ما كان سائداً حينها من عدم ذكر أسماء الحرفيين الذين يقومون ببناء الأضرحة والمعابد، فإن الذين شاركوا في تلك الأبنية كانوا معروفين بالاسم. وانعكست براعة هؤلاء الحرفيين المهرة على الزخارف المتقنة التي اتسمت بثراء الألوان. ويظهر في إحدى الصور الفوتوغرافية معبد توداي - جي الذي شيد بقرار من الإمبراطور"شومو"، ليكون المعبد الرئيسي لمعابد"كوكوبون - جي"التي تمثل نظاماً من المعابد موزعة واحداً تلو الآخر في كل المراكز السياسية في أرجاء اليابان بغرض حراسة الأمة وإقامة الصلوات للحصول على الحصاد الوفير. ويغطي بوابة"تيجاي - مون"، من نوعية"هاكياكو - مون"أي البوابة ذات الثماني أرجل، سقف جمالون على طراز"هونجاواربوكي"حيث توجد فيه وحدات القرميد المسطحة بالتبادل مع الوحدات الدائرية. وهي من الأبنية الأصلية التي ما زالت موجودة من معبد"توداي - جي". ويرى المؤرخون أنه لا يوجد إلا بوابتان من نوعية"هاكياكو - مون"بُنيتا في عهد"تنبيو"وهما"تيجاي - مون"و"توداي - مون"في معبد"هوريو - جي". وفي لمح البصر ينقلنا المعرض إلى عام 1482 الذي عكست ملامحه صورة لمعبد جيشو - جي، حينما شيد"يوشيماسا أشيكاجا"بيت الجبل"هيجاشياما دونو"متتبعاً نهج جده"يوشيميتسو"في بناء"كيتاياما دونو كينكاكو - جي"، وبعد وفاته تحول البيت إلى معبد لطائفة"رينزايشو"البوذية بناء على وصيته. وكان المعبد مركزاً لثقافة"هيجاشي ياما"، حيث كانت فنونها تمثل نموذجاً رائعاً للثقافة الراقية والجمال النادر، وهو ما يختلف كلية عن ثقافة"كيتاياما"التي على رغم أناقتها فإنها كانت أقل رقياً وروعة. إلا ان المعبد احترق بالكامل خلال حرب"أونين"، فلم يبق منه اليوم سوى"توجودو"و"كاننوندن"الرواق الفضي. وكما هي الحال في الحدائق التي على طراز"تشيسن - كايو - شيكي"، فإن حديقة المعبد تتوسطها بركة مركزية بركة كينكيوتشي. أما حديقة الرمال البيضاء التي تدعى"جينشادان"أو"كوجتسوداي"، فمن المرجح أن تاريخها يعود إلى أوائل فترة"إيدو". أما الطبيعة اليابانية الساحرة فتتجلى في صور لثلاث قرى هي جوكاياما وتوياما وشيراكاوا - جو، التي تم أخيراً اعتبارها تراثاً عالمياً. وفي تناغم فريد تظهر منازل القرى وقد بنيت على التلال الواقعة عند سفح الجبل بمحاذاة نهر"شو - جاوا"، الذي يجري من الجنوب إلى الشمال. ويواجه السقف الهرمي - أو الجمالون - اتجاه الشمال أو الجنوب اعتماداً على اتجاه الرياح السائد في كل قرية. والأسقف الجمالون للمنازل شديدة الانحدار، حيث تدعم وحدات القرميد تركيبات"ساسو"وهي مجموعة من الأطر المثلثية الشكل، يتركب كل واحد منها من ضلعين مائلين يسميان"ساسو"، يتصلان بواسطة مشابك بوتر القاعدة. وفي البيوت التي على نمط" جاشّو"، تنقسم العليّات إلى مستويين أو أربعة مستويات، تستخدم بصورة عملية في تربية ديدان القز. وفي عصور الاقطاع، عندما كانت قرى"جوكاياما"تتبع محافظة"كاجا"، كان الفراغ الذي في أسفل الدور الأرضي يستخدم في إنتاج النترات وهي المكون الرئيسي للبارود. ولهذا فإن التنسيق الفريد للغرف في هذه البيوت مصمم خصيصاً لإيواء واستيعاب الأعداد الكبيرة للعائلات. ومن الصور اللافتة للانتباه آثار قلعة شوري - جو بمدينة أوكيناوا، التي تم تسجيلها ضمن التراث العالمي سنة 2000. وكانت القلعة مسكناً لملك"تشوزان"في عصر"سانزان". وفي عام 1429، بعد أن وحد"شوهاشي"مملكة"ريوكيو"، أصبحت القلعة مقراً لملك الدولة الجديدة وقد ظلت كذلك لأكثر من أربعة قرون حتى عام 1879، حيث كانت تمثل المركز السياسي والثقافي والديبلوماسي للمملكة. وعبر القرون، دمرت القلعة بفعل الحرائق فأعيد بناؤها مرات عدة إلى أن دمرت تماماً في الحرب العالمية الثانية. أما البناء الحالي فقد بني عام 1992، كتجديد للبناء الأصلي حيث ما زال بعض أجزاء من السور الصخري الأصلي حتى الآن. وقد أضحت القلعة والمنطقة المحيطة بها حالياً متنزهاً كبيراً يعرف بحديقة قصر"شوري - جو".