بدأت الأسبوع الماضي محاكمة كونراد بلاك، المالك السابق لمجموعة "التلغراف"، مع أن زوجته بربارة امييل هي التي تستحق المحاكمة، لأنه ما كان سطا على أموال حملة الأسهم، واستعمل شركة عامة وكأنها ملك خاص، لولا بذخ زوجة محدثة نعمة تصرفت ككل أثرياء الحرب من دون أن يملك زوجها المال الذي أنفقه. حمق كونراد بلاك وغطرسته وعناده أوقعته في النهاية، إلا أنها تظل أهون من التهم ضد زوجته، وأنا لا أتحدث هنا عن البذخ، لأنها من نوع ايميلدا ماركوس، وإنما عن تطرفها السياسي فهي صهيونية محسوبة على المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة، لذلك كان واحد من أحقرهم وهو الفاسد ريتشارد بيرل صديقاً وعضو مجلس ادارة مع زوجها. بربارة امييل حولت"الديلي تلغراف"اليمينية المحافظة الى ورقة دعاية لاسرائيل. وليس هذا رأيي وحدي فقد كتبته صحف لندنية ومجلات، وعندما كتب وليام دارلمبل في مجلة"سبكتيتور"أن متطرفين اسرائيليين أتلفوا مقابر المسيحيين أمرت بعدم نشر أي مقال له في مطبوعات المجموعة التي ضمت مع"الديلي تلغراف""الصنداي تلغراف"ومجلة"سبكتيتور"و"جيروزاليم بوست"الاسرائيلية وعدداً من الصحف الكندية. كونراد بلاك تخلى عن جنسيته الكندية ليصبح لورداً مدى الحياة في بريطانيا، غير انه عشية بدء محاكمته في شيكاغو، عاد يسعى لاسترداد جنسيته الأصلية، لأنه يستطيع تنفيذ أي حكم عليه في سجن كندي، بموجب اتفاقات بين الولاياتالمتحدةوكندا. أقول ان الذي يتخلى عن أصله، أو جذوره، لا أصل له، وأزيد أنني لا أفهم سرّ سقوط كونراد بلاك في فخ بربارة امييل، فهي حسناء، إلا أنها تكبره بأربع سنوات، فعمره الآن 62 سنة مقابل 66 سنة لها، وهو زوجها الرابع، في حين أنها زوجته الثانية، وقرأت بعد جلسات المحكمة الأولى لاختيار المحلفين من وصفها، من لون ثيابها، بأنها تلك الضفدع السامة، غير أنني أجدها"الأرملة السوداء"أو تلك العقرب التي تأكل ذكرها بعد الجنس. امييل، كما يُزعم، علّمت زوجها الكندي من صنوف الجنس ما لم يكن سمع به من قبل، فهي خبيرة تقلبت منذ سنوات مراهقتها بين سلسلة من العشاق، وفاخرت مرة بأن لها ثلاثة في وقت واحد، تعطي كلاً منهم يومين في الأسبوع ويبقى لها يوم لغسل شعرها. ويبدو أن طفولتها كانت صعبة وبعد طلاق والديها انتحر أبوها، وانتقلت هي الى كندا حيث عملت لإعالة نفسها، وكانت تعاني من مشكلات نفسية، وعرفت مع العشاق المخدرات، وأجهضت، وأجرت عمليتين لتصغير أنفها"اليهودي"، وعمليات تجميل أخرى مع تقدمها في السن. الادعاء قدّم بين وثائقه 11 ألف رسالة الكترونية بين الزوجين اكثرها جنسي فاضح، إلا أن الأهم من الجنس فيها طلب بربارة المتكرر من زوجها أن يحمّل الشركة المساهمة مبالغ نفقاتها الشخصية، بما في ذلك ثياب الرياضة، أو عشاء في ذكرى زواجهما. التهم الأخرى أخطر كثيراً، وكونراد متهم مع ثلاثة من أعضاء مجلس ادارة شركة هولنغر بانهم بين 1997 و 2003 سرقوا من الشركة 391 مليون دولار، أو 73 في المئة من دخلها في تلك الفترة. ونقل بلاك 83 مليون دولار من الشركة المساهمة هذه الى شركة رافلستون الخاصة التي يملكها. باختصار، كونراد بلاك يواجه 14 تهمة احتيال وسرقة وعرقلة العدالة، وهو إذا دين يواجه احتمال السجن حتى مئة سنة، أي أن يقضي بقية عمره في السجن، وغرامات بمبلغ 164 مليون دولار. ما كان بلاك واجه كل هذه المشكلات لولا ان قدره ألقاه في طريق بربارة امييل، مفترسة الرجال الصهيونية المتطرفة، وهي ما يصفه الفرنسيون بعبارة"المدامات الافقيات". وشخصياً لا يهمني بذخ هذه المرأة أو فحشها في شيء، فقد كنت دائماً اعترض على سياستها المتطرفة، ودفاعها عن نازية اسرائيل ضد الفلسطينيين، واتهام الضحية بدل الجاني. وانتقدت سياسة بربارة امييل وهي ملكة سياسة ومجتمع على جانبي المحيط الاطلسي، ومارغريت ثاتشر تحضر حفلاتها، وهنري كيسنجر عضو مجلس ادارة معها. وسرني جداً أن أراها تسقط وزوجها لتتحرر مجموعة"التلغراف"من التبعية لاسرائيل، و"الديلي تلغراف"كانت يمينية محافظة ولا تزال، ولا مشكلة هنا، إلا أنني أقرأ هذه الجريدة منذ أيام عملي في بيروت، ولم انقطع عنها في عهد بلاك، ولو من باب رصد ما تكتب زوجته. هي لا تزال تكتب في جريدة كندية، ما يعني أن أذاها تراجع كثيراً، إلا أنها تبقى سامة، وأتصور أن تعود أكثر تطرفاً واسرائيلية اذا انتهى زوجها بالبراءة. هو يصر على أن المحاكمة التي ستستمر نحو ثلاثة أشهر ستنتهي بتبرئته، ويعتبر نفسه"مقاتلاً في سبيل الحرية"ضد طغيان العدالة الأميركية. إلا أن جميع خبراء القانون الذين راجعوا التهم والقرارات الأولى للقاضية يرجحون أن يُدان. ولعل من أسباب ترجيح الادانة أن المحقق في قضيته هو باتريك فتزجيرالد، المحقق الخاص نفسه، الذي طلع منتصراً قبل أسبوعين في القضية التي دين فيها لويس ليبي، مدير المكتب السابق لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ما يعني إدانة تشيني والادارة كلها بتلفيق المعلومات أو تضخيمها لتبرير حرب على العراق. بعد إدانة ليبي كتبت الصحف الأميركية كافة أنه كبش فداء وإن المتهم الحقيقي هو ديك تشيني. وأشعر ازاء كونراد بلاك بأنه كبش فداء آخر، فهو يحاكم بتهمة الحمق، وهذه تعطي المتهم بها أسباباً تخفيفية، أما المذنب الحقيقي فهو بربارة امييل حتى اذا لم تسرق أو تكذب على المحققين، فسياستها المتطرفة جناية أكبر.