سررت عندما سقط كونراد بلاك عن عرش مجموعة التلغراف، وسررت عندما حوكم، وسررت عندما دين بالنصب والاحتيال وعرقلة العدالة، الا أنني لم أسرّ بالحكم عليه بالسجن ست سنوات ونصف سنة، فكل ما أردت على امتداد عقد التسعينات وبعده هو ان ترحل زوجته الليكودية الشريرة بربارة امييل، فقد لوّثت"الديلي تلغراف"و"الصنداي تلغراف"بتطرّفها. بلاك الكندي الذي أصبح بريطانياً ليحمل لقب لورد مدى الحياة كان في وقت ما يرأس ثالث مجموعة صحافية في العالم، فهناك مع"التلغراف"و"جيروزاليم بوست"مئات الصحف من كندية وغيرها. وهو اشترى"التلغراف"اليمينية المحسوبة على حزب المحافظين عام 1985، وتزوّج بربارة امييل عام 1992، فكانت زوجته الثانية وكان زوجها الرابع. وهي أوردته في النهاية موارد التهلكة بإسرافها وسيطرتها على زوج رأى على يديها من الفنون ما لم يعرف من قبل. كنتُ لاحظت ليكودية امييل في ما تكتب من دون أن أهتم بها كثيراً، الا أن مقابلة لها مع أختنا حنان عشراوي تقطر سمّاً جعلتني أتابعها باهتمام أكبر على مدى سنوات، كنا نعتقد فيها أن السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل على مرمى حجر، فيما هي تقف موقف العداء وتعبّر عن سياسات أقرب الى بنيامين نتانياهو والمتطرفين الآخرين. كنتُ أسمي امييل"الساحرة الشريرة من ويمبلدون"، مع أنها يهودية من شمال لندن، الا ان التسمية التي اخترتها كانت تجعل لقبها بالانكليزية يبدأ بالحرف نفسه. وعندما سقط كونراد بلاك اخترت لها اسماً إضافياً هو"الأرملة السوداء"، لأن كلمة بلاك تعني أسود بالانكليزية، والأرملة السوداء اسم عنكبوت تأكل زوجها بعد الجنس. قرأت عن الجنس ما لا يصلح للنشر في جريدتنا هذه، والجنس في هذا الموضوع آخر همّ، فالاعتراض هو على سياسة امييل وما كتبت لا ما فعلت في غرفة النوم. كونراد بلاك اتهم في المحكمة بأنه نصّاب لا يقيم وزناً للقانون، وأيضاً بأنه جشع خان الأمانة وسرق حملة الأسهم. وهو أنكر كل شيء بوقاحة أمام تعاظم الأدلة ضده، الا أنه أعرب في النهاية عن أسفه للصعوبات التي يواجهها حملة الأسهم، كأن الاعتذار يكفي لاسترداد خسائر في البورصة بحوالى 1.85 بليون دولار. البورصة هي ما قضى على بلاك في النهاية، فهو ضمّ شركة هولنغر، التي تملك المطبوعات، الى البورصة، فلم تمضِ سنوات حتى كان كبار حملة الأسهم يشكون من ادارة الشركة، ومن ذهاب الأرباح الى قلة، ومن إنفاق المال على أمور خاصة. وربما زدت الناشر روبرت مردوخ سبباً للسقوط فخفض سعر"التايمز"اضطر"التلغراف"لخفض مماثل فزادت خسائرها. الحكم بالسجن قد لا يكون أسوأ ما حدث لكونراد بلاك، فهناك قضايا مدنية كثيرة مقبلة، وهناك بحث حثيث عن أموال يرجّح ان يكون أخفاها هو وزوجته في شركات"أوف شور". وقرأت عن مطالبته بحوالى 500 مليون دولار، وأيضاً عن فقدان 90 مليون دولار لا يعرف أحد مكانها. وهناك من يريد الاستيلاء على شقته في نيويورك وبيته في لونغ بيتش، في ولاية فلوريدا، الذي قررت القاضية ان يسجن قربه في سجن شبه مفتوح ومريح. هل تتحمل"الأرملة السوداء"سجن زوجها أو تتركه؟ السؤال ليس من عندي، وإنما طرحته صحف لندنية عدة، وأرى أنها ستبقى معه، وأرجح مع آخرين ان تنتقل الى لندن حتى لا تضطر الى زيارته كثيراً لو بقيت في فلوريدا. وهي ربما كانت تركته وبحثت لنفسها عن زوج خامس لولا أنها في السابعة والستين، مقابل 63 سنة لزوجها. ومع انها لا تزال حسناء وتبدو أصغر سنوات من عمرها، الا ان اقتناص زوج جديد ثري صعب جداً لذلك قد تختار لنفسها دور الزوجة الوفية، لانعدام الخيارات الأخرى. بربارة امييل نموذج الفقير الذي اغتنى او مُحَدث النعمة، وهي كانت تفاخر ببذخها وتقول إن إسرافها من دون حدود، الا ان المشكلة فيه كانت انه من مال الشركة المساهمة، لا مال الزوجين، الى درجة ان ثيابها الرياضية كانت من الشركة، وكذلك تصليح شقة وإجازات وغير ذلك. كان يمكن ان يتصرف كونراد بلاك بحزم، وأن ينفق ضمن حدود دخله، وهو عالٍ أصلاً، الا ان الساحرة الشريرة سحرته، مع أنه كان رجل أعمال ناجحاً وكاتباً مرموقاً حتى وقع في حبائل تلك العجوز المتطرفة. القاضية ايمي سانت ايف قالت وهي تصدر حكمها على بلاك: إن لا أحد فوق القانون في الولاياتالمتحدة، وربما كان هذا صحيحاً يوماً، الا ان عصابة الحرب حول ديك تشيني فوق القانون على رغم جرائمها في العراق وغيره. ولكن أبقى مع كونراد بلاك وقضيته، فلو كانت هناك عدالة لكان الحكم صدر على امييل بتهمة التطرف والتحريض على التطرف، ولكان كونراد بلاك نجا لأن الغباء ليس جناية، أو حتى جنحة. اليوم أشعر بإشفاق على الرجل، فقد سررت بسقوطه لتنزاح زوجته عن مجموعة"التلغراف، الا انني كنتُ أفضّل لو بقي خارج الصحافة والسجن، فصوره بعد السقوط تظهره وكأن عمره زاد عشرين سنة في السنوات الأربع الأخيرة، اما زوجته"اللطيفة"فلا تزال ترد سنوات العمر الى الوراء.