منذ سنوات وأنا أكتب منتقداً كونراد بلاك وزوجته برباره امييل بعد ان حوّلا "الديلي تلغراف"، وهي إحدى جرائدي المفضّلة منذ أيام بيروت، الى نشرة دعاية اسرائىلية حتى ورئيس الوزراء هناك قاتل من نوع آرييل شارون. غير ان كل ما قلت في هذا الثنائي الصهيوني لا يعادل رأي قاض أميركي في الناشر الكندي الذي تخلّى عن جنسيته ليصبح بريطانياً يحمل لقب لورد مدى الحياة. القاضي ليو ستراين لم يحكم ضد بلاك فقط، وإنما اغتال سمعته، وهو يقول عنه انه "مراوغ وغير جدير بالثقة"، وانه "تصرف تكراراً بأسلوب يغاير الولاء المفروض للشركة". وهي الشركة الأم هولنغر انترناشونال التي تملك مجموعة "التلغراف"، وانه "انتهك واجباته المالية والتعاقدية تكراراً وفي شكل فادح"، وان تصريحات بلاك لاعضاء مجلس ادارة الشركة "كانت في غالبيتها زائفة وهدفها تضليل الأعضاء". وختم القاضي حكمه بالقول: "ان تفسيرات بلاك للأحداث ولدوافعه ليس لها رنين الصدق". حكم القاضي ستراين أنهى محاولة بلاك بيع حصته في مجموعة "التلغراف" الى الأخوين باركلي، الا ان الرجل وقع في ما هو أهم من ذلك بكثير. فمجلس ادارة هولنغر يطالبه بمئتي مليون دولار، وهناك قضايا أخرى ضدّه مجموعها نحو 30 مليون دولار، وهو لا يزال يواجه تحقيقاً جنائياً من لجنة حكومية أميركية، واذا ثبتت بقية التهم عليه فقد يواجه السجن. ورأيت صوراً لبلاك في اليومين الأخيرين بدا فيها وكأنه كبر 20 سنة في أسبوع. ولم أرَ صوراً حديثة لزوجته، فما نشر هو من أيام العز السابق، وبربارة امييل تبدو حسناء على رغم انها تجاوزت الستين وثلاثة أزواج آخرين قبل ان تنتهي مع كونراد بلاك قبل 11 سنة. مرّة أخرى، أقول انه لو كانت هناك عدالة في هذا العالم لاشترى أبو عمار مجموعة "التلغراف" ببضعة من بلايين الدولارات التي زعمت هذه الجريدة انه يخبئها، ولعيّن النائب العمالي جورج غالاواي رئىساً للتحرير. على كل حال، لا أريد ان أتوقف اليوم عند الحكم على بلاك الذي أثبت انني كنتُ متحفظاً في انتقادي له، وإنما أكمل بقصص أخرى وجدت ان كلاً منها يستحق مراجعة سريعة. قبل ثلاثة أشهر كتبت عن فيلم جديد هو "آلام السيد المسيح" من اخراج الممثل الاسترالي المشهور ميل غيبسون توقعاً مني ان يثير ضجة كبرى لدى عرضه في دور السينما. الأسبوع الماضي ثارت الضجة المتوقعة لدى بدء عرض الفيلم في الولاياتالمتحدة اعتباراً من أربعاء الرماد، فقد حملت عليه جماعات يهودية بحجة انه لا ساميّ، وسيذكي العداء لليهود من جديد، فهو يحكي قصة الساعات الأخيرة للمسيح قبل صلبه في القرآن الكريم انه لم يصلب التزم نص رواية الأناجيل الأربعة، ويبدو ان غيبسون، وهو استرالي، مسيحي أصولي، لذلك بقي أميناً للنص وأخرج فيلماً يحفل بمشاهد مروّعة من العنف الدموي. الفيلم، على رغم موضوعه الديني، يكاد يشبه أفلام المخرج كوينتين تارانتينو، من نوع فيلمه الأخير "أقتلوا بيل". وما أستطيع ان أزيد بعد أقل من أسبوع على التوزيع ان الفيلم في طريقه الى ان يصبح أعلى الأفلام دخلاً في التاريخ، فهو حصد في اليوم الأول 20 مليون دولار، وأكثر من مئة مليون دولار في أسبوعه الأول، والرقمان قياسيان. وكان من نتيجة الحملة اليهودية عليه ان فاقت الدعاية له أي خطة مرسومة للترويج، وردت جماعات مسيحية متطرفة بحجز حفلات عرض كاملة لأعضائها. وأتوقف عند احتجاج عدد كبير من الحاخامات حول العالم، بمن فيهم كبير حاخامات اسرائيل، فقد كنتُ سأقبل رأيهم لو أنهم كانوا أبدوا بعض الحزن على مصير الفلسطينيين في مواجهة السفاح آرييل شارون. في رواية إنجيل متى يقول كبير الكهنة قيافا للحاكم الروماني بيلاطس البنطي "أقتله ودمه علينا وعلى أولادنا"، وتعرّض غيبسون لضغط هائل لئلا يدرج هذه العبارة. وهو في النهاية أخرجها من الترجمة الانكليزية الخطية للحوار الذي يجرى باللاتينية والآرامية، الا انه أبقاها في الحوار نفسه. أعتقد ان شارون هو قيافا آخر، وهو الذي يستحق الإدانة لا غيبسون الذي اقتبس في التعليق على النقاد عبارة من الأناجيل هي: "أغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعرفون ما يفعلون". وأكمل بضجة من نوع آخر، هي الضجة التي ثارت بعد كشف الوزيرة السابقة كلير شورت ان الحكومة البريطانية تجسست على الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، قبيل الحرب على العراق. ويبدو ان مركز التنصّت في شلتنهام تجسس على كثيرين آخرين، ترويجاً للحرب، بمن في ذلك كبير مفتشي الأسلحة هانز بليكس. وسمعت رئيس الوزراء توني بلير يهاجم كلير شورت من دون ان ينفي التهمة، وهي تهمة حقيقية لأن القانون البريطاني نفسه يحدد عمليات التنصّت بما يخدم الأمن الوطني. ثم ان التجسس على أصدقاء، وأحياناً على رؤساء دول حليفة، لا يمكن ان يعتبر شرعياً. كلير شورت تكره توني بلير، ولا تعتبره أهلاً لرئاسة الوزراء. وقد سمعت منها هذا الرأي في عشاء خاص دعا إليه الدكتور غازي القصيبي عندما كان سفير بلاده في لندن، وذلك قبل الحرب، وقبل إرهاب 11/9/2001. وسمعت كلير شورت تقول ان غوردون براون، وزير الخزانة، أفضل كثيراً لرئاسة الوزراء من بلير، وأنها تريد ان يخلفه في 10 داوننغ ستريت. وأخيراً، خبر أفضل للقارئ العربي، فقد أصدرت شركة استشارات بريطانية في شؤون اللغة دراسة تقول ان العربية ستسبق الانكليزية كلغة ثانية حول العالم بعد الصينية، مع حلول العام 2050. أزعم ان العرب سنة 2050 سيصبحون الدولة العظمى الوحيدة في العالم بعد سقوط الولاياتالمتحدة. أزعم هذا لأنني أعرف أنه لن يكون هناك بعد 50 سنة من يحاسب الشركة الانكليزية أو يحاسبني.