انحسرت موجة التفاؤل بانتخاب قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في الجلسة النيابية المقررة غداً الثلثاء، وبات مصير الجلسة موضع تساؤل بعدما أخذت الساحة السياسية المشتركة بين الأكثرية والمعارضة في البرلمان حول تعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور تمهيداً لانتخاب سليمان تضيق تدريجاً وبوتيرة متسارعة، معاكسة الآمال التي كانت عُقدت على نتائج المشاورات بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيسي كتلتي"المستقبل"سعد الحريري و"الوفاء للمقاومة"حزب الله محمد رعد على هامش الجلسة السابقة التي لم تنعقد رسمياً لعدم اكتمال النصاب القانوني، أي أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان. راجع ص 7 ويبدو من خلال الأجواء السياسية التي طرأت في الساعات الأخيرة ان جلسة يوم غد لن تكون مختلفة عن الجلسات السابقة التي تعذّر فيها انتخاب الرئيس نظراً الى تصاعد الخلاف على آلية تعديل الدستور في ضوء رفض الأكثرية، كما تقول مصادرها ل"الحياة"، ما روجت له أوساط سياسية مقربة جداً من بري من ان لديه اقتراحاً جديداً يرمي الى تعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من داخل المجلس النيابي باعتباره المؤسسة التشريعية الأم والشرعية الوحيدة المتبقية من مؤسسات الدولة في إشارة الى الفراغ الحاصل في سدة الرئاسة الأولى من ناحية وإلى عدم اعترافه بشرعية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من ناحية ثانية. فرئيس المجلس - بحسب أوساطه - يرى ان لا حل لتعديل الدستور إلا بإتمامه من جانب البرلمان باعتباره سيد نفسه وأن مصلحة البلاد العليا تقتضي ذلك، وأن لا مجال لأن يسلك التعديل طريقه في الممر الإجباري، أي مجلس الوزراء بذريعة ان نواب المعارضة يصرون على عدم التعاطي مع حكومة السنيورة وأنه لن يسير منفرداً في أي تعديل آخر للدستور من دون موافقة"حزب الله"، الذي يصر على مراعاة رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"النائب ميشال عون. وبالتالي يطلب من الجميع التدخل لإقناعه بالموافقة على التعديل من خلال مجلس الوزراء. كما ان بري في اقتراحه تعديل الدستور من داخل البرلمان، بدا اقرب الى اقتراح سلفه الرئيس السابق للمجلس النيابي حسين الحسيني الذي أعلنه أول من أمس تحت عنوان تعليق الفقرة الثالثة من المادة 49 مبرراً ذلك بأن البلد يمر فعلاً في ظروف استثنائية خطيرة وتعليق تطبيقها إنما يرد بعد حالة الفراغ لا قبلها. وهكذا أوحى بري بتبنيه اقتراح الحسيني ان مثل هذا الاقتراح، كما تقول أوساطه، ينهي الإشكالية الحالية ويؤدي الى استحالة مرور آلية التعديل عبر الحكومة اللاشرعية لا سيما انه ينسجم بالكامل مع الاجتهادات الفرنسية وقرارات المجلس الدستوري خصوصاً القرارين الرقم -2- عام 1997 والرقم -4- الصادر عام 1996. وعزت الأوساط نفسها السبب ايضاً الى ان المعارضة، وعلى رأسها حركة"أمل"و"حزب الله"، لا يمكن ان تسمح للأكثرية بأن تسجل سابقة خطيرة في مرماها ناجمة عن تراجعها عن عدم الاعتراف بالحكومة لما يرتبه ذلك من تداعيات أبرزها ان الرأي العام سيحاسبها على التقلب في مواقفها. وأحدث اقتراح بري الذي أخذت مصادر نيابية تتحدث عن انه بدأ مشاوراته لإعداد صيغة تعليق العمل بالفقرة الثالثة من المادة 49 الى حين انتخاب سليمان رئيساً، من خلال توقيع عشرة نواب على الاقتراح الخاص بالتعليق، ضجة سياسية في صفوف قوى 14 آذار التي طرحت تساؤلات عن مصير رئاسة الجمهورية على خلفية أن المعارضة ما زالت تتعامل مع الاستحقاق الرئاسي على ان"الفراغ"لا يزال المرشح الأوفر حظاً. ولم يوقف الاتصال الذي تم أمس بين بري ورئيس كتلة"المستقبل"النائب الحريري الموجود في الرياض تسارع التساؤلات عن أسباب لجوء بري الى استنباط فكرة تعليق المادة المذكورة، خصوصاً ان ذلك يشكل مخالفة للدستور، كما قالت مصادر دستورية، في الوقت الذي يتشاور الجميع من اجل تعديله بطريقة دستورية. ولم تقتصر المشاورات في هذا الشأن على الاتصال بين بري والحريري وإنما تجاوزتهما لتشمل عدداً من السفراء العرب والأجانب ومن خلالهم دولهم وتحديداً فرنسا التي رعت اخيراً، عبر إيفادها وزير خارجيتها برنار كوشنير الى بيروت، محاولة للتوفيق بين الأكثرية والمعارضة على تعديل الدستور بما يسمح بانتخاب سليمان رئيساً للجمهورية استجابة لتعاظم التأييد النيابي له. وتحرك السفير السعودي عبدالعزيز خوجة على خط الاتصالات بين بري والحريري وبعض قادة الأكثرية داعياً الى تغليب التوافق. وبالعودة الى اتصال بري - الحريري فإن الثاني أبلغ الأول، بحسب قول مصادره ل"الحياة"ان ما يطرحه هو خارج النطاق السياسي، وبالتالي لا بد من استمزاج رأي عدد من الضالعين في تفسير الدستور والقانون في طلب التعليق الذي جاء مباشرة بعد اقتراح القانون الذي تقدم به النائبان بهيج طبارة ورئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية روبير غانم وما اقترحته من قبل هيئة تحديث القوانين التي أوصت بأن أي تعديل للدستور سواء كان اقتراح قانون من عشرة نواب او مشروع قانون من مجلس الوزراء لا بد من ان يعبر الممر الإجباري للتعديل المتمثل في مجلس الوزراء مجتمعاً. كما ان اقتراح بري تعليق المادة نفسها جاء بعد ان تسلم من طبارة وغانم نص اقتراح القانون الرامي الى تعديل الدستور وفيما كان يستعد خمسة نواب من الأكثرية للتوقيع عليه في مقابل توقيع خمسة آخرين من المعارضة. وواضح ان اقتراح طبارة - غانم يتعارض كلياً مع طلب بري تعليق المادة 49 لأنه يوحي بأن أي تعديل يجب ان يمر في مجلس الوزراء، كما يتضمن ايضاً آلية هذا التعديل مقرونة بإيجاد مخرج لعودة الوزراء الشيعة المستقيلين الى الحكومة ولو لمرة واحدة بغية إنجاز التعديل ويعود لهم ما يشاؤون في إعداد مطالعتهم لتبرير العودة الموقتة عن استقالتهم. وبالنسبة الى ما تبلغه الحريري من اختصاصيين في تفسير الدستور، علمت"الحياة"أنهم أجمعوا على ان طلب تعليق المادة 49 يشكل مخالفة للدستور الذي لا يلحظ في مجال التعديل أي شيء اسمه التعليق كما ان ربطه بالظروف الاستثنائية ليس مطابقاً لواقع الحال في لبنان لأن المقصود بالظروف الاستثنائية اندلاع حرب أهلية، أو تعرض البلد لكوارث طبيعية: فيضانات أو هزات أرضية، إضافة الى تهديد مباشر لسلامة أراضيه من قبل دولة أخرى، تجيز، نظراً الى انقطاع الاتصال أو التواصل بين السلطة المركزية والمحافظين أو المسؤولين الإداريين في المناطق، لهؤلاء اتخاذ التدابير للحفاظ على مصالح البلاد العليا. أما القول إن اقتراح التعليق ينسجم بالكامل مع الاجتهادات الفرنسية وقرارات المجلس الدستوري، فإن مصادر وزارية سألت"ما المقصود بهذه القرارات الخاصة بالتمديد للمجالس الاختيارية والبلدية؟"لافتة الى ان المجلس الدستوري عاد وأبطل القانونين الصادرين في هذا الشأن. لذلك فإن مصادر في الأكثرية تعتبر ان الظروف الاستثنائية التي لوح بري بالاستعانة بها لتبرير اقتراح تعليق المادة 49 تتعارض كلياً مع الظروف المتعارف عليها في هذا المجال، خصوصاً أنها هذه المرة ناجمة عن الاختلاف في السياسة ونابعة من إرادة الأطراف المحليين وليست خارجة عن إرادتهم كالكوارث الطبيعية والحرب الأهلية. واعتبرت المصادر عينها ان ما يقترحه بري يشكل انقلاباً على الدستور ويمهد لإطاحة اتفاق الطائف"لا سيما ان لا شيء في الدستور اسمه التعليق الذي يأتي على قياس قوى المعارضة التي يبدو انها لا تريد انتخاب الرئيس لأن الضوء الأخضر لم يأتها من سورية وإيران وأن ممانعتها في ملء الفراغ لها أسباب خارجية وأن دورها يقتصر على ابتداع الذرائع على رغم ان بري كان يقول:"أنا امشي ولا يهمني ما يصدر من الخارج". وغمزت المصادر من قناة بري وقالت ان إصراره على تعليق العمل بالمادة 49 سيدفع قوى 14 آذار الى اتخاذ موقف منه يمكن ان يهدد مستقبل علاقة نواب الأكثرية برئيس المجلس، الذي لم يعد من وجهة نظرها الرئيس التوافقي الذي يرعى العلاقة بين الكتل النيابية. وعليه فإن التطورات المتسارعة على صعيد تعديل الدستور سترمي جلسة غد في مهب الريح ما لم تنجح الاتصالات العربية والدولية التي تكثفت أمس في إعادة فتح قنوات الحوار بين الأكثرية والمعارضة بحثاً عن مخرج لا يزعج هذا الفريق ولا يقلق ذاك، وإلا فإن الفراغ في الرئاسة سيبقى سيد الموقف حتى إشعار آخر.