اختتمت دمشق قبل أيام الدورة الجديدة لمهرجانها السينمائي الدولي الذي حظي باهتمام رسمي عجز عن دفع الانتقادات. فما أن أسدل الستار على الفعاليات المختلفة للمهرجان الذي عرض فيه أكثر من ثلاثمائة فيلم، حتى رحنا نسمع آراء وملاحظات متباينة تبدأ من الموظف الذي يقطع التذاكر وصولاً إلى مدير المهرجان محمد الأحمد، مروراً بتفاصيل أخرى تتعلق بالجوانب التنظيمية، وبوضع الصالات، وجنسيات الضيوف ومكانتهم السينمائية، ولعل الغائب الوحيد في هذه النقاشات هو الفيلم السينمائي. ولو قيض لنا سماع الملاحظات، من خلال الأحاديث الجانبية، لسمعنا مثلاً عن التعامل غير اللائق الذي قوبل به جمهور دار الأوبرا التي عرضت العدد الأكبر من أفلام المهرجان، بينها أفلام المسابقة الرسمية، ولسمعنا عن التأخير في عرض بعض الأفلام، وبعض التغييرات الطفيفة التي أدخلت على البرنامج، والترجمة الغائبة أو الرديئة في فيلم ما، وشروط العرض السيئة في بعض الصالات. وغيرها من التعليقات والانتقادات التقليدية التي لا يمكن لمهرجان ما أن يتخلص منها. هذا كله كشف أن السينما السورية بهمومها ومتاعبها لا تقوى على تحقيق مهرجان مثالي. وإذا كنا نقرأ عن ثغرات وتجاوزات تحصل في مهرجانات عالمية مثل"كان"وپ"البندقية"وپ"برلين"... وغيرها من المهرجانات ذات السمعة الدولية الطيبة، فما بالك بمهرجان مثل مهرجان دمشق السينمائي الذي يقام في بلد نامٍ يعاني من الفساد والروتين والبيروقراطية في مختلف المجالات. ولعل هذا ما أظهره، نسبياً، الفيلم السوري"خارج التغطية"للمخرج عبداللطيف عبدالحميد الذي فاز بجائزة المهرجان البرونزية، وفيه يسعى صاحب"ليالي ابن آوى"، الفيلم الأول والأجمل في تجربته السينمائية، إلى رصد تداعيات اعتقال أحد الشخصيات نضال سيجري على نفوس أفراد أسرته وصديقه الحميم فايز قزق الذي عمل لسنوات كي يخرجه من السجن. لكن العلاقة الغرامية التي تنشأ بين هذا وبين زوجة السجين تكاد تعصف بقيم سامية حين يجد نفسه أمام خيار صعب: إما الصداقة أو الحب!! والواقع أن الفيلم بدا متواضعاً بالقياس إلى أعمال أخرى سابقة لعبدالحميد، ومن هنا كان لا بد من التأويل بأن الجائزة جاءت بمثابة مجاملة من قبل لجنة التحكيم للبلد المضيف. إذ كيف يمكن لهذا"العرس السينمائي"أن يمر من دون أن يكون لسورية فيه"جائزة"! لكن المفاجأة اكتملت حين ذهبت الجائزة الفضية إلى الفيلم التركي"أزمان ورياح"للمخرج رها إردم، والذهبية إلى الفيلم الإيراني"انه الشتاء"لرافي بيتس، وبدا من الصعب على المراقب - عندئذ - أن ينظر إلى هذا الإنجاز السينمائي السوري التركي الإيراني دون ربطه بپ"الحلف السياسي الوثيق"الذي يجمع الدول الثلاث في هذه المرحلة، وكأن السينما قد طُوِّعت، على نحو ما، لتكون امتداداً قسرياً للسياسة!! بعيداً من هذا التأويل لا بد من القول إن الفيلم التركي استحق، ربما، الجائزة لكونه يرصد بلغة سينمائية شفافة الريف التركي، ويلتقط جماليات ذلك الريف الحزين عبر مفردات وعناصر نجحت في استحضار روح المكان الآسر لكنه أخفق في الاهتداء إلى حكاية ناضجة، في حين لم يرتق الفيلم الإيراني إلى مستوى الجائزة الذهبية على رغم السمعة الطيبة التي حققتها هذه السينما في المهرجانات والمحافل الدولية. جائزة"أفضل فيلم عربي"قطفها فيلم محمد خان"في شقة مصر الجديدة"وهو لا شك يستحق أكثر من ذلك، بينما نالت ممثلات الفيلم اللبناني"سكر بنات"لنادين لبكي، مجتمعات، جائزة"افضل ممثلة"، في حين كانت جائزة"أفضل ممثل"من نصيب الأرجنتيني خوليو تشافيز عن دوره في فيلم"الآخر"للمخرج أرييل روتر. جائزة مصطفى العقاد لأفضل إخراج، والتي أحدثت في هذه الدورة، ذهبت إلى الفيلم الإيطالي"مخرج حفل الزفاف"لماركو بيلوتشيو، أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فكانت من نصيب الفيلم التونسي"كحلوشة"لنجيب بالقاضي. أما بالنسبة الى جوائز الأفلام القصيرة فقد نال"الصرخة الأخيرة"للمغربي حميد باسكيت جائزة لجنة التحكيم الخاصة، بينما قطف الفيلم الهنغاري"وقائع المحكمة"البرونزية، في حين نال السوري"مونولوج"لجود سعيد الفضية، بينما كانت الذهبية من نصيب الفيلم الفرنسي"ارفع سماعة الهاتف".