استشهاد تسعة فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    رياح نشطة في مختلف مناطق المملكة    روسيا تشن هجوما بمسيرات    "التجارة": استمرار تقديم جميع الخدمات لجميع العملاء خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    أمير القصيم يوجه باستمرار العمل خلال إجازة عيد الأضحى    عبدالعزيز بن سعود يلتقي نائب أمير منطقة مكة المكرمة وأعضاء اللجنة الدائمة للحج والعمرة بإمارة المنطقة    النفط يتجه اليوم لتراجع أسبوعي    عبدالعزيز بن سعود يتفقد نقطة الفرز بمركز الشميسي ومركز المراقبة الميدانية    رئيس جمهورية المالديف: مبادرة طريق مكة تجسد اهتمام قيادة المملكة بخدمة الإسلام والأمة الإسلامية بأعلى درجات الإتقان والعطاء    اللجنة المنظمة لبطولة حائل للدرفت 2025 تختتم اجتماعها الأول    "الداخلية" تصدر قرارات إدارية بحق (11) مخالفًا لأنظمة وتعليمات الحج    اليحيى: تدشين مبادرة طريق مكة في المالديف يجسد تاريخًا من التعاون    الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي والصحي لانتشار قرود البابون على المجتمعات المحلية    شعبية الأهلي تتزايد في جازان وتبهر ملوك المدرجات    "الدرعية" تُعزّز حضورها في الصين عبر "معرض بورصة السياحة العالمية"    هاتفياً... ولي العهد ورئيس وزراء كندا يبحثان العلاقات الثنائية    دي ماريا يعود إلى نادي طفولته روساريو سنترال    أمير حائل يوجّه باستمرار العمل في الإمارة والمحافظات والمراكز خلال إجازة عيد الأضحى    الدرعية هوية سعودية في قلب شنغهاي    الحج يوحد العالم.. وتتنوع الثقافات    الجوع «يستوطن» غزة.. ولا حياة لمن تنادي    كأس الملك: الاتحاد لتحقيق الثنائية الأولى له والقادسية يحلم بلقبه الأول    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام القادسية في نهائي كأس الملك    سر رفض النصر تواجد رونالدو مع الهلال    أمير منطقة جازان يتفقد محافظة الحُرَّثْ    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ عدداً من الفعاليات    ضيوف خادم الحرمين: المملكة نموذج في خدمة الإسلام والمسلمين    شيخ شمل المخلاف يستقبل أعيان ومشايخ الخلاف    إعادة تعيين سعادة الأمين العام الأستاذة ديمة بنت يحيى اليحيى لقيادة منظمة التعاون الرقمي في مرحلة محورية تُركز على تعزيز مرونة الاقتصاد الرقمي والازدهار الاجتماعي    الجوازات: 1,255,199 حاجا من خارج المملكة حتى أمس الأربعاء    طلبة يقولون لبي بي سي: "نادمون" على التقديم لجامعات أمريكية بعد خطط إدارة ترامب بتعليق طلبات تأشيراتهم    السعودية تثمن إعلان الصين إعفاء السعوديين من تأشيرة الدخول    وسط تحذيرات أمنية مشددة.. فرنسا تضيق الخناق على ذراع «الإخوان»    أرباح البنوك الخليجية تنمو 7.1%    التقي نائب أمير مكة ودشن عدداً من المشاريع.. وزير الداخلية: القيادة حريصة على تعزيز أمن وسلامة الحجاج    "التخصصات": 5,125 خريجاً من البورد السعودي    "الداخلية: الالتزام بالأنظمة يحافظ على سلامة ضيوف الرحمن    أكد دعمه المتواصل لمبادرات رفع كفاءة خدمات الحجاج.. أمير المدينة يدشن أربع نقاط إسعافية جديدة    إعلاميون يواسون أسرة «بن مخاشن» في رحيل سليمان    منظومة متكاملة لهيئة مكة المكرمة.. والرشيد: خطة تشغيلية لنقل 2.1 مليون حاج خلال أيام معدودة    يدعم إنتاج التقنية العالية.. إطلاق مركز التصنيع المتقدم في الرياض    تحت رعاية ولي العهد.. توقيع ميثاق المياه العالمي وتدشين أعمال «المنظمة» بالرياض    تل أبيب تتوعد بحصار وجولات متتالية.. إسرائيل تصعد ضد الحوثيين وتقصف مطار صنعاء    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة مكة المكرمة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يزور صالة مبادرة طريق مكة بمطار الملك عبدالعزيز    موسكو تصر على "حياد كييف".. لافروف: جولة مفاوضات روسية – أوكرانية.. قريباً    أمير الشرقية يفتتح المؤتمر السعودي الدولي الثاني للتصلب المتعدد والأمراض العصبية المناعية    وزارة الداخلية تقيم معرض "لا حج بلا تصريح" بمحافظة جدة    أزمة ثقة    اليوم العالمي لصحة المرأة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يفتتح اليوم فعاليات المؤتمر الدولي للأمراض الجلدية    من أعلام جازان.. الأستاذ والأديب علي بن أحمد أبوطالب رحمه الله    لقاء الإعلاميين الأول للتعريف ببرنامج مدينة خميس مشيط الصحية    صمود الصحافة بوجه التحديات بالاندماج مع البدائل الرقمية    شَبَه الكتابة بالطبخ    73 متطوعاً يخدمون الحجاج في منفذ حالة عمار    إنهاء إجراءات الحجاج خلال 3 دقائق ب"مركز الترحيب"    الدكتورة سميرة إسلام.. سيرة حياة حافلة بالعطاء والريادة العلمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات - شيزوفرينيا بين المقاومة والانفتاح الثقافي
نشر في الحياة يوم 10 - 11 - 2007


الأحد 4/11/2007 : في عنق البئر
تهوي في البئر، لا تصل الى القاع ولا تستطيع معاودة الصعود.
الحياد.
فقدان الإحساس بالبداية والنهاية.
موقع للفتور، للبعد من الضوء ومن تراب يمكن أن تحفر فيه نفقاً.
الحياد رجل معلق في بئر، برهان على وجود ساكن.
موقع سلبي؟ ولكن، ماذا يفعل اللبناني غير المحايد؟ يصب حيويته في خطأ هنا أو خطأ هناك؟
المحايد اللبناني شبه ميت في الصراعات والحروب، أياً كان المنتصر وأياً كان المهزوم. لكنه في مراحل السلام هو الأكثر حركة وإنتاجاً والأبعد نظراً والأقدر على تكوين حداثة.
أهل الحداثة اللبنانية اليوم في موقف الحياد، في عنق البئر.
الاثنين: 5/11/2007 : بحر وجبل
هذا وطني يتصارعون عليه فأتركه الى أي مكان آخر هادئ، لأنه وطني الذي لا يهدأ. وقالت السيدة وطنك هو الأجمل، تقصد الطبيعة، وأقصد ما هو داخل الذات وعلاقات الأهل.
هذا وطني يتنقل بين سلطة وأخرى، ولأنني خارج السلطات يتسلطون عليّ فأتركه الى أي مكان آخر بلا سلطة.
وطني هذا أراه من السيارة بحراً كامد الزرقة وجبلاً كامد الخضرة، تماماً عند الغروب. هل السيارة تمضي أم المتوازيان، البحر والجبل، يعرضان أسرارهما في أول الليل؟ أرى الأسرار ولا يراها الآخرون. والسرّ مشهدٌ لا خبر، فرحٌ لا فضيحة، علاقةٌ لا انفصال.
أترك وطني حاملاً معي تلك الأسرار لأستطيع العودة.
الثلثاء 6/11/2007 : مفاضلة
يمكن تعدادهم بسهولة، هم عشرة أو عشرون أو ثلاثون على الأكثر، نرى بعضهم على الطرقات في مواكب محروسة، والآخرون على شاشة التلفزيون.
هؤلاء.
يقررون مصائرنا. زعماء في الداخل والخارج، يريدوننا أحياء لحفظ صورتنا كما رسمتها رغباتهم.
صورة لبنان، صورتنا، رسمها عشرة أو عشرون أو أكثر قليلاً، واختلفوا فلم تكتمل، أو أن خطوطها وألوانها تداخلت ونخاف أن يصل الأمر الى طلب محوها لتُرسم من جديد.
نستدعي محبين وكارهين، وهي مشكلتنا لا مشكلتهم. نحصد الثمار المرة لحروب 1975 - 1990، وامتنعنا عن النقد الذاتي بين عامي 1991 و2005 في المستويات التربوية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والفكرية والسياسية والقانونية والسلوكية، نقد ذاتي يستنهض قوى المجتمع الحية ويقدم نماذج إيجابية محفزة.
تنهض الأمم بعد الحروب فيما نحن نكرر ببلاهة الكلام التعبوي إياه السطحي أو التآمري لا فرق الذي قيل في العام 1975. ومن هذا الكلام تعابير مثل السيادة المطلقة والمقاومة المطلقة، وكلاهما خطر، لا يشبه لبنان واللبنانيين بل يشبه الحرب.
والحرب كانت دائماً نيران مقدسات نضفيها على كلام تعبوي.
لا وجود لسيادة مطلقة في عالمنا اليوم. ولا مجال لمقاومة مطلقة إلا بتحطيم وطننا فيما نتهيأ لردع العدو. المقاومة وسيلة والوطن بما هو أرض وإنسان هدف. الوطن أهم من المقاومة، إذا عقدت المفاضلة، ويبدو أن البعض يدعونا الى هذه المفاضلة.
الخميس 8/11/2007 : توبة الشعراء
حاييم غوري شاعر إسرائيلي عجوز حارب الفلسطينيين قبل سنة 1948 وبعدها، لكنه في هذه الأيام بدأ يعي كلام الأرض التي يعيش عليها، إذ تروي الأرض تاريخ أهلها بلا رقابة، ومن وعيه كلامها هذا المقطع من قصيدة له نقلها عن العبرية سلمان مصالحة، وتصفحتها حيث نشرت في مجلة"مشارف"الحيفاوية الفصلية - شتاء 2006 :
"أنا مليءٌ بالموتى.
أنا مليءٌ بموتى محفوظين داخلي.
أنا مليءٌ بأسماء منقوشة في الحجر
وأَيْمانٍ وهمساتٍ ونُذور.
أنا مليءٌ بآراء مُسبقة
ب لا خيارات وأبطال،
وهم صناديد كالأسود، كما يُقال،
وهم أخفُّ من نُسور.
أنا أقفُ كنشيدٍ وطنيّ،
حتى ينتهي.
أجلسُ، أُراقبُ نقطة في المكان.
مشبوهاً كما الباقين.
أنا مليءٌ بقرى مهجورة، حاجيات متروكة،
بنعالٍ فاغرة، مِزَق ألحفة صوفية، صُرر مثقوبة.
ببقايا تبن، أرسان ظلّت تنتظرُ حتى أعيت،
محاريث من خشب، مناجل، غرابيل، أرغفة جفّت. ...
أنا مليءٌ بصمت الحيطان، نوافذ اللاضوء. بنحاسٍ وجِفان.
أرى أباريق فارغة، ظُلُمات الآبار.
أرى حطّات، مناديل، شالات وملاءات،
هنا طرحةٌ أخرى، هنا بُرقعٌ آخر.
ألتقي كلاباً مجدوعة الآذان، بلا أسماء، ظلّت تحرس،
خلخالاً ينتظر حتى اليوم كاحله".
الشاعر المحارب أتى الى وطن الآخرين ليجعله وطنه الخاص، لكنه لم يستطع تفادي"خلخال ينتظر حتى اليوم كاحله".
ويعترف حاييم غوري في راحة المحارب بآلام الذين اقتلعهم من أرضهم، طامحاً الى غفران يلمّ الجميع، القدماء والوافدين. والغفران، المشوب غالباً بالتنصل، رسالة معظم الأدباء الإسرائيليين في مخاطبتهم وجدانهم ووجدان الآخر.
ولكن، لا ندري ما رأي الشاعر العجوز بكتاب الضابط الإسرائيلي المتقاعد داني باز"لا نسيان ولا غفران: مطاردة آخر النازيين"دار غراسييه - باريس 2007 الذي نقلت وكالات الأنباء انه يروي في ما يشبه السيرة الذاتية انضواء الكاتب في مجموعة أميركية سرية اسمها"البومة"، أسرت في كندا في العام 1982 الدكتور اربرت هايم الذي تسميه"المجرم النازي"، ثم حاكمته وأعدمته في جزيرة سانتا كاتالينا قبالة ساحل كاليفورنيا. ولم يعلم احد بمقتل الرجل لأن الحكومة النمسوية أعلنت في تموز يوليو الماضي عن جائزة مقدارها 50 ألف يورو لمن يقدم معلومات عن هايم تساعد في تحديد مكانه واعتقاله.
لا غفران في هذا العالم، لذلك تواصل الحروب تناسلها الشيطاني ولا تستطيع ايقافه توبة الشعراء.
الجمعة 9/11/2007 : افتراق ثقافي
كتب الشاعر التشيلي بابلو نيرودا عن إسبانيا في حربها الأهلية:
"ستسألون لماذا لا يتغنى شعره
بالأحلام وورق الشجر
وبالبراكين الجبارة في موطنه؟
تعالوا إذاً انظروا الدم في الشوارع
تعالوا انظروا
الدم في الشوارع
تعالوا انظروا الدم
في الشوارع".
وإذا كان نيرودا عبّر شعرياً عن المحنة الإسبانية في ثلاثينات القرن العشرين، فأين تعبير الشعراء اللبنانيين عما يحدث في بلدهم، على سبيل المثال حرب تموز يوليو 2006 والقتل والدمار بفعل آلة الحرب الإسرائيلية؟
السؤال ليس للوم بل لتقرير حال، إذ تبدو مأساة ضحايا العدوان كأنها في كوكب آخر، هو ثقافة"حزب الله"المفارقة للثقافة اللبنانية.
المفارقة تطرح مشكلة العلاقة بين الثقافة والمقاومة، خصوصاً في الصراع العربي ? الإسرائيلي المديد، فثقافة الناس المدنيين تنزع الى الانفتاح على أفكار الآخرين وفنونهم وطرائق عيشهم ونظراتهم إلى العالم، في حين تقوم ثقافة المقاومة على أيديولوجيا مقدسة أو شبه مقدسة تبدو ضرورية لتعبئة المقاتلين والمجتمع الذي يحتضنهم ويرعاهم.
وإذا كان الصراع مع إسرائيل مديداً، فالافتراق الثقافي سيحدث بين أهل المقاومة وشركائهم في الوطن، وأياً كان حجم التضامن، فالأمور آيلة الى اختلاف في الأمزجة وأولويات الأفكار والأحلام.
ويتطلب الأمر شيزوفرينيا ليستطيع اللبناني الجمع بين ثقافة المقاومة وثقافة الحياة المدنية. قد يتحمل هذه الشيزوفيرينيا سنة أو سنوات معدودات لكنه لا يستطيع ذلك طويلاً، فيتخلى عن ازدواجية شخصيته لينحاز الى أحد فريقين يتصارعان في الوطن نفسه: أهل المقاومة وأهل الحياة المدنية، ويصبح الصراع مع إسرائيل بالتالي في الدرجة الدنيا من الاهتمام.
وفي العودة الى نيرودا، ليس من شاعر لبناني سار على دربه، ينظر الى الدم في القرى اللبنانية والى الأطفال الموتى مثل أيقونات أسطورية في مجزرة قانا وغيرها.
لا كتابات شعرية لبنانية بارزة تعبر عن فظاعات العدوان الإسرائيلي. ولا نلوم الشعراء، إنما نشير الى حال الافتراق الثقافي في لبنان، خصوصاً أن للمقاومة أيديولوجياها الدينية، ولها أسبابها في ذلك، لكنها تتعارض بالضرورة مع الحداثة بما هي جوهر الوجود اللبناني الديموقراطي المتعدد المنفتح.
لن يقول شاعر لبناني قول نيرودا، وليس امتناعه هذا خيانة أو بلادة في الإحساس، إنه علامة اختلاف ثقافي لا يتنبه له أهل المنابر الكثر حين يكررون كلاماً واثقاً حتى الضجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.