سميرة آل علي أول امرأة برتبة عميد في تاريخ شرطة دبي    أمطار رعدية ورياح نشطة تضرب مناطق جنوب وغرب المملكة اليوم    أمانة جدة تشعر المباني الآيل للسقوط في حي الرويس    استشهاد 12 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي شقة وخيمة في قطاع غزة    فريق AG.AL بطلا لمنافسات Honor of Kings في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    نائب وزير الرياضة يتوّج الفلبيني "كارلو بيادو" بلقب بطولة العالم للبلياردو 2025    الذكاء الاصطناعي يسرع الاحتيال المالي    ثعبان بربادوس الخيطي يظهر بعد عقدين    المكونات الأساسية للحياة على الأرض    أنغام تطمئن جمهورها بعد الشائعة    قصر كوير    التوسع في صناعة السجاد اليدوي بين الأسر    صواريخ جزيئية تهاجم الخلايا السرطانية    18 ألف حياة تنقذ سنويا.. إنجاز طبي سعودي يجسد التقدم والإنسانية    عبد المطلوب البدراني يكتب..عودة الأنصار مع شركة عودة البلادي وأبناءه (أبا سكو)    "سدايا" تدعم الدور المحوري للمملكة    الرئيسان السوري والفرنسي يبحثان مستجدات الأوضاع في سوريا    صفقة من العيار الثقيل تدعم هجوم أرسنال    اقتران هلال صفر 1447 بنجم "قلب الأسد" يزيّن سماء الحدود الشمالية    ترقب عالمي لتأثير الفائدة على أسعار الذهب    اتفاقية التجارة الأمريكية اليابانية تثير التساؤلات    العنوان الوطني شرط لتسليم الشحنات البريدية    الأهلي يخسر ودية سيلتيك بركلات الترجيح    الاحتراف العالمي الجديد    بلازا يعلن قائمة "أخضر الصالات" المشاركة في بطولة القارات    "أنتوني" يرحب بالاحتراف في الدوري السعودي    القيادة تعزي رئيس روسيا الاتحادية في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب بمقاطعة آمور    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    تمكيناً للكفاءات الوطنية في مستشفيات القطاع الخاص.. بدء تطبيق قرار توطين مهن طب الأسنان بنسبة 45 %    47 اتفاقية بقيمة 24 مليار ريال.. السعودية.. دعم راسخ للتنمية المستدامة والازدهار في سوريا    نور تضيء منزل الإعلامي نبيل الخالد    الفيفي إلى عش الزوجية    تدشين مبادرة "السبت البنفسجي" لذوي الإعاقة    مساعد وزير الدفاع للشؤون التنفيذية يزور جمهورية تركيا    أغلقته أمام عمليات تفتيش المنشآت.. إيران تفتح باب الحوار التقني مع «الطاقة الذرية»    واشنطن تحذر من المماطلة.. وجوزيف عون: لا رجوع عن حصر سلاح حزب الله    أليسا وجسار يضيئان موسم جدة بالطرب    وفاة الفنان زياد الرحباني.. نجل فيروز    أحمد الفيشاوي.. "سفاح التجمع"    "سوار الأمان".. تقنية لحماية الأطفال والمسنين    وسط تحذيرات من المخاطر.. 1.3 مليون سوداني عادوا من النزوح    201 رحلة يوميا بمطارات المملكة    خطيب المسجد الحرام: التشاؤم والطيرة يوقعان البلاء وسوء الظن    إمام المسجد النبوي: الرُسل هم سبيل السعادة في الدنيا والآخرة    رحيل زياد الأسطورة    6300 ساعة تختم أعمال الموهوبين بجامعة الإمام عبدالرحمن    عسكرة الكافيين في أميركا    بتقنية الروبوت الجراحي HugoTM️ RAS .. مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يجري عمليتين ناجحتين    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب    رئيس أركان القوات البحرية يلتقي عددًا من المسؤولين الباكستانيين    أمير الشرقية يعزي أسرة الثنيان    نائب وزير الرياضة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته لمدة أربع سنوات    ترحيل 11183 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ثقافة" الفقر
نشر في الحياة يوم 22 - 10 - 2007

نكاد ننسى فقراء العالم. عصرنا الحديث يكاد ينسينا إياهم. الثورة الرقمية، الانترنت، الفضائيات ... والعولمة التي حوّلت كوكبنا"قرية"أقصتهم الى الأطراف وكأنهم ليسوا من هذا العالم الجديد، كأنهم ينتمون الى عالم قديم أضحى في عداد الذكرى. كلّ"أساطيرنا"الحديثة أنستنا إياهم: الحروب المعلنة وغير المعلنة، الارهاب الذي يضرب هنا وهناك، التسلّح والسباق على التسلّح، الصعود الى الفضاء، ثقافة الاستهلاك، سقوط الايديولوجيا، انهيار المعسكرين، اليسار الذي لم يبق يساراً، اليمين الذي أصبح يميناً آخر، الأفكار الكبيرة والأفكار الصغيرة...
نكاد ننساهم هؤلاء الفقراء الذين ما برحوا يملأون عصرنا مثلما ملأوا التاريخ من قبل. كأنهم أصبحوا أطيافاً أو شخصيات في روايات. كأنهم هنا وليسوا هنا. لا أحد يتذكرهم إلا عندما تصدر احصاءات وبيانات. انهم الفقراء الذين علمتنا الأديان أن نحبهم وكذلك المبادئ والعقائد، أن نحبهم لا أن نشفق عليهم، أن نحدب عليهم، أن نحنو عليهم، أن نحترمهم هم"ملح"الأرض!
الأرقام التي وزّعتها الأمم المتحدة قبل أيام في"يوم"الفقر العالمي تدعو الى التشاؤم. لم تتبدل المأساة منذ مطلع الألفية الثالثة عندما اتفق زعماء العالم في"قمة"عالمية على مكافحة الفقر والجوع والمرض... كان مطلع الألفية حينذاك، قبل سبعة أعوام، مدعاة للأمل بعد ذلك المؤتمر العالمي الذي أكد أن القضاء على الفقر ممكن عبر مراحل. كان ذاك وعداً جميلاً، لكنه على ما يبدو، لا يزال وعداً وحبراً على ورق. الأرقام التي وزعتها الأمم المتحدة وجمعية"فن الحياة"عن الفقر والفقراء في عالمنا تؤلم كثيراً وتخيف كثيراً: ماذا يعني أن يموت كل يوم خمسون ألف شخص معظمهم من الاطفال نتيجة الققر الشديد وليس"المدقع"كما اعتدنا أن نصفه؟ ماذا يعني أن يموت كل سنة ستة ملايين طفل من سوء التغذية قبل أن يبلغوا الخامسة؟ ماذا يعني أيضاً أن يذهب كل يوم أكثر من ثماني مئة مليون شخص الى النوم جائعين؟ هل يمكن تصور هذه الملايين من الاشخاص ينامون من غير أن يتناولوا العشاء، متضورين جوعاً لا صائمين طبعاً ولا مترفعين عن نهم الجسد أو مكتفين بغذاء الروح؟ ماذا يعني أن ينام مواطن من هذا العالم جائعاً، مكرهاً على الجوع والصمت فيما الملايين في العالم نفسه تقضي ليلها في المآدب أو أمام الشاشات أو...؟ كم يخجلنا فعلاً هذا الجوع، جوع أولئك الذين ينامون بلا عشاء، كم يحرجنا هذا الجوع نحن الذين لا نستطيع أن ننام بلا عشاء.
يصعب فعلاً، بل يستحيل تصوّر طفل ينام خاوي المعدة! هذا يحصل في الروايات والأفلام. أيمكن في عصرنا، عصر الحداثة، وما بعدها، أن ينام طفل من غير أن يقتات ولو بكسرة خبز أو نقطة حليب؟ أيمكن أن تخلو أم الى نومها"الكابوسي"حتماً، من دون أن تأكل ولو القليل مما يجب أن يملأ جوفها؟ إنه الجوع يعيد انسان القرن الحادي والعشرين الى عصور خوال كان همّ المرء فيها أن يوفّر لقمة عيشه. انه الفقر الذي يقضي على انسانية الانسان ويجعله أشبه بحيوان بشري لا غاية له سوى البحث عن حاجته الماسة، أن يأكل ويأكل فقط.
ما أشد ظلم عالمنا الحديث، ما أشد ظلم حداثتنا! البلايين من الأموال تنفق على التسلّح، وغاية التسلّح ليست إسعاد البشر بل قتلهم! البلايين تصرف أيضاً على الثورات العلمية والفضائية والرقمية فيما ملايين المواطنين في افريقيا والعالم الثالث والرابع لا يستطيعون اقتناء جهاز راديو أو تلفزيون! ملايين الموائد تسقط عنها المآكل كالفتات فيما الملايين تستعطي اللقمة....
عالم يعترف بالفقر والفقراء، لكنه لا يسعى الى انهاء الظروف القاسية جداً والمؤلمة جداً التي تقتل الانسان وتفتك بالعدل والإخاء وتفضح أكاذيب العصر الحديث. الفقراء ما عادوا يحتاجون الى الوعود التي تسقط من هنا وهناك، إنهم يحتاجون الى الأكل والملبس والحياة الممكنة والعيش بما توافر. لم يعودوا في حاجة الى مَن يدافع عنهم ويتبنى قضيتهم ويتكلم باسمهم... إنهم يحتاجون الى القليل مما يجعل حياتهم الأقل من الحياة، حياة مقبولة ولو باليسير.
نكاد ننسى فقراء العالم. الأرقام الأليمة وحدها تؤكد أن العالم الجديد، عالم الألفية الجديدة، يكاد ينساهم تماماً. عصر الثورة العلمية يكاد ينساهم، هم أبناء"الضواحي"، أبناء"أطراف"العالم، المهمّشون والمنسيون، الذين لا ماضي لهم ولا مستقبل، الذين لا حاضر لهم. لا يكفي أن يرث الفقراء السماء، كما تعلمنا الكتب، يجب أن يذوقوا"ملح"الأرض أيضاً، يجب أن يتنسموا هواء الأرض وأن ينعموا بنورها.
كلما دار الكلام حول الفقراء أتذكر رواية الكاتب الروسي دوستويفسكي"الناس الفقراء". هذه الرواية التي اعتبرت في نهاية القرن التاسع عشر"أول رواية روسية اشتراكية"تمنح الكثير من الأمل في أن الفقر قد يزول يوماً لا سيما إذا اقترن بالحبّ. أما اذا تذكرت"المعذبون في الأرض"لطه حسين أو بعض أعمال نجيب محفوظ مثلاً أو الكاتب المصري بالفرنسية ألبير قصيري ورواية"جوع"لمحمد البساطي، فالأمل يصبح ضئيلاً نظراً الى أحوال الفقر الرهيب التي عمّمها هؤلاء.
مَن يكتب اليوم عن الفقر والفقراء؟ قضية الفقر عزلها الأدب الحديث في"الهامش"، والأدباء المعاصرون الذين يستوحون هذه القضية أصبحوا قلة بعدما أوغل الأدب في عالم أقل واقعية ومباشرة، وأشد إلغازاً وعمقاً!
لكن الفقر يبقى قضية القضايا وإن لم يعد يشكل مادة أدبية رائجة! ولعل"ثقافة"الفقر هي التي تدفعنا الى التفكير بهؤلاء المنسيين الذين يشكون حالاً من"العار"في حياتنا وحياة العالم الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.