على أطراف العاصمة تونس تمدَدت مدينة حديثة أنشئت في السنوات الأخيرة على ضفاف بحيرة كانت مُهملة طيلة قرون على رغم كونها متصلة بالبحر المتوسط. ويُعتبر مشروع تطهير بحيرة تونس واستصلاح ضفافها في أواخر القرن الماضي باستثمارات سعودية أكبر مشروع عقاري أبصره البلد، إذ أتاح تهيئة مدينة تتسع لأكثر من أربع مئة ألف ساكن. ومع استقطاب المدينة الجديدة غالبية السفارات والشركات الأجنبية العاملة في البلد، إلى جانب أحياء سكنية راقية، بات إيجاد فنادق ومنشآت سياحية ضرورة لاستثمار موقع المدينة وميزات بحيرتها ذات النوافير المضاءة ليلاً. وبعد اكتشاف جمال المعالم الجديدة والطابع الحديث للمباني أقبل مستثمرون على إقامة فنادق من طراز رفيع في ضاحية البحيرة لاستقطاب زبائن من رجال الأعمال الذين يزورون البلد ويفضلون الإقامة بعيداً عن ضوضاء وسط المدينة المزدحم بحركة الناس وتدفق السيارات على مدار اليوم. وتتسم هذه الفئة من السياح بكونها لا تأتي إلى البلد من أجل الاستمتاع بالبحر وإنما هي مرتبطة بالأعمال أو السياحة الثقافية. ويحب هؤلاء السياح ضاحية البحيرة الهادئة والقريبة من وسط العاصمة حيث الوزارات ومكاتب المصارف الرئيسية، وكذلك من المطار الذي لا يبعد عنها أكثر من خمسة كيلومترات. وتشكل ضاحية البحيرة لوحة معمارية متناسقة بحدائقها الجميلة وهندستها الحديثة وضفافها التي يُقبل عليها هواة رياضة المشي وكورنيشها الفسيح الذي تنطلق منه نوافير المياه على أصوات الموسيقى مُحاكية نسق الأنغام. ويتوسط البحيرة برج اسباني يعود بناؤه إلى القرن الخامس عشر، وهو يبدو مثل جزيرة عائمة متصلة باليابسة. وتولت وزارة الثقافة الإسبانية ترميم البرج الذي يعتبر صورة حية عن القلاع التاريخية، غير أنه مُرمم بطريقة يبدو معها وكأنه أنشئ في السنوات الأخيرة. وتشتمل الفنادق في الضاحية على عمارة أصيلة مقتبسة من خصائص المجتمع المحلي مثل الحمام التركي والمطاعم والمقاهي المُطلة على البحيرة وقلعتها التاريخية. كذلك تطل شرفات الفنادق على مدينة تونس التي تمتد فوق ربوة على الضفة المقابلة بمساجدها وقبابها ومعالمها التاريخية. ويقول جان فرانسوا ريمي مدير عام فندق كونكورد ل"الحياة"إن غالبية السياح الذين يزورون منطقة البحيرة هم من الأوروبيين بنسبة 90 في المئة، والباقي من مواطني البلدان العربية. ويوضح أنهم من رجال الأعمال الذين يأتون لعقد اجتماعات أو المشاركة في مؤتمرات أو لزيارة شركات ومصارف، ولذلك أعدت لهم قاعات للمؤتمرات ووسائل العمل والإتصال اللازمة. ونظراً الى أن رواد فنادق البحيرة يمضون يومهم في اجتماعات مُضنية يجري التخطيط لإقامة مدينة رياضية تساعدهم على الإسترخاء وتجديد قواهم. وتعهد مستثمرون إماراتيون بإقامة المدينة الرياضية التي تشتمل على أكثر من تسعة ملاعب مختلفة. وعلى الطرف الآخر من البحيرة يزور السياح ميناء حلق الوادي، وهو الميناء الرئيسي القريب من العاصمة تونس، ويستقطب رحلات السفن المُحملة بالمسافرين الأوروبيين الذين يحبون سياحة الرحلات. واستقبلت الموانئ التونسية 450 ألف سائح في العام الماضي أتوا على متون 372 سفينة سياحية، أي بزيادة نسبتها 26 في المئة قياساً على السنة السابقة، على رغم الأوضاع المتقلبة في المنطقة المتوسطية والزيادات المتعاقبة في أسعار الوقود. وباشر التونسيون إنشاء محطة سياحية جديدة في محيط ميناء حلق الوادي لمجابهة الإقبال المتزايد للسفن السياحية التي تأتي إلى البلد. كذلك لا يتوانى السياح الذين ينزلون في فنادق ضاحية البحيرة عن اقتناص الفرص لزيارة مدينة سيدي بوسعيد الجبلية المُطلة على البحر والتي لا تبعد أكثر من عشرة كيلومترات عن فنادقهم. وتُلخص المدينة آيات العمارة المغربية والأندلسية، وهي تتميز بجمال شوارعها المعلقة بين البحر والجبل وبيوتها ذات اللونين الأبيض والأزرق وموقعها المُشرف على عدة مدن في الضواحي الشمالية للعاصمة تونس. واختار كثير من الفنانين والسينمائيين والشعراء الذين زاروا البلد الإقامة فيها. كذلك يُقبل زبائن فنادق البحيرة على لعبة الغولف، ويوجد في تونس حالياً ثلاثة ملاعب غولف قريبة من ضاحية البحيرة. وسيتم إنشاء ملعبين جديدين الأول في ضاحية قمرت على ساحل البحر المتوسط، والثاني في محيط البحيرة نفسها. ويستمتع زوار البحيرة في أيام الإجازات وأوقات الفراغ بزيارة المتاحف القريبة وفي مقدمها متحف الموسيقى المتوسطية في ضاحية سيدي بوسعيد والمتحف الوطني في ضاحية باردو. ويُقدر عدد زوار المتحف الوطني ب600 ألف سائح في السنة. كذلك يزورون متحف قرطاج القريب من البحيرة أيضاً والذي يقوم فوق تلة تطل على البحر المتوسط، وهو في مثابة نافذة كبيرة تفتح على الموانئ الفينيقية. ويُعتبر المتحف الذي أنشئ في السنة 1879 أقدم متحف في البلد، وهو يتميز بشدة اقبال السياح عليه كونه يقع بين آثار المدينة التي أسستها الملكة أليسار في السنة 840 قبل الميلاد، بعد وصولها من صور. ويضم المتحف مجموعة نادرة من اللوحات الفسيفسائية هي الأكبر في نوعها في المنطقة المتوسطية، بالإضافة لمنحوتات وآثار وأواني ومعدات زراعية وألبسة وأسلحة تحكي جوانب متعددة من حياة القرطاجيين. ويكاد لا يتخلف سائح عن زيارة هذا المتحف الشهير قبل الانتقال إلى الموانئ الفينيقية عند سفح التلة. وهكذا تتيح ضاحية البحيرة للسياح ورجال الأعمال المولعين بالثقافة أن يجمعوا بين العمل والإستمتاع بميزات البلد السياحية والثقافية.