يخوض الرئيس جورج بوش"حرب الأفكار"مدعوماً بأعتى ترسانة عرفتها البشرية، وبتنظيرات المحافظين الجدد. بينهم عرب ومعظمهم يساريون تروتسكيون سابقون، مثلهم مثل اقرانهم الاميركيين تماماً. التصدي ل"الاسلام الفاشي"أحدث فكرة أطلقها بوش منذ أيام. كيف؟ يعتقد الاكاديميان الاميركيان جون مارشايمر وستيفن والت ان هذا التصدي لن يكون إلا بالتحالف القائم بين الجماعات الانجيلية والتنظيمات اليهودية في اميركا. ومن خلال العودة الى الأصول الدينية والفكرية لهذه الجماعات. اي من خلال مواجهة الأصولية الاسلامية بأصولية مسيحية، جذورها عميقة جداً في المجتمع الاميركي. أما شعار هذه المواجهة فنشر الديموقراطية والحرية في الشرق الأوسط. قال الرئيس الاميركي، مبرراً الحرب الاسرائيلية على لبنان:"هناك الكثير من العذاب في لبنان لأن حزب الله هاجم اسرائيل. هناك الكثير من العذاب في الأراضي الفلسطينية لأن حماس تحاول وقف الديموقراطية. وفي العراق عذاب كثير لأن الارهابيين يحاولون نشر العنف الطائفي لمنع الديموقراطية من التقدم. ان الحرب على لبنان بدأت فجأة. عندما خطف حزب الله جنديين اسرائيليين وبدأ قصفه الصاروخي عبر الحدود"؟ هذا التبسيط الساذج لأحداث بحجم الحرب على العراق والعدوان الاسرائيلي على لبنان وصعود"حماس"ديموقراطياً الى السلطة واحتلال فلسطين، لا يماثله في السذاجة سوى تنظيرات لم تر في الحرب سوى التصدي لمحور الشر الاميركي سورية وايران وطبعاً ل"اسلام فاشي". أما عن أي اسلام يتحدث بوش؟ وماذا يعرف عنه غير الوجه الآخر لعملة التطرف المتمثل بأسامة بن لادن وأصحابه؟ فهذا يثقل عليه التفكير. لكنه على رغم ذلك تعمق في المذاهب الاسلامية. قال:"التطرف الشيعي المتمثل بإيران هو بخطورة التطرف السني المتمثل بالقاعدة". والحرب قائمة. لذا ركز البيت الابيض في أحدث نسخة معدلة لاستراتيجيته في الشرق الاوسط على تعلم اللغات، خصوصاً العربية. ودراسة الحضارة الاسلامية. لماذا؟"كي نتصدى للايديولوجيا"المغايرة والدعاوة المغرضة ضد الولاياتالمتحدة. لا نستبعد، والحالة هذه، أن يكون بين الأساتذة الذين سيضطلعون بتدريس الحضارة الإسلامية، لمن يستحق من رجال الاستخبارات والإدارة، البروفسور فؤاد عجمي المحب لهذه الحضارة، أو صموئيل هانتغنتون الأشد اعجاباً بها. وعندها سينشر هؤلاء، مع تلاميذهم، السلام والأمن في الشرق الأوسط وخارجه. وستخرج أجيال جديدة من المستشرقين. اللمعة الاستراتيجية الجديدة وضعها المركز القومي لمكافحة الإرهاب هي أن"كسب حرب الأفكار يعتمد على ايجاد تسوية للقضية الفلسطينية". لمعة ثمرة حروب مدمرة، إحداها مستمرة في العراق، منذ ثلاث سنوات، أدت الى تفكيكه وتقسيمه، عملياً، بين الطوائف والمذاهب والأعراق، بإشراف مباشر من رامسفيلد وتشيني. وبعد قتل عشرات الآلاف من أبنائه، وهدم مدارسه ومستشفياته، وبعد عدوان على لبنان دمر مناطق كاملة وشرد مليون إنسان... وبعد حوالي ستين سنة من الحروب المستمرة على الفلسطينيين بتماهٍ كاملٍ بين إسرائيل والولاياتالمتحدة. متى تكون التسوية وكيف؟ الجواب متروك للمستقبل. ولكن الأفضل أن تأتي بعد نشر الديموقراطية والحرية، وبعد أن تشرد إسرائيل من بقي من الفلسطينيين، وربما بعد هجوم وشيك على إيران. نعيش محاصرين بين مبشرين: واحد قادم من تكساس، وآخر في كهوف تورا بورا. الأول يسعى الى دراسة الحضارة الإسلامية، على ضوء ايديولوجيا توراتية، والآخر يدعي أنه الأقدر على فهمها. والحروب كثيرة.