فاجأت الاغتيالات الأخيرة التي نفذها الجيش الإسرائيلي ضد النشطاء الفلسطينيين حتى الإسرائيليين أنفسهم. وعنونت احدى الصحف العبرية أمس تقريراً لها عن عمليات الاغتيال هذه التي أعادت احياء مظاهر الدماء والدمار بعد ان غابت قليلا عن المشهد اليومي للحياة في الأراضي الفلسطينية ب"عشرة اغتيالات في غضون أربعة أيام فقط". وصباح امس ارتفع عدد الاغتيالات الى 11. وأعاد إيهود أولمرت، وريث شارون في رئاسة الحكومة وحزب"كديما"الى الاذهان باستئنافه الاغتيالات على هذا النحو الواسع والعشوائي، تجربة السياسي المخضرم شمعون بيريز وريث اسحق رابين، في محاولاته تقليد سلفه عندما أقدم العام 1996 على شن سلسلة غارات مدمرة على الأراضي اللبنانية أسفرت عن مجزرة قانا الرهيبة التي راح ضحيتها اكثر من مئة شخص. وأقدم أولمرت في سعيه للتماثل مع سلفه شارون الماضي في غيبوبته الطويلة على استخدام القوة"المعتدلة بالتأكيد"في اخلاء مستوطنين يهود من بؤرة استيطانية أقاموها الى الشمال من مدينة رام الله اخيراً من دون ترخيص رسمي. ودخل شارون التاريخ العبري بصفته أول زعيم اسرائيلي يخلي عدداً كبيراً من المستوطنات جميع مستوطنات قطاع غزة وأربع مستوطنات في الضفة. وإخلاء مستوطنات هو الجزء المحوري في خطة شارون للانسحاب الاحادي الجانب التي باتت العقيدة السياسية لحزبه الجديد الوسطي"كديما"التي تميزه عن احزاب اليمين واليسار في اسرائيل. وأعلن أولمرت في مقابلة تلفزيونية ضمن حملته الانتخابية مساء أول من أمس ان نيته تتجه الى"فصل مع الفلسطينيين والى اقامة حدود نهائية لدولة اسرائيل مع الضفة الغربية"، في حال فوزه في الانتخابات العامة المقررة في آذار مارس المقبل. وقال اولمرت، في تفصيل رؤيته لهذه الحدود التي تتضمن تفكيك وازالة عدد من المستوطنات الواقعة وسط الضفة، انه سيحتفظ بالسيطرة على"وادي الأردن والتجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة إضافة الى القدس الموحّدة". ويمتد وادي غور الأردن على مسافة 150 كليومتراً تقريباً من بحيرة طبريا شمالاً الى البحر الميت جنوباً ومن شأن ضمه ان يترك دولة فلسطينية تقوم في المستقبل مطوقة باسرائيل من كل الاتجاهات. وذكر أولمرت من بين المستوطنات التي ينوي ضمها للدولة العبرية كلاً من"معاليه أدوميم"و"ارئيل"و"غوش عتصيون". وكما في اغتيالاته الخارجة عن سياقها في وقت تشهد فيه جبهة الصراع بين الجانبين هدوءاً لا لبس فيه، جاءت تصريحاته السياسية كذلك. فالمستوطنات المشار اليها مع غور الأردن تساوي حوالي 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية وهو ما قد يضع نهاية لمشروع التفاوض ويستبدله بالاجراءات الأحادية الجانب. وعادة ما يلجأ الساسة الاسرائيليون القادمون من المؤسسة المدنية مثل أولمرت الى اجراءات عسكرية متطرفة لجذب اصوات الناخبين في هذه الدولة التي يحتل فيها الجيش والأمن الأولوية على كل ما عداهما. لكن مثل هذه الاجراءات قد لا تشفع لأصحابها في ظروف التوتر العالي، مثلما حدث مع بيريز الذي فضل الجمهور عليه شخصية ذات نبرة تطرف عالية هو بنيامين نتانياهو في انتخابات العام 1996 التي جاءت بعد موجة عمليات ثأرية على اغتيال رئيس الجناح العسكري لحركة"حماس"يحيى عياش، أسقطت عشرات المدنيين. والسؤال المثار اليوم في اسرائيل هو: هل تؤدي عمليات الاغتيال العشوائية التي يأمر بها أولمرت الطامح الى حمل الصورة الحديدية التي حملها سلفه شارون الى ردود فعل فلسطينية تؤدي الى سقوطه بذات الطريقة التي سقط فيها بيريز عام 1996، خصوصاً أنه استهدف مجموعات عسكرية ملتزمة الهدنة مثل كتائب شهداء الأقصى؟ أم ان وجود"حماس"في الحكم يقلل من مثل هذه الإمكانية؟