قدم رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي سيرج براميرتز الى مجلس الأمن الدولي أمس، بياناً عن تقريره الثاني حول التحقيق، تضمن عرضاً ملخصاً لما تم انجازه خلال الأشهر الماضية والنقاط التي سيركز عليها التحقيق في المرحلة المقبلة. يتضمن التقرير كما قال براميرتز المزيد من التقدم المحرز في التحقيق حول اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري و 22 شخصاً غيره. كما انه يوفّر بعض المعلومات الإضافية حول المساعدة الفنية التي كانت تقدّمها اللجنة للسلطات اللبنانية في التحقيق في 14 جريمة أخرى."وقد طوّرت اللجنة في شكل خاص نشاطاتها الاستقصائية وزادت المساعدة الفنية التي توفّرها إلى السلطات اللبنانية، كما عززت هيكليتها وقدرتها التنظيميتين واعتمدت إجراءاتها الداخلية. وجاء في بيان براميرتز:"خلال الأشهر الثلاثة الفائتة، طوّر التحقيق 24 مشروعاً، وتجرى حالياً دراسة هذه المشاريع في شكل متزامن وتضم التحاليل الجنائية لموقع الجريمة وموكب السيارات ومراجعة الاتصالات بين مرتكبي الجريمة المزعومين والتحقيق مع شهود رئيسيين ومصادر حساسة. وبذلت اللجنة جهوداً كبيرة خلال 23 يوماً من الاستقصاء الجنائي المنهجي في الظروف المباشرة لاغتيال الحريري. وشكل أحد أهدافها الرئيسة وضع نظرية موحدة حول إمكان حصول الانفجار تحت سطح الأرض أو فوقه، أو حصول انفجار واحد أو اثنين أو مزيج من الاثنين، وحول كيفية تفجير القنبلة. وسيسهل هذا الأمر فهم التخطيط للجريمة وتنفيذها وطبيعة الفريق الذي نفّذ عملية الاغتيال وأعضاءه ومهاراتهم والتنسيق في ما بينهم والمدة التي اتُخذ خلالها قرار اغتيال رفيق الحريري، فضلاً عن مدى تورّط أفراد آخرين أو احتمال علمهم المسبق بذلك أو مشاركتهم فيه". وأضاف:"وبالاستناد إلى نتائج هذه التحقيقات والتحاليل والبراهين التي تم جمعها لغاية الآن، توصّلت اللجنة إلى الاستنتاجات الأولية التالية: حصل انفجار فوق سطح الأرض في 14 شباط فبراير 2005 في تمام الساعة 12:55:05. وتم تفجير مواد متفجّرة مركبة وضعت في شاحنة ميتسوبيشي خلال مرور موكب الحريري. واحتوت المتفجرة على 1200 كيلوغرام من مادة التي. أن. تي. ومن المرجح ان يكون فجّر القنبلة شخص داخل الميتسوبيشي أو مباشرة أمامها. ولا تعتقد اللجنة ان تبني مسؤولية الاغتيال في شريط الفيديو الذي سُلّم إلى"رويترز"وپ"الجزيرة"مباشرة بعد الاغتيال يحدد هوية هذا الشخص. وفي الواقع، توحي تحاليل الحمض النووي للبقايا البشرية التي وجدت في موقع الجريمة انه ليس من دليل بأن الشخص الذي تبنى مسؤولية الهجوم واسمه أحمد أبو عدس هو الشخص الذي فجر القنبلة. يجب النظر إلى الجريمة بأنها عملية اغتيال ذات هدف محدد، وقد رفعت كمية المتفجرات الكبيرة المستعملة العملية إلى المستوى"المضمون". وكان الهدف من حجم الانفجار ضمان نجاح العملية حتى في حال عدم إصابة سيارة الحريري في شكل مباشر. وقال ان اللجنة طورت فرضيتي عمل أساسيتين تتعلقان بكيفية تنفيذ الهجوم: فمن جهة، تدرس اللجنة إمكان تخطيط الهجوم وتنفيذه بطريقة مجزأة. ما يعني عملياً ان أشخاصاً عدة كانوا مسؤولين أو متورطين في تخطيط الهجوم وفي عمليات الاستكشاف والمراقبة وتحضير المتفجرات المركبة، وشراء شاحنة الميتسوبيشي وتحديد الأشخاص بهدف استعمالهم في آلية التنفيذ، وفي شريط فيديو تبني المسؤولية. ولربّما نفّذ أفراد أو مجموعات كل جزء من العملية من دون ان يكونوا بالضرورة مدركين أو متورطين في أجزاء أخرى من العملية. من جهة أخرى، لا تستبعد اللجنة احتمال ان يكون قد تم التخطيط للعملية وتنفيذها من قبل فريق واحد، صغير نسبياً. وتدرس اللجنة فرضيات تتعلّق بالأشخاص الذين أصدروا الأوامر بتنفيذ الجريمة. ونظراً إلى المواقع المختلفة التي كان يشغلها رفيق الحريري ونطاق نشاطاته الواسع على مستوى القطاعين العام والخاص، تتقصى اللجنة عدداً من الدوافع المختلفة، منها الدوافع السياسية وأعمال الثأر الشخصية والظروف المالية والإيديولوجيات المتطرفة، بالإضافة إلى أي تقاطع بين الأسباب المذكورة أعلاه. وفي هذا الإطار، تتابع اللجنة خوض سلسلة من الاستجوابات تطاول أشخاصاً يعتقد أنهم يستطيعون المساهمة في توضيح التركيبات الرسمية وغير الرسمية التي كانت سائدة في لبنان، والمنطقة في شكل عام، عند وقوع الجريمة. وتشمل العملية استجواب مسؤولين سوريين ولبنانيين ينتمون إلى عدد من المنظمات والوكالات المختلفة. التعاون مع الدول الأعضاء وعن التعاون السوري مع اللجنة قال براميرتز:"يتّصف مستوى التعاون الذي قدمته سورية إلى اللجنة خلال فترة إعداد التقرير بالتعاون المرضي في شكل عام. فقد استجابت سورية المطالب جميعها ضمن الإطار الزمني المحدد. في بعض الأحيان، أتت الإجابات شاملة. منذ آذارمارس، تقدّمت اللجنة من سورية بپ16پطلباً رسمياً تحضّها على التعاون. ويدعو بعضها أجهزة الاستخبارات العسكرية والمدنية السورية في لبنان إلى تقديم معلومات مفصّلة في إطار زمني محدد. ويدعو البعض الآخر إلى تسهيل عملية استجواب الشهود في سورية أو تبادل المعلومات التي حصلت عليها السلطات السورية في سياق التحقيقات التي أجرتها. وتمت الاستجابة إلى ثلاثة من هذه المطالب نتيجةً لقاءاتي مع الرئيس ونائب الرئيس في 25 نيسان أبريل 2006 في دمشق. خلال هذا اللقاء، كرر الرئيس التأكيد على قول غيره من كبار المسؤولين حول نية سورية الالتزام التام بمطالب اللجنة كافة. وستستمر اللجنة في مطالبة السلطات السورية بالتعاون التام، بما في ذلك جمع الوثائق والسعي إلى الحصول على معلومات محددة وتسهيل استجواب مواطنين سوريين. من جهة أخرى، تم تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد طلبات التعاون المقدمة إلى الدول الأعضاء الأخرى. منذ 15 آذار 2006، أرسلت اللجنة 32 طلباً رسمياً للتعاون إلى 13 من الدول الأعضاء، ما يعكس اتساع نطاق عمل اللجنة ويعزز الطابع الدولي الذي تتسم به. علاوةً على ذلك، يستمر التعاون مع السلطات اللبنانية ممتازاً على كل المستويات وبشتى نواحي نطاق عمل اللجنة. وكان التزام المدعي العام اللبناني وطاقم مكتبه ودعمهما، إضافةً إلى دعم قضاة التحقيق المختلفين، عنصراً حيوياً في إحراز التقدم. الدعم التقني في 14 قضية أخرى وفي شأن الجرائم الأخرى التي سبقت وتلت عملية اغتيال الحريري قال براميرتز:"واصلت اللجنة تقديم دعمها التقني إلى السلطات اللبنانية في تحقيقها الجاري في 14 اعتداء آخر طاولت لبنان منذ الأول من تشرين الأول أكتوبر 2004. وكان تركيز اللجنة خلال فترة إعداد التقرير مزدوجاً: إحراز التقدم في كلّ قضية على حدة، وفي القضايا كلّها معاً، لإيجاد رابط محتمل بينها. وكنتيجة تحليلية لهذا الأمر، يمكن ربط القضايا في نواحٍ عديدة ومن منظورات مختلفة، وبنوع خاص في ما يتعلّق بنقاط التشابه في طريقة التنفيذ ونياتها. الا انه لجهة الأدلة، لا يعتبر التحقيق في هذه القضايا متقدّماً إلى درجة تسمح بتحديد هوية المنفذين وربط أحدهم بالآخر. والواقع انه ثمة نقص في الزخم الذي يسمح بإحراز تقدّم في التحقيق في القضايا الپ14. ويعود السبب إلى غياب قدرة السلطات الجنائيّة اللبنانيّة على جمع الأدلّة وتحليلها بطريقة فعّالة، وغياب التنسيق الأفقي بين القضايا، بسبب التشتّت القائم ضمن نظامي القضاء والشرطة اللبنانيّين. ولا تأمّل اللجنة بتبدّل هذا الوضع في المنظور القريب، ما لم يتمّ توفير مساعدة خارجيّة. نظراً إلى دلالة القضايا الأربع عشرة وصلتها المحتملة في التحقيق في اغتيال الحريري، أرى من الضروريّ أن يُبذَل جهد أكبر ليتقدّم التحقيق في هذه القضايا. وتطرق الى بنية لجنة التحقيق بقوله:"لن تحرز اللجنة أيّ تقدّم في التحقيق ولن تنجح في تقديم المساعدة التقنيّة في غياب دعم كبير توفّره مؤسّسة قويّة. وعليه، تبقى الجهود مستمرّة لتعزيز بنية اللجنة وقدراتها. وكنت قد أعربت عن قلقي، في المؤتمر الموجز الأخير الذي عقدته، حيال النقص في طاقم العمل المؤهّل في اللجنة. ومع أنّ اللجنة لا تعمل حتّى الآن بكامل طاقاتها، فقد بدأ الوضع يشهد تحسّناًً. وامتلأ معظم المناصب الأساسيّة، أو بدأ البحث عمّن يملؤها. ولدينا حاليّاً 24 محقّقاً ومحامياً ومحلّلاً يعملون، ومن المقرّر أن يصل 10 عاملين إضافيّين في المستقبل القريب. ونتيجةً لذلك، هبطت نسبة النقص في العاملين من 50 في المئة تقريباً في كانون الثاني يناير إلى أقلّ من 20 في المئة الآن. ومن العناصر الأساسيّة لتعزيز العمل المؤسّساتيّ للّجنة اعتماد آليّة عمل داخلية خاصّة، كما نصّ القرار 1595 2005 تهدف إلى ضمان انتظام العمل واحترام الحدّ الأدنى من المعايير المهنيّة في اللجنة. وتأخذ آليّة العمل الداخليّة هذه في الاعتبار القانون اللبنانيّ والإجراءات القضائيّة، فضلاً عن المعايير الدوليّة ذات الصلة والبنود القضائيّة الجنائيّة الدوليّة. ويساعد ذلك على التأكّد من أنّ أيّ معلومة تجمعها اللجنة ستكون مقبولة في الإجراءات القانونيّة المستقبليّة، وربّما أمام محكمة ذات طابع دوليّ". استنتاجات وخلص براميرتز الى انه"تمّ إحراز تقدّم ملحوظ في التحقيق في اغتيال الحريري، وانتهى عمل جنائيّ أساسيّ طال ساحة الجريمة وسيّارات الموكب. وفُهِِمت على نطاق واسع شكليّات هجوم 14 شباط 2005 الذي أدّى إلى مقتل رفيق الحريري و22 شخصاً آخرين وظروفه. وفيما يستمرّ العمل الأساس الذي يقوم به الخبراء الجنائيّون، وستركّز اللجنة اهتمامها، في الأشهر المقبلة، على تحديد هويّة الجناة والجهات التي أصدرت تفويضاً لارتكاب الجريمة. وترحّب اللجنة بالطلب الذي قدّمته الحكومة اللبنانيّة للأمين العام في 4 أيّار مايو 2006، بتمديد فترة عملها لمدّة سنة. وسيوفّر هذا النوع من التمديد استمراريّة واستقراراً وانتظاماً مضموناً للعمليّات والتخطيط. فضلاً عن ذلك، وعلى ضوء الصلة الممكنة بين التحقيق في اغتيال الحريري والقضايا الأربع عشرة الأخرى، ترى اللجنة ضرورة بذل جهود حثيثة بهدف دفع هذه القضايا قدماً. وسيكون الدعم الخارجيّ أساسيّاً لتوفير الخبرة التقنيّة والجنائيّة للتحقيقات اللبنانيّة. وقد تخلق اللجنة لذاتها دوراً أكثر ترقّباً أثناء مساعدتها للسلطات القضائيّة اللبنانيّة على تعزيز تحقيقاتها". وختم براميرتز بيانه بالقول:"أنا مدرك تماماً الآمال التي يولّدها تفويض اللجنة وعملها لدى عائلات الضحايا، ولدى الشعب اللبنانيّ في شكل عام. وأفهم الحاجة إلى العثور على أجوبة عن التساؤلات المحيطة باغتيال رفيق الحريري وبالهجمات الأربع عشرة الأخرى. ولهذه الأسباب بالتحديد، لا خيار آخر غير الحفاظ على التركيز ونحن نتطرّق إلى هذه الأسئلة، سؤالاً تلو الآخر، بطريقة توفّر حدّاً من التأكيد تطلبه أيّ محكمة ليتمّ إحقاق الحقّ". عساكر وسجّل الأمين العام لوزارة الخارجية اللبنانية بالوكالة السفير بطرس عساكر ملاحظات لبنان الايجابية على تقرير براميرتز في الكلمة التي ألقاها بعد العرض الذي قدمه المحقق الدولي لتقرير اللجنة الرابع. ونوّه عساكر بداية بپ"المهنية العالية والجدية اللتين تميز بهما براميرتز وفريقه"، ورحّب بالتقدم"الذي تحدث عنه التقرير في تعزيز قدرات اللجنة البشرية والتقنية وكذلك بالتقدم في التحقيق"الذي نأمل بأن يتواصل نحو الكشف الكامل للحقيقة في هذه الجريمة الارهابية الكبرى. كما نأمل بأن تؤدي مساعدة اللجنة للسلطات القضائية اللبنانية، الى تحديد المسؤولين عن الجرائم الارهابية الاخرى التي عانى منها لبنان". وتطلع عساكر الى ان ينظر مجلس الأمن بإيجابية في طلب الحكومة اللبنانية الوارد الى الأمين العام بتاريخ 4 أيار مايو 2006، تمديد مهمة لجنة التحقيق الدولية المستقلة لمدة سنة اضافية، مع تكرار التمني ان يستمر براميرتز في عمله مفوضاً لهذه اللجنة نظراً الى كفاءاته وحرفيته المشهودتين، وحرصاً على فعالية استمرار التحقيق دون الانقطاع الذي قد تفرضه فترة تعيين مفوض جديد". وأعرب عن الارتياح"لما ورد في التقرير عن التعاون الوثيق والمستمر بين اللجنة والسلطات القضائية اللبنانية التي تقوم بعمل تتحسن انتاجيته باستمرار، نظراً الى حرص الحكومة اللبنانية على تطوير قدرات اجهزتها القضائية والأمنية، ونظراً الى كفاءة هذه الاجهزة وإرادتها في تطوير ادائها وجاهزيتها على رغم ظروف العمل الصعبة التي نسعى في شكل جدي ودائم الى تحسينها". وكرر"استمرار هذا التعاون بين اللجنة والسلطات اللبنانية في اطار مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين، والتعديلات المقترحة التي تتم دراستها بهدف تأمين افضل ظروف العمل والانتاجية خدمة للمهمة الكبيرة التي تقوم بها اللجنة". وسجل"اهتمام الحكومة اللبنانية بما جاء في التقرير عن التعاون الذي تبديه الاطراف المعنية التي لم يشر اليها بالاسم"، وقال: إن الحكومة تأمل وتشجع على استمرار هذا التعاون في شكل كامل خدمة للحقيقة والاستقرار في لبنان والمنطقة. وقال عساكر:"أنوه بالمشاورات الجارية بين السلطات اللبنانية والأمانة العامة للأمم المتحدة، عملاً بقرار مجلسكم الكريم، وذلك لصوغ مشروع نظام المحكمة ذات الطابع الدولي، التي ينتظرها اللبنانيون بكل اهتمام وترقب، ليطمئنوا الى ان العدالة سيتم تحقيقها، وبما يرسخ حال الطمأنينة لديهم، ويرسي نموذجاً يضمن عدم تكرار هذه الجرائم الارهابية البغيضة في لبنان والمنطقة اللذين عانيا طويلاً جراء اعمال ارهابية مماثلة".