في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة"حماس"عن تشكيل قوة أمنية خاصة في قطاع غزة قوامها حوالى ثلاثة آلاف رجل، كان مكتب الرئيس محمود عباس في رام الله يدرس اقتراحاً بتعزيز قوة الحرس الرئاسي وتوسيع مهماته. وفيما يبرر قادة"حماس"خطوتهم هذه ب"رفد الشرطة الضعيفة بقوة عسكرية شديدة البأس لفرض سيادة القانون والنظام في قطاع غزة الخاضع للفوضى والانفلات"، فان أصحاب الاقتراح بتعزيز قوة الحرس الرئاسي يبررونه ب"الحاجة لقوة تحمي المؤسسات الرئاسية والهيئات التابعة لها من معابر وهيئة اذاعة وتلفزيون وغيرها". وأمس أعلنت مجموعات عسكرية عدة تابعة ل"فتح"في مدينة غزة عن تشكيل وحدة خاصة لحماية"المشروع الوطني"واعضاء حركة"فتح"في الاراضي الفلسطينية، محذرةً من تجاهل دور الشرطة والامن. لكن التوترات الأخيرة في العلاقة بين"حماس"و"فتح"تثير القلق من ان ينتهي الأمر الى وجود جيشين متقابلين في الأراضي الفلسطينية. ويذهب بعض المراقبين الى حد التحذير من تمزق وحدة الضفة والقطاع بحيث ينتهي القطاع تحت سيطرة"حماس"فيما تنتهي مدن الضفة تحت سيطرة قيادة"فتح"، علماً بان اسرائيل تسيطر على ما هو خارج المدن. وأعلن عضو المجلس التشريعي عن حركة"حماس"يونس الأسطل قبل يومين في مهرجان جماهيري في خان يونس ان حركته ماضية في تشكيل القوة الأمنية الخاصة الرديفة لجهاز الشرطة، وان قوامها سيتراوح بين الفين وثلاثة آلاف رجل. وفي اليوم ذاته، سرّب مسؤولون في مكتب عباس نبأً مفاده انه يعتزم تعزيز الحرس الرئاسي وزيادة افراده من 2500 الى حوالي 3500 رجل. وسيكون مركز القوة الأمنية الحكومية في قطاع غزة بينما تتوزع القوة الرئاسية بين غزة والضفة. وكان عباس ألغى قرار حكومة"حماس"الخاص بتشكيل هذه القوة الامنية لكنها، أي الحكومة، ترفض حتى اليوم قبول نقض الرئيس، معلنةً انها ماضية في مشروعها الذي يأتي في سياق"مناكفات"متبادلة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة. ومع تزايد التوقعات بحدوث أزمة سياسية بين جناحي السلطة، فإن كثيراً من المراقبين يخشون من وقوع مواجهات مسلحة في حال حدوث تدهور في العلاقة بين الطرفين مثل ان يقدم الرئيس على اقالة الحكومة في حال فشلها في تأمين رواتب الموظفين.t وأذكت تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة"حماس"خالد مشعل هذه التوقعات عندما اتهم ما أسماه"بطانة"الرئيس عباس ب"التآمر مع الصهاينة والاميركان على الحكومة"، وما تبع تلك التصريحات من ردود فعل حادة من جانب حركة"فتح"وصلت الى حد اغلاق مؤسسات بقوة السلاح، ووقوع مواجهات بين انصار الحركتين في القطاع أسفرت عن عشرات الجرحى. ويقول المسؤولون في"حماس"انهم يحمّلون الإدارة الأميركية واسرائيل المسؤولية عن عدم قدرة الحكومة على أداء عملها، خصوصاً لجهة ادخال الأموال من الخارج لدفع رواتب الموظفين، وانهم سيرفضون أي محاولة من جانب عباس لتحميلهم المسؤولية عن هذا الفشل. ويهدد قادة الحركة بالخروج عن النظام السياسي في حال تحميلهم المسؤولية واقالة حكومتهم، وهو الحق الذي يعطيه الدستور للرئيس. ويتوقع كثيرون ان يترافق أي خروج او اخراج"حماس"من النظام السياسي مع احداث عنف يصعب التنبؤ بمداها. ويقول الدكتور باسم الزبيدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت:"ربما نكون امام نوع خاص من الحرب الأهلية، نوع لم يعرفه التاريخ السياسي من قبل، نوع قد يقوم على اغتيالات فردية انتقائية". وعوضاً عن القوة الأمنية الحكومية او شبه الحكومية الجديدة فان"حماس"تحظى بجهاز عسكري هو الأقوى في قطاع غزة، أي"كتائب عز الدين القسام"، جناحها العسكري المؤلف من حوالي ثمانية آلاف مقاتل. والمرجح ان تشكل هذه القوات العسكرية الكبيرة كتائب القسام والقوة الأمنية الجديدة نواة لحالة استقلالية خاصة للحركة في قطاع غزة. ويحظى الجهاز العسكري لحركة"حماس"في قطاع غزة برعاية ودعم كبيرين من قيادة الحركة في الخارج التي تراهن على لعبه دوراً مفصلياً في المعادلة الداخلية. وتقول مصادر متطابقة ان الحركة توفر موازنة كبيرة لهذا الجهاز تقدر بعشرات ملايين الدولارات سنوياً. وبخلاف الحكومة ذات الحسابات البنكية المكشوفة التي يسهل حصارها من جانب اسرائيل والغرب، فان حركة"حماس"لا تجد صعوبات كبيرة في ادخال الأموال من الخارج، إما عبر تحويلات بنكية بأسماء شخصية، او تهريباً عبر الأنفاق التي طالما استخدمت لتهريب السلاح. وأعلنت اسرائيل اخيراً عن كشف حالة استخدمت فيها"حماس"مستورداً كبيراً من قطاع غزة في ادخال المال للحركة عبر دفع اثمان مشترياته في الخارج ليقوم هو بتسديدها للحركة في الداخل.