استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي شققًا وخيامًا للنازحين في قطاع غزة    البديوي يبحث مع مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر المتوسط العلاقات الخليجية الأوروبية    رياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق وأمطار رعدية على جازان وعسير والباحة    "سدايا" تتسلّم شهادات عن مشاريعها المتميزة في الابتكار من القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف    وزيرا خارجية أستراليا والصين يبحثان العلاقات الثنائية    دعوة مليون مواطن ومواطنة للتسجيل في برنامج متخصص لتعليم الذكاء الاصطناعي    بيرغوين: أستمتع بوقتي في السعودية وأريد الاستمرار مع الاتحاد    المملكة تؤكد ريادتها الرقمية ودعمها المستمر للتنمية المستدامة العالمية    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    كريستال بالاس ينافس في دوري المؤتمر وليون بالدوري الأوروبي    أخضر السلة يكسب نظيره العماني في البطولة الخليجية تحت 16 عامًا    مشاري بن جلاله عريساً    «سلمان للإغاثة» يوزع (1.000) سلة غذائية و(1.000) حقيبة إيوائية في عدة قرى بريف اللاذقية    باريديس يعود إلى فريق بداياته بوكا جونيورز    القبض على (6) يمنيين في جازان لتهريبهم (195) كجم "قات"    السعودية تتخذ خطوات تعزز أمن الطاقة العالمي وتدعم استقرار الأسواق    عبد الله عطيف يُعلن اعتزاله    خطيب المسجد النبوي: الإخلاص لله واتباع سنة نبيه أصلان لا يصح الإيمان إلا بهما    ثيو هيرنانديز: سعيد باللعب لأكبر نادي في السعودية    خطيب المسجد الحرام: التوبة والرحمة بالمذنبين من كمال الإيمان والغلو في الإنكار مزلق خطير    مستشفى "التخصصي للعيون" يحصل على عضوية جمعية بنوك العيون الأوروبية (EEBA)    إطلاق أول دليل إرشادي سعودي لعلاج التهاب الفقار اللاصق المحوري    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية يقيم دورة لتدريب منسوبي الفرع لغة الإشارة    من قلب أفريقيا إلى السعودية: الغبار الأفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    نسك من الحجوزات إلى الخدمات والخصومات للحجاج والمعتمرين    معالجة الهدر والاحتيال وسوء استخدام التأمين الصحي    الذكاء الاصطناعي هل يمكن استخدامه لاختيار شريك الحياة؟    48 ألف عينة بيولوجية في مختبرات وقاية    القلاع والبيوت الحجرية في جازان مقصدًا للسياحة محليًا وعالميًا    أخضر البراعم يدشن مشاركته في البطولة الآسيوية بمواجهة الصين تايبيه السبت    الاتحاد السعودي للإعاقات البصرية ونادي الشباب يوقّعان اتفاقية شراكة استراتيجية    السينما وعي    مازن حيدر: المُواطَنة تبدأ بالتعرّف على التاريخ    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالأحساء ينظم ورشة عمل نوعية بعنوان: "القيادة الإعلامية"    ريال مدريد يُخبر النصر بسعر رودريغو    خمسة كتب توصي سوسن الأبطح بقراءتها    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة فرنسا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة بزه بنت سعود    جمعية الذوق العام تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة    رحلة شفاء استثنائية.. إنهاء معاناة مريضة باضطراب نادر بزراعة كبد فريدة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    "لويس الإسباني".. أول رواية عربية مستوحاة من "الفورمولا"    "درويش" في الخليج نهاية أغسطس    أكبر مصنع لأغشية التناضح العكسي    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    أكد على تعزيز فرص التعاون مع روسيا..الخريف: السعودية تقود تحولاً صناعياً نوعياً وشاملاً    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    خالد بن سلمان يبحث المستجدات مع وزير الدفاع المجري    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو "عقد ثقافي" في مرحلة ما بعد الحداثة
نشر في الحياة يوم 02 - 04 - 2009

هل يعاني العالم أزمة قيم؟ هذا السؤال يدور حوله الكتاب الجماعي"القيم الى أين؟"الذي صدرت ترجمته العربية عن دار النهار. الكتاب أشرف عليه جيروم بندي وأنجز الترجمة العربية زهيدة درويش جبور وجان جبور.
لا يمكن القول ان الاهتزاز السلوكي الذي نعيشه اليوم هو كارثة أخلاقية، لطالما لدينا القدرة في اعادة النظر في مختلف قيمنا بمشاركة جماعية لا تستثني أحداً، دولاً وأفراداً، وبهذا المعنى يمكن القول ان التنوع الثقافي في العالم هو دليل حكمة وعافية، ولكن هل هذه"الثقافات"مهددة بالتوازي مع أزمة القيم؟
في الأصل، اخترع شيشرون كلمة"ثقافة"حين قال:"ان الفلسفة هي ثقافة النفس". وهو بذلك وضع التحديد الأول للثقافة ضمن رؤية انسانوية، أما التحديد الثاني فقد استعمله كانط، ومن بعده بسمارك في كلامه على"النضال من أجل الثقافة". في حين جاء التحديد الثالث، وهو الأحدث، فيعرف الثقافة على انها سلعة"يمكن تسويقها عالمياً". وقد بدأت الشركات في تحقيق أرباح ضخمة من خلال تسويقها التجاري لأشياء ثقافية عائدة للتجربة الانسانية، وكمثال فإن فيلم"تيتانيك"يندرج ضمن اطار هذه التجربة، وبهذا المعنى يكون من العبث طرح مشكلة المواجهة بين الثقافة الشمولية والثقافية المحلية اغلاق الحدود من أجل مقاومة الثقافة المعولمة والا سيكون علينا لو اعتمدنا هذا المنظور أن نختار بين"ديزني لاند والحركات الأصولية".
لا شك ان طريق الانتقال من ثقافة الى أخرى ما زال مزروعاً بالعوائق، لأن المواجهة المعلنة بين الشمولي والمحلي، أي بين الثقافة التي تعني مجموعة عمليات التطور التدريجي التي يحققها مجتمع بشري من جهة والثقافة المحولة الى سلعة من جهة أخرى، يدل على عدم فهم عميق لما هو المدى الثقافي الذي تتداخل فيه الممرات والحواجز والمعابر والمضائق والجبال التي يتعذر عبورها - وكل منا يخط الطريق الخاص به، ويرفع بطاقته الخاصة التي تعبّر عن تميّزه الثقافي. ولكن هل تقود العولمة بالضرورة الى فرض نموذج الثقافة الغربية المركزية؟ وهل يستطيع هذا النموذج أن يتماشى مع هويات متعددة؟
في قراءته"انفصام الشخصية المدجن"يستلهم داريوش شايغان نموذج الهوية الايرانية ليعرّف الحداثة الثقافية كهوية تقوم على التراكم والتعدد، هوية انعكاسية وغير مغرورة في آن معاً، هوية لا تتعارض أبداً مع أشكال الهويات الأخرى، بل العكس يمكنها أن تلعب دور المصفاة الضرورية للعبور الى الثقافة الكونية، وأن تفتح الطريق أمام"انفصام الشخصية المروَّض".
أما آلان تورين فينطلق من استنتاج آخر هو القطيعة المتزايدة بين عالم أداتي طاغي الحضور، والتفتيش عن وعي الذات الذي أصبح بحكم الواقع مهمة فردية، بين عالم يفتقر الى مضمون، وكم كبير من تجارب فردية مجزأة تسمى تسرعاً"ثقافة". وهو يدافع عن مفهوم جديد لحقوق الفرد في مواجهة عالم اجتماعي يقوم على القوة، متميزاً بذلك عن المتمسكين بالكلية والمدافعين عن الحركة البحتة الذين يبنون خطابهم على أساس التشظي الحاصل في مرحلة ما بعد الحداثة.
منذ 11 أيلول سبتمبر 2001 عادت فكرة"صراع الحضارات"التي أطلقها صامويل هنتنغتون لتفرض نفسها على ساحة وسائل الاعلام والاتصال. ويعتقد أن هذا الخطاب، اذ يبالغ في الاختزال، يتجاهل الحقيقة المعقدة جداً للمسألة الثقافية على الصعيد العالمي.
ويفضل آخرون أن يقدموا في مقابل فكرة صراع الحضارات أو صراع الثقافات اقتراحاً يقضي بضرورة التوصل الى"عقد ثقافي". لكن مشروع العقد الثقافي يبدو اشكالياً بالنسبة الى البعض في زمن لم يعد ينظر فيه الى الثقافة كجوهر ثابت، وحيث تتسبب العولمة في المجال الثقافي بحركة مزدوجة ومتناقضة من المجانسة والتشظي. كيف نؤكد من جديد على مبادئ ذات طابع شمولي من دون أن ننزلق الى تأسيس نظام جديد يقوم على هيمنة ثقافة واحدة؟ وهل من الممكن تصور عقد ثقافي بينما شرط الثقافة هو التجاوز المستمر؟
ففيما يقارب آلان تورين مسألة الحقوق الثقافية من زاوية تاريخية ويقترح تأسيسها على مبدأ الاعتراف بالآخر، متسائلاً عن الشروط التي تجعل العقد الثقافي ممكناً، تذكّر هالة الباجي بأن حماية التنوع الثقافي يجب أن لا تغذي في الثقافة توقها الى التعبير عن كل ما يتعلق بالجنس البشري.
وهي ترى أن كل هذه الصعوبات الناتجة عن التعددية الثقافية والتي لم تقم سوى برسم بعض ملامحها تبين أن عقداً ثقافياً بحتاً يمكن أن يكون مشوهاً من حيث المبدأ، وغير منسجم من حيث المضمون، وذلك لافتقاره لشيء جوهري هو الهم الأخلاقي. اذا كان التغني بالاختلافات يرسخ مغالطة جديدة من شأنها أن تكرس صمت الضمير، فهالة الباجي أعلنت عن عدم احترامها الاختلافات هذه، وهي تؤكد أن عقداً ثقافياً ذا طابع انساني يجب أن يتجنب التعصب من جهة، والانقطاع عن الجذور، من جهة أخرى. وعلى الرغم من كثرتها، يمكن للثقافات أن تجتمع على الأقل حول سؤال أخلاقي واحد: هل تستطيع الميزة الثقافية أن تؤسس لأخلاقيات الاعتراف بالآخر، لنهج حقيقي لمعرفة متبادلة بين البشر؟ هل تستطيع الثقافة ان تدعي اختزال الانسان بكليته؟ أليس هذا الادعاء ذريعة لاقصاء البعد الانساني للثقافة ولاغفال حقيقة هي ان القناع يمكن أن يتخذ ملامح الأخوة كما يمكنه أن يتخذ ملامح القهر؟
هل امتلاك الثقافة يكفي للتمتع بصفة الانسان؟ الجواب هو بالنفي. فالانسان انسان بحكم الطبيعة أيضاً كما يقول روسو. يمتلك الانسان"نوراً طبيعياً"يمنعه من اعتبار المبادئ التي تحدد الهويات الثقافية مبادئ أخلاقية. هذه الانسانية الطبيعية التي وجدت قبل العقل وقبل أي ثقافة، هي التي يعرفها روسو بأنها"نفور طبيعي من مشهد يموت فيه أو يتألم أي كائن يمتلك شعوراً وفي صورة خاصة من هم مثلنا". ان هذه الحركة الطبيعية الخالصة والتي لا ترتبط بأية قاعدة ثقافية هي التي يسميها روسو الرحمة وهي أساس للأخلاق. يقول روسو"يبدو لي في الواقع أنه اذا كان علي أن امتنع عن أي عمل يسيء الى الآخر الذي يشبهني فذلك يعود لكونه انساناً يشعر أكثر مما يعود لكونه انساناً عاقلاً".
تطرح مسألة الثقافة نفسها اليوم عند تقاطع تختلط فيه وتتناقض حركتان: اجتياح العولمة من جهة، والمحافظة على الهويات القومية، من جهة أخرى. وفيما تبقى الثقافات متجذرة في أطرها القومية، يبدو أن هناك صعوبة متزايدة في الاعتقاد بعدم امكانية المس بالمفاهيم الثابتة المتأسسة على استمراريات تتسم بدرجة من الثبات، كمفهوم الهوية، ومفهوم الشعب، ومفهوم القومية.
ولكن هل يمكن، بل هل يجب بلورة عقد ثقافي؟ هذا السؤال يثير مفارقتين. من جهة، تقوم العقود وفقاً لسلم من القواعد. لكن الثقافة تتغذى من الخروقات الثقافية. ربما اذن أن يتضمن مشروع العقد الثقافي بضع فقرات لا تخضع للقوانين، أو بضع مساحات تتخطى التقعيد، اذا أردنا أن يحصل على مشروعية قانونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.