كشفت وثائق بريطانية، يعود تاريخها الى العام 1956، ان رئيس الوزراء البريطاني آنذاك المحافظ انتوني ايدن فكر، قبل غزو السويس، بقطع مياه النيل عن مصر لاسقاط الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. واظهرت ان ايدن لم يستشر إلا قلة من وزرائه ولم يحصل على"فتوى قانونية"قبل ارساله قوات بريطانية للمشاركة في غزو مصر، مع قوات فرنسية واسرائيلية، ومحاولة استعادة قناة السويس بعدما اممها الرئيس المصري. وقارن سياسيون بريطانيون امس بين ايدن وبين ما قام به رئيس الوزراء الحالي توني بلير الذي شارك الاميركيين في شن الحرب على العراق، من دون الحصول على سند دولي من مجلس الامن. ولم يكشف الارشيف الوطني الذي يحفظ الاوراق الرسمية والمراسلات بين مختلف ادارات الحكومة والسفراء والدول الاجنبية، وثيقة"بروتوكول سيفر"الذي وقعه ايدن مع كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي دايفيد بن غوريون ورئيس الوزراء الفرنسي غي موليه في 24 تشرين الاول اكتوبر 1956، واتفق فيه على ان تغزو اسرائيل القناة ومن ثم تتجه اليها قوات فرنسية وبريطانية لحراستها. ويعتقد بأن ايدن أمر باتلافها بينما ابقيت النسخة الاسرائيلية من البروتوكول في وثائق اعطاها بن غوريون الى الخارجية. وكشفت الوثائق، وهي مذكرات تبادلها مسؤولون في"10 داوننغ ستريت"ومسؤولون في الخارجية ان خبراء عسكريين بريطانيين وضعوا، بالتعاون مع خبراء من الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي اي، خطة لتحويل قسم كبير من مياه النيل ومنع تدفقها الى مصر من اوغندا التي كانت تابعة للسيادة البريطانية، ما يقطع عنها الشريان الحيوي للحياة ويساعد في اسقاط عبد الناصر. الا انه تم التخلي عن الخطة، بناء على نصيحة خبراء في الخارجية الذين حذروا من انتقام ضد المصالح البريطانية في مناطق صديقة. وكان رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان امر العام 1963 بمنع كشف وثائق السويس لفترة 50 عاماً او تسليمها الى ايرل مونباتن، قريب الملكة، الذي كان سيستشهد بها في محاضرة عن الازمة كان سيلقيها في المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية. لكن مرغريت ثاتشر خففت الحظر العام 1980 وطلبت كشفها بعد"تنظيفها"من الاسرار. واقتضى الأمر 25 عاماً لوصول الوثائق الى ايدي الباحثين امس. ومن التفاصيل الواردة في الوثائق ان سكرتير رئاسة الحكومة نورمان بروك نصح ايدن بتجنب الاشارة الى قانونية الغزو عند البحث في الموضوع مع الوزراء والمعارضة او مع مجلس العموم. كما ان النائب العام ريجينالد مانينغهام بوللر، والد رئيسة الاستخبارات الداخلية ام اي 5 الحالية اليزا بوللر، كان تحدث عن عدم قانونية الغزو أو توافقه مع القانون الدولي. وكتب في مذكرة غاضبة في اول تشرين الثاني نوفمبر 1956:"تحت أي ظرف لا يمكن تبرير الغزو وفقاً للقانون الدولي". ورفع اثنان من كبار موظفي الخارجية مذكرة احتجاج ايضاً الى وزير الخارجية سلوين لويد على ما طرحه وزير العدل لورد غيلمور من آراء. وكان غيلمور، وتحت ضغوط من رئيس الوزراء اعطى فتوى بان التدخل في السويس لا يخرق معاهدة باريس للعام 1928 التي تمنع حل النزاعات بين الدول بالقوة، قائلاً: إن الغزو يمكن ان يُبرر بأنه للحفاظ على سلامة القناة وفتحها للملاحة الدولية.