سعود بن نهار يطلق أعمال المؤتمر العالمي للسياحة العلاجية بالطائف    7.82 مليون ريال جوائز منافسات"الجذاع" بمهرجان ولي العهد للهجن    خسوف طويل يلون القمر باللون الأحمر ويشاهده أكثر من 7 مليارات نسمة    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ أكثر من 28 ألف جولة رقابية على الجوامع والمساجد    الأخضر تحت 19 إلى نهائي كأس الخليج    زين السعودية تطلق برنامج ZGI لتمكين رواد الأعمال والشركات الناشئة    الأمين العام لهيئة كبار العلماء يشارك في حملة "اقتداء وعطاء"    أمير القصيم يستقبل سفير كندا لدى المملكة    مدير الأمن العام يشهد حفل تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام للضباط الخريجين    المرور: تأكد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل التجاوز    منسوبو الشؤون الإسلامية في جازان يزورون معرض مكافحة المخدرات    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم الفائزين بجائزة التواصل الحضاري في دورتها الخامسة    تحت شعار "صمم ما لا يُرى" إثراء يعلن عن موعد "تنوين" بنسخته الثامنة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير شرطة المنطقة ويطلع على التقرير الإحصائي السنوي    عشرات الجهات والخبراء يناقشون مستقبل المزارع الوقفية بالمدينة    واحات جدة فرصة استثمارية كبرى جديدة تطرحها أدير العقارية في مزاد علني 17 سبتمبر القادم    السعودية تستضيف الاجتماع التنسيقي الأول للهيئات البحرية على هامش SIMC25    القيادة تهنئ رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية بذكرى استقلال بلاده    كانسيلو: الدوري السعودي قوي..وسعيد في المملكة    الكشف عن علاج جديد لمرض التشحم الكبدي .. وعرض أجهزة لمرضى السكري    لماذا أصبح انهيار السياق أكثر حضورًا مع توسع استخدام البيئة الرقمية كمجال عام؟    وفد سعودي يزور سوريا لتدشين برامج ومشاريع إغاثية وإنسانية    اللجنة القطاعية للسياحة والترفيه بغرفة جازان تزور قيادة حرس الحدود بالمنطقة    مايكروسوفت: انقطاعات في كابلات بالبحر الأحمر قد تؤثر في خدمة (أزور)    اشتعال حرائق غابات جديدة في البرتغال وإسبانيا    أمطار رعدية غزيرة على مناطق بالمملكة والأرصاد تحذر من جريان السيول    300 ألف وفاة سنوياً باللوكيميا.. وحملات سبتمبر ترفع الوعي العالمي    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تدشن نظام "بلاك بورد ألترا"    الأهلي يدعم وسطه بالفرنسي أتانجانا    6 حالات لا يحتسب فيها المشروع خبرة ل «المقاول»    القيادة تعزي رئيس البرتغال في ضحايا حادث انحراف قطار جبلي عن مساره    باشامي وباواكد يزفان بندر لعش الزوجية    الشهري إلى الرابعة عشرة    1400 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 121 خريجًا من الدورة التأهيلية ال54 للضباط الجامعيين    تصاعد ضحايا المجاعة إلى 382 شخصاً.. الاحتلال يدمر أبراجاً سكنية في غزة    مبابي يعادل رقم هنري ويهدد صدارة جيرو    إيقاف سواريز 6 مباريات    «المجهولة».. فيلم سعودي بمهرجان تورونتو الدولي    «الجوهر ولمنور» يحييان ليلة طربية بجدة    تقديراً لجهودها في مهرجان التراث والحرف.. محافظ بني حسن يكرم اللجنة الاستشارية    17 منتخباً إلى المونديال.. والمغرب ثاني العرب بعد الأردن    بعد خطة للجيش لتنفيذ خارطة طريق أمريكية.. حزب الله يرفض نزع سلاحه    بناء على مقترح قدمته السعودية.. الأمم المتحدة تقر استئناف مؤتمر حل الدولتين    معدلات قياسية تجاوزت المستهدف.. السعودية..1.4 تريليون ريال استثمارات محلية وأجنبية    رشقات غير مرئية تمهّد للبرق    مراهقة تسافر عبر الزمن ذهنيا    مصر تتصدر عالميًا بالولادات القيصرية    3 دقائق تكشف ألزهايمر    السفر للفضاء يسرع شيخوخة الخلايا    الانهيار الأرضي المميت غربي السودان.. «الناس فقدوا كل شيء»    تهجير قسري جديد تحت غطاء المناطق الإنسانية في غزة    المزارع الوقفية حلقة نقاش لتعزيز التنمية المستدامة    المعتذرون والمغفرة    إلا إذا.. إلا إذا    حين تتحول المواساة إلى مأساة    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غياب السياسي البريطاني انتوني نتنغ . عارض حرب السويس عام 1956 وكان أول ضحاياها
نشر في الحياة يوم 05 - 03 - 1999

في مسعاه المستمر لبناء سياسة خارجية قائمة على مبادئ الاخلاف لتعبر بريطانيا بها بوابة القرن الواحد والعشرين، قد يكون من المفيد أن يستلهم وزير الخارجية البريطاني روبن كوك بعض الحكمة من تجربة وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية السابق انتوني نتنغ الذي غيّب الموت وجهه قبل أيام 23/2/1999. نتنغ أول سياسي بريطانية منذ الحرب العالمية الثانية الذي يقرر الخروج نهائياً من الحياة السياسية، وهو لم يزل في بدايتها كان عمره 36 عاماً ويتخلى عن مستقبل زاهر، بما في ذلك احتمال تزعم حزب المحافظين، وتسلم توقع القيادة في بلاده، وكل ذلك من أجل التأكيد على موقع الاخلاق في السياسة الخارجية.
لقد قدم نتنغ نموذجاً يكاد يكون مثالياً للسياسي صاحب المبادئ، أو للمبدئي المشتغل بالسياسة، وهو نوع نادر من السياسيين الذي خلا منه مضمار العمل السياسي الخارجي في النصف الثاني من القرن العشرين على الأقل. لماذا كان نتنغ أول المستقيلين المستقيل الثاني كان وزير دولة آخر هو إدوارد بويل من حكومة ايدن احتجاجاً على "المغامرة المجنونة" - حسب تسمية نتنغ - التي نفذها رئيس الوزراء البريطاني السابق بالتواطؤ مع نظيره الفرنسي والإسرائيلي بغزو مصر العام 1956 في أعقاب تأميم الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر لقناة السويس.
كيف لم يستقل أحد آخر من أعضاء الحكومة على رغم أنهم كانوا يعلمون بالخطة قبل تنفيذها؟ رئيس وزراء بريطانيا السابق ادوارد هيث يقول في مذكراته "مسار حياتي" صدر عام 1998 عن تلك الفترة إنه كان يعلم بالخطة هو ووزير الخارجية سلوين لويد ووزير الخزانة هارولد ماكميلان ورئيس حزب المحافظين روب باتلر. لم يستقل أي منهم، بل لم يحتج أحدهم في الاجتماعات الرسمية، كما لم يحاولوا ثني ايدن عن عزمه المضي بتنفيذ "مؤامرة سيفر" - كما أصبحت تعرف لاحقاً نسبة إلى ضاحية سيفر الفرنسية القريبة من بايس. هيث وزملاؤه الثلاثة كانوا على اطلاع أكثر من نتنغ على تفاصيل الخطة البريطانية - الفرنسية المشتركة، من موقعهم كأعضاء رئيسيين في الحكومة من جهة، وكمقربين من ايدن من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، هيث شاهد على تدمير الأوراق الرسمية في مكتبة رئيس الحكومة التي احتوت تفاصيل سيفر وفق تعليمات ايدن.
ويقول هيث في مذكراته: "كنت أجلس مع سكرتير رئيس الوزراء فريدي بيشوب في مكتبه 20/12/1956 عندما دخل علينا سكرتير مجلس الوزراء نورمان بروك شاحب الوجه يرتعش ويبدو مثل مصارع ساموري عجوز طلب منه أن يلقي بنفسه على سيفه. ادهشنا المشهد لنسمع بروك يقول بعد لحظات: أمرني ايدن بتدمير جميع الوثائق المتعلقة بالخطة... ويجب عليّ أن انجز المهمة هكذا".
انتوني ايدن بقي طوال حياته وهو ينفي وجود خطة مشتركة، ولكن النسختين الفرنسية والإسرائيلية فضحتاه وكشفتا عن وجه بريطانيا القببيح قبيل سنوات قليلة من نهاية وجودها الامبريالي في منطقة "شرق السويس".
هذا هو الوجه الذي أراد انتوني نتنغ فضحه وايقافه كسياسي شاب ينتمي إلى الفكر الليبرالي بين قيادات الصف الثاني في الحزب، وذلك بسبب ايمانه العميق بضرورة التعجيل في انهاء الإدارة البريطانية الاستعمارية ومنح شعوب العالم الثالث استقلالها ومساعدتها على بناء أوطانها.
وهذه مسألة تحدث عنها نتنغ باهتمام في أول لقاء لي معه 1974 جمعني إليه مندوب منظمة التحرير الفلسطينية السابق الشهيد سعيد حمامي. وهو يعتبر أن هذه المسألة قربته كثيراً من الرئيس عبدالناصر جراء التقاء أفكارهما حول مهمة التنمية والبناء في مرحلة ما بعد الاستقلال في افريقيا واسيا والشرق الأوسط. ولعل اعجابه الشديد بعبدالناصر كمقاتل عنيد ضد الاستعمار وزعيم حركة تحرير شعبية هو الذي دفعه إلى اصدار كتاب "ناصر" عن تجربة الرئيس السابق.
بعد فترة صمت قسرية بسبب قانون المحافظة على أسرار الدولة استمرت 11 عاماً، عرفنا نتنغ جيداً وأطلعنا على موقفه من حرب السويس من خلال كتابه الأول "درس لا ينسى" No End of A Lesson. لم يستطع نتنغ البوح بكل شيء جراء القانون نفسه، ولكنه قال جزءاً من الحقيقة، وكشف ما كان يجري من اتصالات عشية العدوان الثلاثي على مصر في 1956. لقد أدرك نتنغ، الديبلوماسي الخبير و"المستعرب" المتمرس بشؤون العرب والشرق الأوسط، ان خطة ايدن مهمة مستحيلة وستعود بالوبال على علاقات بريطانيا مع العالم العربي، كما ستؤثر على مكانتها الدولية. وكان يعلم ان معارضته للخطة ستنتهي بعزله سياسياً ونبذ الحزب له وتخلي ايدن عنه نهائياً. كان يعلم ان معارضة الخطة كانت تعني الوقوف ضد ايدن شخصياً. وهذا في حد ذاته يشكل تحدياً لا مثيل له بالنسبة لشاب طموح يعتبره الجميع بمثابة "الفتى الذهبي" Golden Boy بين صفوف الجيل الشاب في الحزب وزعيمه المحتمل في المستقبل.
لقد ولد نتنغ 1922 وفي فمه - كما يقولون - ملعقة من ذهب، وينحدر من أهم عائلات المؤسسة البريطانية. فهو أصغر أبناء سير هارولد ستانسمور نتنغ، تعلم في كلية ايتون ذائعة الصيت وتخرج من كلية ترينيتي في جامعة كامبردج التي ارتقى فيها إلى مواقع الفكر الليبرالي. التحق بالجيش عام 1939، ولكنه غادره بعد حين لينضم إلى جهاز المخابرات الخارجي في وزارة الخارجية البريطانية، وعيّن في السفارة البريطانية في باريس عشية غزو القوات الألمانية لها. في 1941 انتقل إلى اسبانيا ليجمع معلومات استخباراتية ويشرف على نجاة طياري الحلفاء الذين كانت طائراتهم تسقط في الأراضي الاسبانية.
بعد ذلك عاد إلى الخارجية ليصبح رئيس قسم اسكندنافيا فيها، وينضم لاحقاً إلى ايدن نفسه ليصبح سكرتيره الخاص، وهو في الواحدة والثلاثين من العمر، حيث أضحى بعد فترة وجيزة من أكثر شخصيات حزب المحافظين نفوذاً في ضوء العلاقة الوثيقة التي قامت بينه وبين انتوني ايدن.
المعاناة الشخصية للوزير الشاب بدأت في منتصف تشرين الأول اكتوبر 1956 في المقر الريفي لرئيس الحكومة في تشيكرز عندما علم نتنغ - متأخراً عن أعضاء الحكومة الذين ذكرهم هيث في مذكراته - بخطة سيفر لغزو منطقة السويس، والتي كانت تقضي بقيام إسرائيل بهجوم على مصر، ثم قيام بريطانيا وفرنسا لاحقاً بارسال قواتهما تحت غطاء "الفصل" بين القوات الإسرائيلية والمصرية. ويقول نتنغ إن ما "أصابه بالذعر والغثيان في آن" هو اخفاء ايدن هذه الخطة عن الحليف الاستراتيجي لبريطانيا الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دلاس. وأراد نتنغ أن يخرج إلى الملأ لفضح الخطة، ولكنه كان مقيداً بالقوانين التي تحول دون ذلك. ويقول أيضاً: "كانت مشكلتي تكمن في عجزي عن الدفاع عن هذه السياسة لعدم استعدادي الادلاء بأكاذيب أمام أعضاء مجلس العموم والأمم المتحدة". بعد أسبوعين وقع العدوان وقرر نتنغ الاستقالة، وحاول هارولد ماكميلان ثنيه عن القرار بوعده له أنه "سيقود الحزب يوماً ما". لم يهتم بكلام ماكميلان الذي ورث الزعامة من ايدن ودخل إلى مكتب رئيس الوزراء وقدم له الاستقالة بنفسه نظراً للصداقة الشخصية التي كانت تربطهما، ونظراً لولاء نتنغ القوي لرئيسه ايدن طوال فترة عمله معه.
لقد داس ايدن بتواطؤه في التآمر على غزو مصر، كل المبادئ في رأي نتنغ، الذي لم يجد لديه أي مبرر جوهري لهذا التواطؤ غير "الكراهية الشخصية" - كما يقول نتنغ نفسه - لعبدالناصر "وليس لأي سبب آخر". أراد ايدن الانتقام من عبدالناصر "لعدم تحمله فكرة قيام زعيم شاب من العالم الثالث بتحدي رئيس حكومة دولة عظمى، واعتقد ان هذا يدل على قصر نظر لدى ايدن الذي لم يكن قادراً على رؤية التغيرات الجارية في العالم في ذلك الحين". أما بالنسبة لانتوني نتنغ، فقد كانت الاستقالة من الحكومة احتجاجاً على غزو مصر، نهاية زعيم سياسي بارز كان قيد الصنع. إنه بحق جدير باحترام وتقدير كل العرب من دون استثناء لأنه كان بمثابة صوت الضمير الوحيد العاقل في حكومة انتهت بدخول رئيسها إلى مصح للمعالجة من الانهيار العصبي.
* كاتب سوري مقيم في لندن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.