انتهت الأزمة في الكويت امس بسابقة تاريخية، قد تنعكس مستقبلاً على تفاعل أطراف النظام السياسي مع بعضها بعضاً. فللمرة الأولى في تاريخ الإمارة يعفي مجلس الأمة أميراً للبلاد ويوافق على نقل صلاحيات الإمارة الى مجلس الوزراء في غياب ولي للعهد. وزكى مجلس الوزراء رئيسه الشيخ صباح الأحمد الصباح أميراً للبلاد بعد خلو المنصب بتصويت مجلس الأمة بإجماع أعضائه ال65 على اعفاء الأمير الشيخ سعد العبدالله، بسبب ظروفه الصحية التي"أفقدته القدرة على مواصلة مسيرة عطائه المعهود وممارسة اختصاصاته الدستورية"، كما أفاد رئيس الوزراء في بيانه أمام مجلس الأمة. راجع ص3 ولم يكن مقدراً ل"جلسة التنحية"أن تنعقد، بعد لقاء عميد الأسرة الحاكمة الشيخ سالم العلي والشيخ صباح الاحمد ليل الاثنين - الثلثاء وتوصلهما الى اتفاق على التنحي الطوعي للشيخ سعد. وأفاق الكويتيون متوقعين أن تكون اجراءات التنحي أنجزت صباحاً، إلا أن تعقيدات أخيرة عرقلت تنفيذ"اتفاق الليل"، لكنها جاءت هذه المرة من المحيط المباشر للشيخ سعد. وذكر أن أفراداً في العائلة رفضوا اعطاء الأختام الرسمية لتوقيع كتاب التنحي. كما قيل أن هؤلاء قدموا الى الأمير الجديد مطالب وضمانات محددة في شأن وضع العائلة بعد تنازل الشيخ سعد عن الإمارة. ولم يكن ممكناً تلبية هذه المطالب ولا تعهد تلبيتها، خصوصاً بعد طرحها كشروط لتسليم الأختام. وهكذا عاد الجميع، حكومة ومجلساً، الى"سيناريو العزل"مع انتظار مفاجأة آخر لحظة، أي وصول كتاب التنحي لتجنب"الحل المؤلم". وتحولت الأزمة الكويتية في ساعاتها الأخيرة الى"دراما عائلية سياسية - اجتماعية"تتدافع تطوراتها دقيقة بعد دقيقة، وكادت تبدد أجواء الفرح التي طبعت الصفحات الأولى للصحف المحلية مرحبة بحل العقدة السياسية للأزمة ومستبشرة بالانتقال الى حل العقدة الدستورية. وحددت الجلسة للثانية عشرة والنصف ظهراً كمهلة أخيرة لولادة"الحل العائلي"بظهور كتاب التنازل. وعندما دق جرس الجلسات في مجلس الأمة أدرك الجميع أن الأمر قد قضي، ولا بد للمجلس من أن يقول كلمة الحسم. وبدأت الجلسة فيما كان الوزيران الشيخ محمد الصباح وأحمد الفهد يقومان بمسعى أخير مع الشيخة لطيفة زوجة الأمير الشيخ سعد ونجله الشيخ فهد السعد. وعاد الوزيران من دون نتيجة، لكن مع خطوة متوقعة من عائلة الشيخ سعد، لذلك طُلب التريث في تسيير الجلسة. ما هي إلا لحظات حتى ظهر الشيخ فهد سالم العلي حاملاً مغلفاً كبيراً، وافترض الجميع أن القصة انتهت، وبالتالي فإن الاجراء المقبل هو ابلاغ النواب بأن"كتاب التنازل"وصل ولا داعي للمضي في اجراء العزل. لكن الكتاب لم يكن مختوماً فرفضه الشيخ صباح، كما رفض أن يمهره بختمه، ثم طلب استئناف الجلسة للاستماع الى التقرير الطبي ومناقشة طلب مجلس الوزراء اعفاء الأمير سعد من منصبه. وفي غمرة المناقشة وصل هذه المرة الشيخ فهد سعد العبدالله، مصحوباً بالشيخ فهد سالم العلي، في لحظة حاسمة الا أن الشيخ صباح الأحمد لم يستمهل المجلس هذه المرة وتركه يمضي في الاجراء. لكنه بعد انتهاء التصويت بالاجماع أبلغ المجلس ان"كتاب التنازل"وصل، وطلب أن يُرفق بقرار التنحية. وخلال الجلسة تكررت اشارات النواب الى ضرورة اتخاذ اجراءات لتكريم الشيخ سعد بعد تنحيته، وقدمت اقتراحات عدة لإعطائه لقباً خاصاً. وأكد صباح الأحمد أن هذا التكريم سيكون من أولى الاجراءات في المرحلة المقبلة. وكان لافتاً في الجلسة أن رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، الذي رشحته التوقعات لموقف معارض، لم يخرج عن الاجماع، بل صرح في كلمته بأنه تلقى زيارة أحد شيوخ الأسرة وأنه قام بعد ذلك بمبادرة فزار عميد الأسرة الحاكمة الشيخ سالم العلي وحضّه على اتخاذ موقف يحافظ على وحدة الأسرة. وبعد ساعتين من انتهاء جلسة التنحية، انعقد مجلس الوزراء برئاسة الشيخ صباح، وكان مفهوماً أن المهمة الأولى للمجلس أن يرشح اميراً جديداً. وما لبث صباح الأحمد أن غادر تاركاً رئاسة الجلسة لنائبه الأول الشيخ نواف الأحمد الصباح. وقررت الحكومة تزكية الشيخ صباح للإمارة. وكان المتداول مساء أمس ان مجلس الأمة سيُدعى الى عقد جلسة اجرائية الأحد المقبل لاستعراض هذا الترشيح، على أن تعقبها مباشرة أو يوم الاثنين جلسة بروتوكولية يؤدي خلالها الأمير الشيخ صباح الأحمد اليمين الدستورية. ويقول الخبير الدستوري الدكتور محمد المقاطع إن"الأمير المزكى"يصبح أميراً بعد جلستي المبايعة والقسم، ولا مانع من دمجهما أو الفصل بينهما بفارق زمني بسيط. ويرى أن الاجراءات المقبلة لن تصادف أي اشكالات دستورية باعتبار أن قانون توارث الإمارة الذي جرى اعفاء الأمير السابق بموجبه، نقل صلاحيات الإمارة الى مجلس الوزراء في غياب ولي العهد، ويمكن لرئيس مجلس الوزراء أن يحتفظ بمنصبه إلا إذا جرت تزكيته ليكون الأمير المقبل. وانعكست حلحلة الأزمة السياسية على البورصة التي سجل مؤشرها عند نهاية تعاملات امس ارتفاعا قدره 289.3 نقطة ليستقر عند مستوى 11782 نقطة.