4.9 مليون غرامات شركات الطيران ب3 أشهر    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    خطة لتطوير اللياقة البدنية للقوات المسلحة    مباحثات سعودية إسبانية بلجيكية لوقف حرب غزة    التعادل يحسم مباراة التعاون والخليج في "روشن"    الهلال يجري تدريبات استرجاعية ومناورة فنّية في العين ويعود إلى الرياض    السجن 5 سنوات وغرامة 150 ألفاً لمتحرش    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    زلزال بقوة 5.6 يهز مقاطعة توكات بشمال تركيا    3 مدارس سعودية تتوج بجائزة التميز المدرسي على مستوى دول الخليج    هيئة المسرح والفنون الأدائية تعلن عن تفاصيل أوبرا «زرقاء اليمامة» التي تجوب العالم    أرتيتا: وداع دوري الأبطال لا يعني نهاية موسم أرسنال    شقيقة عبد الحكيم السعدي إلى رحمة الله    أمير الشرقية يستقبل الزميل «القحطاني»    النفط يستقر وسط عقوبات أميركية وانحسار التوتر بالشرق الأوسط    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    شركة تطوير المربع الجديد تبرز التزامها بالابتكار والاستدامة في مؤتمر AACE بالرياض    شلل جزئي في دبي واستئناف الرحلات ببطء في مطارها    رئيس الأهلي: قرار تأجيل مباراة الهلال ليس في صالحنا    سيناريوهات تأهل الهلال إلى نهائي دوري أبطال آسيا    الجمعية السعودية لطب الأورام الإشعاعي تطلق مؤتمرها لمناقشة التطورات العلاجية    ألمانيا تعتقل شخصين يخططان لاستهداف قواعد أمريكية    سعود بن نهار يستقبل مدير التطوير والشراكات بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون    سمو محافظ الطائف يستقبل مدير الدفاع المدني بالمحافظة المعين حديثا    «جدة التاريخية»: اكتشاف خندق دفاعي وسور تحصين يعود تاريخهما إلى عدة قرون    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع اتفاقية لدعم برنامج علاج سوء التغذية في اليمن    أمير الرياض يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    سعودي ضمن المحكمين لجوائز الويبو العالمية للمنظمة العالمية للملكية الفكرية    إحباط تهريب أكثر من مليون حبة كبتاجون مُخبأة في إرسالية "فلفل وجوافة"    المملكة تستعرض ممكنات الاستثمار السياحي في المؤتمر العالمي للضيافة في برلين    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    رونالدو ينتصر في قضيته ضد "يوفنتوس"    إندونيسيا تصدر تحذيرًا من تسونامي    وصفات قرنفل سحرية تساعد بإنقاص الوزن    الضويان تُجسّد مسيرة المرأة السعودية ب"بينالي البندقية"    ملتقى الأعمال السعودي الإسباني يعزز التطوير العقاري    الأرصاد: ارتفاع الموج متر ونصف بالبحر الأحمر    "فنّ العمارة" شاهد على التطوُّر الحضاري بالباحة    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    الأمطار تزيد من خطر دخول المستشفى بسبب الربو بنسبة 11%    آل الشيخ: العلاقات السعودية - الأردنية متقدمة في شتى المجالات    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    «نيوم» تستعرض فرص الاستثمار أمام 500 من قادة الأعمال    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    5 فوائد مذهلة لبذور البطيخ    خادم الحرمين يرعى مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    أسرة الهجري تحتفل بعقد قران مبارك    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    مدرب النصر "كاسترو" يتعرّض لوعكة صحية تغيّبه عن الإشراف على الفريق    تراثنا.. مرآة حضارتنا    شقة الزوجية !    أمريكا أكثر حيرة من ذي قبل !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    جهود القيادة سهّلت للمعتمرين أداء مناسكهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أمير نائم وحملة تنتظر" مختارات من شعره . نوري الجراح يخبىء المعاني تحت القصيدة
نشر في الحياة يوم 01 - 08 - 2005

لا يوجد رقم محدد لعدد المجموعات التي ينبغي لأي شاعر أن ينشرها كي يحق له اصدار مختارات من شعره أو أعماله الكاملة. ولا يوجد، كذلك، تقدير أو شرط نقدي أو زمني يُلزم الشعراء بإنجازه أو الحصول عليه كي تكون مختارات شعرهم أو أعمالهم الكاملة مبرّرة.
هناك، على الأرجح، شيء عابر لهذا النوع من الشروط، شيء أكثر عمقاً ومواربة وخفاء وجاذبية وحركية داخل تجربة شعرية تبدأ بعلامة ما، بكتاب أول يكون بمثابة بيان شعري شخصي أو تحسساً لهذا البيان الذي يؤمل من التراكم اللاحق أن يتحقق وتترسخ خطوطه وتفاصيله ونبرته وأسلوبه... الخ.
اصدار مختارات أو أعمال كاملة، بهذا المعنى، خطوة يُستدل منها أن هواجس البدايات، والبحث عن المكونات الأسلوبية الرئيسة، وتقليب النبرة على أوجه نصية وتركيبية ولغوية عدة، والذكاء النقدي المواكب للممارسة الشعرية الذاتية، والحافات القصوى للقاموس الشعري الخاص وتربية المفردات والعبارات... كل ذلك، أو معظمه، قد صار وراء الشاعر ووراء التجربة وتحت طبقاتها المتواضعة قصيدة تلو قصيدة وكتاباً وراء آخر.
لا يفكر الشعراء، عادة، في اصدار المختارات أو الأعمال الكاملة الا بعد استواء الخط البياني للتجربة على ايقاع يُؤدى بطبقات صوتية وقاموسية واستعارية ونبرية شبه متكررة، حيث تمتلك الجملة الشعرية صفات يتم تربيتها والعناية بها طويلاً قبل أن تصبح ملازمة ومجاورة لأي فعل شعري مقبل، وحيث يصير من الصعب، حتى على الشاعر نفسه، أن يتوقع تطورات دراماتيكية على جملته هذه، تطورات يمكن أن يتغير، وفقها، مبدأ الكتابة نفسه. يمكن، طبعاً، أن تقع هذه التطورات أو التبدلات على الهوامش والحواف وعلى استدراجات ومبادرات لغوية ونصية جديدة. لكن من الصعب ان يمس ذلك المبدأ الخالص والنواة الجوهرية والعصب المركزي لنبرة الكتابة وطموحاتها ومآلاتها المستهدفة. هناك شيء ما يتبناه الشاعر ويربّيه في قصيدته ويتحول، مع الاستمرار في الكتابة، الى جلد شعري والى مزاج يتحكم أو يلقي بظلاله على مجمل مكونات أو تفاصيل عمله حتى المتناهية الصغر منها.
تجربة نوري الجراح هي، بلا شك، واحدة من التجارب التي ينطبق عليها معظم هذه الاشارات والتأويلات، سواء لجهة خصوصية نبرته الشعرية وممارساتها اللغوية النصية والاستعارية أو لجهة التراكم الأدائي الذكي والمتين للتجربة نفسها على مدى تسع مجموعات شعرية صدرت الأولى منها بعنوان"الصبي"عام 1982 والأخيرة وتتضمن مجموعتين معاً بعنوان"طريق دمشق والحديقة الفارسية"عام 2004.
استثمر نور الجراح عوالم ومناخات كتابية وشعرية مختلفة، وطرق باب لغاتٍ وقواميس وأساليب متعددة، مربّياً، أثناء ذلك، عبارة شعرية تكاد تخصه وحده. واذا كان لكل شاعر بيانه الشخصي، فإن نوري الجراح جهر ببيانه في"مجاراة الصوت"مجموعته الثانية، بعد"الصبي"التي كانت ايذاناً بترقّب بيان قوي. بعض الشعراء يعلنون بيانهم، إن وجد، في بواكيرهم الأولى كما هو الحال عند عباس بيضون ووديع سعادة وسليم بركات وسركون بولص ومنذر مصري على سبيل المثال، والبعض يظهرون هذا البيان في مجموعات لاحقة أو يوزعون ظهوره على مساحة التجربة كلها، والبعض يكتب أكثر من بيان واحد كما فعل محمود درويش الذي يمكن تقسيم تجربته، وفق بياناته، الى مراحل عدة.
المجموعات اللاحقة لنوري الجراح أظهرت نبرته في إهابها المتكامل، والنبرة، هنا، هي فن يتجاوز فنون البيانات باتجاه إنضاج التجربة وإكسابها المناعة وقوة الدفع الذاتية بحيث تُبتكر مواد القصيدة من النبرة نفسها ومن تدرجاتها العالية والخافتة، الخافقة والمهموسة. هكذا تصير النبرة والكتابة شيئاً واحداً في تجربة نوري الجراح وتصبح الواحدة منهما مجاورة للأخرى وملازمة لها. وربما كان دفن المعاني أو اظهار أقل قدر منها هو احدى أهم ممارسات نوري الجراح الشعرية، حيث المفردات والعبارات تجرّ وراءها غطاءً أدائياً تُدفن المعاني وتُوارى تحته. القصيدة تتقدم بينما المعاني والصور والتأويلات تختفي وتظهر بحسب سماكة هذا الغطاء في بعض المساحات ورقته في مساحات أخرى. كما ان لجوء الشاعر الى جعل المعنى متماوجاً والصورة مرتجة وبأطياف متعددة يساهم في تثبيت أو صحة فكرة دفن المعنى، اذ انها ليست عملية دفن كاملة، وتحسس هذا المعنى غالباً ما لا يحتاج سوى الى خدش أو كشط سطح القصيدة أو نبشها قليلاً حتى تبدو كنوزها ومعادنها وثرواتها.
كأن نوري الجراح يقدم الطعم والرائحة والملمس على المعنى نفسه. انها اشارات وعلامات وتدرجات وأطياف. وهذا الجهد المبذول لتقطير المعنى وتصفيته يكاد يكون قاسماً مشتركاً لمجمل عمل الشاعر، ويشكل المساحة الأعظم في نبرته وممارساته الأسلوبية واللغوية والشكلية أيضاً، ولهذا يصعب تقسيم شعر نوري الجراح، في رأيي، الى موضوعات وثيمات ومعان وعناوين وأبواب عريضة. وهو ما فعله علي بدر في اختياره وتبويبه وتقديمه شعر نوري الجراح في الكتاب. فقد وزع الكتاب على سبعة أبواب هي: باب الفكرة، باب النوم، باب المرأة، باب العالم، باب الدهشة، باب الحب، باب الفتنة، واستهل ذلك بمقدمة نقدية تُظهر قراءته العميقة لشعر الجراح، إضافة الى شرح لفكرته عن"أبواب"هذا الشعر وتبريره لهذا التقسيم الذي هو، بالنسبة اليه:"جذور/ موضوعات/ ثيمات/ خيالات/ شفرات/ دلالات/ مفاتيح... مولدة ومبدعة... ليست بديلاً عن الديوان ولكنها أشمل وأوسع منه". وهي أيضاً:"ترميز واعادة ترميز للقصائد وفق تسلسل تجريبي، ومن ثم تسلسل تأملي وتعيد موضعة القصائد في اطار جديد".
ولكن على رغم أن هذا التقسيم أو التبويب تجريبي وترميزي، وهو، في النهاية، اجرائي ومزاجي لقراءة شعر الجراح وفق نظرة هي، بالمناسبة، نظرة جادة وذكية. وعلى رغم جمالية المقدمات الصغرى التي وضعت كتمهيد لكل باب من الأبواب التي يقترحها علي بدر... على رغم كل ذلك فهو يقع، من حيث لا يدري على الأرجح، في فخ التقسيم الغرضي لهذا الشعر، وهو تقسيم يذكرنا بتناول النقد العربي للشعر وفق أغراضه ومعانيه المباشرة. وبهذا المعنى، فإن علي بدر يستدعي شيئاً من منهج سابق وقديم في معالجة نص فائق الحداثة. صحيح أن شيئاً جديداً يمكن أن ينتج من هذه الممارسة ولكنها قد لا تستطيع تحاشي هذا التبويب شبه الصارم لشعر الجراح، والذي من شأنه أن يتعارض مع رغبة الشاعر المفضلة في تمويج المعنى وتكثيره ودفنه جزئياً تحت الكلمات. وهذا يعني أن العنوان المقترح لأي باب قد لا يكفي لتخليص النصوص التي توضع فيه. وعلى رغم أن علي بدر يحذّر نفسه والقارئ أيضاً من الوقوع في أي عسف تطبيقي لهذا التبويب، الا انه، في الواقع، قد يشتّت ذهن القارئ حين يفاجئه بتبويب غير متسلسل أو غير منسجم مع التسلسل الزمني الذي صدرت به مجموعات الشاعر، وحتى لو كانت تواريخ كتابة بعض القصائد لا تخضع لهذا التسلسل كما يوضح علي بدر في المقدمة، فإن من المحمود، لئلا أقول من المتداول والسائد، أن يؤخذ مزاج الشاعر في اختيار تسلسل ما لنشر شعره في الاعتبار. ويمكن في معرض تبيان عدم كفاية هذا التقسيم في الاحاطة بالتجربة ايراد أمثلة عدة يمكن اخراجها من أحد الأبواب ووضعها في باب آخر من دون أن يهتز هذا التبويب أو يتخلخل. وهذا ما يجعل الزام القارئ بهذه القراءة مسألة فيها نظر وجدال كثير ليس بسبب العادات الدارجة في القراءة وفق تسلسل صدور مجموعات الشاعر فحسب بل بسبب الاقتراح المربك لأي قراءة مفترضة إن لم يكن للشعر المقروء نفسه أحياناً.
أخيراً، ينبغي أن نشير الى ان صدور مختارات لشعر نوري الجراح يعزِّز، أكثر فأكثر، الفكرة التي طرحتها منذ فترة عن مبادرة عدد من شعراء السبعينات الى نشر مختارات من تجاربهم الشعرية أو أعمالهم الكاملة، فهم حين يفعلون ذلك انما يكسرون احتكار الرواد وشعراء الستينات ونجوم الحداثة الشعرية العربية لهذه الممارسة. قد يكون هذا الاحتكار أمراً شكلياً ولكنه، من جهة أخرى، يؤكد ان الكثير من تجارب السبعينات قد دخلت في طور الكهولة والحكمة والاستواء. كما قال الناقد صبحي حديدي يوماً عن شعر عباس بيضون، وهذا يعني أن ثمة تراكماً في الكتابة يتجاور مع تراكم من جهة القارئ يمنحان التجربة الشعرية ثقة وجدارة تجعل دفع مختارات أو أعمال كاملة الى الطباعة خطوة طبيعية. وهذا، على الأرجح، ما يفسر تزايد عدد الشعراء الذين بادروا، حتى الآن، الى فعل ذلك، ويمكن أن نذكر منهم، على سبيل المثال: قاسم حداد ونزيه أبو عفش وأمجد ناصر ومحمد بنيس وبسام حجار وعقل العويط وهاشم شفيق... الخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.