في الوقت الذي تتذبذب أسعار النفط ما بين 55 و60 دولاراً كما حدث في الأسبوع الماضي، وحيث أغلق سعر النفط الأميركي الخفيف مساء الجمعة عند نهاية التعاملات في سوق نيويورك على 59.10 دولار للبرميل، ينصب الاهتمام في الصناعة النفطية العالمية على حاجات الصين المستقبلية للمواد الأولية، وخصوصاً دور شركاتها الرئيسة في تأمين حاجات البلاد. وتتركز الأنظار الآن على محاولة شركة النفط الوطنية الصينية البحرية سنووك شراء شركة يونيكال الأميركية بقيمة 19،6 بليون دولار، وفيما إذا كانت تستطيع إتمام العملية على ضوء المنافسة لها من شركة شيفرون الأميركية العملاقة واحتجاج بعض رجال الكونغرس الذين يعارضون بيع كبرى الشركات الأميركية للصين، وخصوصاً لشركات حكومية. وتعتبر هذه العملية أول محاولة شراء كبرى من الصين لشركة أميركية عملاقة. ويكمن السبب الأساس وراء المحاولة في تصميم الصين على ولوج ساحة النفط الدولية من أجل تأمين احتياجاتها للمواد الأولية من خلال شركاتها الوطنية، وليس الأجنبية. وبالفعل، نرى أنه بينما كانت للصين ممتلكات في حقول نفطية وغازية في 23 دولة في عام 2003، فقد ارتفع هذا العدد إلى 36 دولة في 2005. كما أن للعملية أبعاداً جيوسياسية، إذ توسع نفوذ الصين النفطي في القارة الآسيوية وفي قطاع الغاز الطبيعي بالذات. فلدى يونيكال احتياطات غازية كبرى في اندونيسيا، وهذا سيمكن سنووك من استيراد الغاز المسال إلى الصين وتصديره كذلك إلى اليابان وكوريا الجنوبية. كما أن يونيكال هي أكبر شركة منتجة للنفط والغاز في تايلاند حيث ارتفع الاستهلاك هناك في العام الماضي نحو 10 في المئة. ولدى الشركة الاميركية ممتلكات غازية في بنغلاديش ومشاركة في الحقول النفطية في اذربيجان. وستؤدي هذه الصفقة، في حال إتمامها، إلى مضاعفة ممتلكات سنووك بحيث سيتوافر لها 4 بلايين برميل من النفط المكافئ وطاقة إنتاجية نحو 795 ألف برميل يومياً من النفط المكافئ. ومن أجل الوصول إلى هذه الطاقة الضخمة، قدمت سنووك عرضاً تفوق قيمته نحو 1،50 بليون دولار عن عرض شيفرون. ويقود العملية النفطية الضخمة وذات الأبعاد السياسية رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي للشركة فو جينغيو، الذي حاز شهادة الماجستير في الهندسة البترولية من جامعة كاليفورنيا الجنوبية وعمل لفترة مع شركة فيليبس الأميركية. وقد وعد السيد فو أن يبقي على جميع موظفي شركة يونيكال البالغ عددهم 6600 موظف وأن يبيع كل ممتلكات يونيكال النفطية والغازية في الولاياتالمتحدة حتى لا يحتج بعض رجال الكونغرس بأن الصينيين بدأوا يهددون صناعة النفط الأميركية في عقر دارها. وقد ارتفع دور الشركات النفطية الصينية في دول الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة في شكل ملحوظ. وتلعب السودان دوراً مهماً في هذا المجال، إذ تقوم هذه الشركات، بالتعاون مع شركة بتروناس الماليزية ومؤسسة النفط والغاز الهندية في إنتاج نحو 300 ألف برميل يومياً ويتوقع ان يتضاعف هذا الإنتاج ومن جانب هذه المجموعة من الشركات، وبالذات الصينية منها، قبل نهاية العقد. وللشركات الصينية، كذلك عقد مهم مع المملكة العربية السعودية للاستكشاف عن الغاز الطبيعي في الربع الخالي، وعقد مشاركة إنتاج تم توقيعه مع النظام العراقي السابق لحقل الأحدب 80 ألف برميل يومياً، وحصة 40 في المئة من حقل ايسيس في تونس و70 في المئة من حقل أدرار الغازي في الجزائر. وتستورد الصين نحو 2،50 مليون برميل يومياً من النفط الخام. ويأتي الشرق الأوسط في مقدم المصدرين 45 في المئة، تليه افريقيا 29 في المئة وأوروبا 14 في المئة وآسيا 12 في المئة. وتأتي السعودية في مقدم المصدرين إلى الصين 346 ألف برميل يومياً في 2004 تليها سلطنة عمان 328 ألف برميل يومياً ومن ثم انغولا 325 ألف برميل يومياً. أن نجاح شراء صفقة يونيكال، في حال عبورها جميع الحواجز السياسية القانونية سيعني بدء مرحلة جديدة في الاستثمارات الصينية الأجنبية، وبالذات في الولاياتالمتحدة، حيث تركزت الأموال الصينية حتى الآن في شراء سندات الخزينة. فهذه العملية ستعني بدء مرحلة جديدة لولوج الشركات الصينية في عقر واحدة من أهم الصناعات الأميركية ذات الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية. كما ستعني هذه الصفقة بدء وجود صيني نفطي مهم على الساحة الدولية طال انتظاره، نظراً لكون الصين ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط الخام بعد الولاياتالمتحدة. وأخيراً، ستفتح هذه الصفقة آفاقاً جديدة للتعاون المستقبلي ما بين الصين والدول المنتجة، وخصوصاً الشرق الأوسطية، نظراً لما تستطيع هذه الدول أن توفره للصين من مواد خام وللأسواق الضخمة الواعدة التي يمكن أن تؤمنها الصين للمنتجات البترولية الشرق أوسطية.