العالم يتحول بوتيرة سريعة، وتغيراته تطال جميع مجالات الحياة وعلى رأسها التعليم. بينما كنت أتصفح موقع فيسبوك، ظهرت أمامي صورة لجدول الضرب التقليدي الذي لطالما رافق دفاترنا المدرسية في الطفولة. لم تكن مجرد صورة، بل كانت بوابة لذكريات مؤلمة حين كنا نحفظه تحت التهديد والضرب، إذ كان الفشل في ترديده عن ظهر قلب، يعني التعرض لعقوبة جسدية قاسية كالضرب بالعصاة علي أطراف الأصابع من ظاهر الكفوف . لم يكن الأمر مقتصرًا على الرياضيات، بل امتد إلى جميع المواد تقريبًا . من الدين إلى التاريخ الخ. حيث كان يُطلب منّا الحفظ الميكانيكي، بلا فهم أو تحليل، وكان الضرب بالعصاة أو حافة المسطرة هو الوسيلة "التربوية" السائدة لترسيخ هذه المعرفة في أذهاننا . هربت من تلك الذكريات عبر قلب الصفحة، لأصادف مقابلة للعالم الفيزيائي ميتشيو كاكو تحدث فيها عن مستقبل التكنولوجيا وتأثيرها على حياتنا. شدني حديثه عن الشرائح الذكية التي ستكون منتشرة في كل شيء من أجسامنا وأدمغتنا إلى منازلنا والفضاء من حولنا، وستحول عالمنا إلى بيئة فائقة الذكاء. لن نكون بحاجة لحفظ المعلومات لأنها ستكون متاحة لحواسنا وأدمغتنا بانزال مباشر من سحب المعلومات عبر تقنيات متطورة كالخوزات والنظارات والمجسات والعدسات الذكية، وسننتقل من الحفظ إلى الفهم، ومن التلقين إلى الإبداع . التعليم التقليدي القائم على الضرب والترهيب والتكرار والحفظ بدأ يختفي لتحل محله نماذج تعليمية تفاعلية قائمة على التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي. أصبح التعليم اليوم أكثر مرونة يعتمد على الفهم والتجربة، وعلى تصميم محتوى يتوافق مع قدرات كل طالب بشكل فردي. تخيلوا مستقبلًا يكون فيه لكل طالب نظام تعليمي ذكي خاص به: يفهم طريقة تفكيره ويعلمه بأسلوب يناسب قدراته وامكاناته . لم نعد بحاجة إلى ترهيب الأطفال من أجل التعلم ، بل إلى بيئة تحفّز عقولهم وتمنحهم حرية الاكتشاف. الذكاء الإصطناعي سيساعدنا في هذا التحول، ليس فقط عبر الأدوات، بل بإعادة تشكيل مفهوم التعليم نفسه . وبينما نحن جيل لن ينسى قسوة الماضي، فإننا نملك الآن فرصة لتصميم مستقبل تعليمي أكثر إنسانية فالتحول لا يتعلق فقط بالتقنيات، بل بالبيئة التعليمية والعقلية التي تديرها . علينا أن نعدّ أبناءنا لمستقبل لا تحفظ فيه جداول الضرب وغيرها بالعصا، بل تُكتشف فيه بالتحدي وبالمعرفة التقنية والرغبة في التعلم بشغف وسعادة.