كان الرئيس جورج بوش قال بعد نشر صور التعذيب في سجن ابو غريب ان السجن سيهدم. وهو لمّح في مقابلة تلفزيونية هذا الشهر، بعد اشتداد الحملات الأميركية والدولية عن سوء معاملة المعتقلين في خليج غوانتانامو، الى ان السجن العسكري هناك سيغلق. الرئيس الأميركي قدّر الضرر في الحالين على سمعة بلاده، واتخذ موقفاً باتجاه انقاذ هذه السمعة. ولكن الأخبار ومصادري كلها اميركية تقول ان سجن ابو غريب سيوسع، وأن معتقل غوانتانامو سيشهد بناء سجن جديد. في العراق، ومع استمرار المقاومة والإرهاب، ارتفع عدد المعتقلين لدى القوات الأميركية الى 10788 شخصاً هذا الشهر بعد ان كان 7837 شخصاً في كانون الأول يناير الماضي، و5435 شخصاً في حزيران يونيو من السنة الماضية. غير ان موضوعي اليوم معتقل غوانتانامو والضجة المتزايدة حوله، ففي الأخبار ان شركة كيلوغ براون اند روت، المتفرعة من شركة هالبرتون التي ترأسها يوماً نائب الرئيس ديك تشيني، نالت عقداً لبناء سجن جديد في خليج غوانتانامو يتسع لنحو 220 سجيناً. العقد بثلاثين مليون دولار لمبنى من طابقين يضم تهوئة وتسهيلات طبية وجزءاً لممارسة الرياضة. كيف حدث هذا؟ الرئيس بوش كان اقرب الى نبض الشارع الأميركي والرأي العام العالمي من نائبه تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد اللذين شنا حملة كبيرة، ساعدهما فيها كتّاب اليمين المتطرف من محافظين جدد وغيرهم، للإبقاء على معتقل غوانتانامو، بل توسيعه. في مثل هذا الوضع لا اجد سبباً لتصديق دفاع فجّ من باحثين في مؤسسة هرتدج اليمينية او كاتب في"ناشونال ريفيو"، احدى مطبوعات العصابة، ولكن اقارن بين زعم نائب الرئيس ان المعتقلين في غوانتانامو يعيشون في ما يعادل فندقاً فخماً، في منطقة استوائية، أي سياحية، وآراء آخرين. - الرئيس الأسبق جيمي كارتر اطلق حملة لإغلاق المعتقل لأنه عاد بالضرر على سمعة الولاياتالمتحدة. - السناتور البارز جوزف بايدن ردد دعوة كارتر. - السناتور ديك ديرين قارن معتقل غوانتانامو بحقول الموت لبول بوت، ومعسكرات الاعتقال النازية وغولاغ السوفيات. - السناتور ميل مارتينيز، وهو جمهوري من فلوريدا، دعا الى اغلاق السجن القريب من ولايته. - السناتور تشك هاغل قال ان معتقل غوانتانامو وراء هبوط سمعة الولاياتالمتحدة حول العالم، ودعا الى اغلاقه. - الأعضاء الديموقراطيون في لجنة الشؤون الخارجية قالوا ان المعتقل افضل دعاية تجنيد لدى القاعدة. بكلام آخر، وبعد هذه الشهادات الأميركية الخالصة، معتقل غوانتانامو ليس مطعماً ينافس على ثلاثة نجوم في سجل ميشلان المشهور، وإنما وصمة على جبين الديموقراطية الأميركية. تقرير وزارة الدفاع الأميركية اكد وجود حالات من تدنيس القرآن الكريم في المعتقل، على رغم النفي الرسمي لخبر"نيوزويك"والضجة الهائلة التي اثارها، والوزارة اعترفت باستخدام اطباء نفسيين خلال التحقيق مع المعتقلين، مما اثار جدلاً حول شرعية، او اخلاقية، هذا التصرف الذي كشفته مجلة طبية اميركية في نيوانغلاند، أي ولايات الساحل الشمالي الشرقي من البلاد. وكان مانفريد نوفاك محقق الأممالمتحدة الخاص بالتعذيب، طلب هذا الشهر زيارة المعتقل ومقابلة السجناء، ورفضت وزارة الدفاع الأميركية طلبه كما رفضت طلب سلفه تيوفان بوفن. وواضح ان هناك اشياء تريد الوزارة اخفاءها. هناك في غوانتانامو الآن 520 معتقلاً من 40 بلداً، والواقع ان منذ افتتاح المعتقل بعد ارهاب 11/9/2001 لم يستطع المحققون الحصول على معلومات مهمة فعلاً عن القاعدة ورجالها، فالغالبية العظمى من المعتقلين محاربون بسطاء لا معرفة لهم بالقيادة. والإدارة الأميركية تقول ان محمد القحطاني اعطى معلومات عن عمل القاعدة ووسائل تجنيد الشباب في صفوفها، وأن معلوماته ادت الى اختراق مهم للاستخبارات الأميركية. الغريب ان وزارة الدفاع وصفت القحطاني في عرضها هذا على انه"الخاطف العشرون"في الإرهاب المعروف. إلا اننا سمعنا دائماً ان زكريا موسوي كان الرقم عشرين، وقد اعتقل وحوكم وحكم عليه. وخاج نطاق معتقل غوانتانامو وحقيقة ما يجري فيه، فقد اعتقل ألوف داخل الولاياتالمتحدة منذ 11/9/2001، ولكن الإدانات بقيت قليلة، خصوصاً في قضايا الإرهاب. وكان الرئيس بوش اعلن رسمياً وإلى جانبه المدعي العام وزير العدل ألبرتو غونزاليس ان 40 معتقلاً في الولاياتالمتحدة وجهت إليهم تهمة الإرهاب ودين نحو نصفهم، وحققت"واشنطن بوست"في كلام الرئيس وحصلت على تقارير قضائية وخلصت منها الى القول ان 39 فقط دينوا، ومع ان الإدانة كانت تتحدث عن"إرهاب"فقد وجدت الجريدة ان اكثر الإدانات له علاقة بمخالفة قوانين الهجرة لذلك كان المعدل الوسطي للأحكام على"الإرهابيين"11 شهراً فقط. قبل يومين اصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان من مقرها في نيويورك بياناً يقول ان السلطات الأميركية اعتقلت 70 رجلاً بتهمة الإرهاب، كلهم باستثناء واحد من المسلمين، ولم تثبت أي تهمة على اكثرهم. وكانت مجلة"ذي نيشن"تحدثت اخيراً عن فتاتين: واحدة من بنغلادش والأخرى من غينيا، وكل منهما في السادسة عشرة اعتقلتا في نيويورك بتهمة انهما تنويان القيام بعمليات انتحارية، ولم تثبت التهمة بل ثبت ان إحداهما كتبت موضوع انشاء في المدرسة يقول ان العمليات الانتحارية تخالف الدين الإسلامي. الرئيس جورج بوش مشهور باتخاذ قرارات على اساس الحدس والإيمان، وأرجو ان يقرر إغلاق معتقل غوانتانامو، وأن يوقف ملاحقة الأبرياء، لأن الديموقراطية الأميركية الراسخة تتعرض للتآكل على ايدي بعض اركان ادارته.