سبيس إكس تنقل طاقمًا جديدًا إلى محطة الفضاء الدولية في رحلة قياسية    الداخلية : ضبط (22147) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    18 شهيدًا في غزة من منتظري المساعدات    أمطار غزيرة وسيول متوقعة جنوب وغرب المملكة    ورشة في معرض المدينة تحذر من الضجيج المعرفي    أمانة الطائف تكثِّف جهودها بالتزامن مع الحالة المطرية التي تشهدها المحافظة وضواحيها    ارتفاع أسعار الذهب    مهرجان كأس العالم للرياضات الإلكترونية يعلن عن إقامة مباريات استعراضية للألعاب    الفريق الفتحاوي يستأنف تدريباته ويرفع مستوى جاهزيته        رمزية «القائد» تلهم السعوديين    الأهلي يتعاقد مع أبو الشامات ويمدد عقد فلاتة    الخليج يواصل تحضيراته    جامعة الإمام تمنح الباحثة البحرينية أسماء خالد درجة الدكتوراه بامتياز    مدرب الهلال يمنح نيفيز راحة إضافية لمدة 3 أيام    ليون الفرنسي يمدد تعاقده مع تاجليافيكو حتى 2027    شراكة بين جمعيتي "سقيا جازان" و "بر أبوعريش" لدعم العمل الخيري بجازان    مانشستر سيتي يكشف عن رقم قميص جديد للاعبه أوريلي    كأس العالم للرياضات الإلكترونية.. فريق Team Liquid يواجه SRG.OG في نهائي بطولة ML:BB MSC    ضبط شخص في جدة لترويجه (54) كجم "حشيش"    فرنسا : المملكة لعبت دوراً مهماً في إنجاح مؤتمر حل الدولتين    "الهلال": القحطاني يلتحق بمعسكر الفريق الخميس المقبل    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي    الدكتور علي آل زهير يحتفل بزواج ابنه الدكتور عبدالله    البحث عن مصطفى سعيد بحث عن المعنى ورواية يقتحمها مؤلفها ليصبح واحدا من شخصياتها    الشيخ الدوسري: المملكة نموذج يُحتذى في التقدّم التقني دون تفريط بالقيم    الحذيفي: تقوى الله طريق النجاة والصراط أعظم ساعة كرب    الذهب يستقر ويتجه لتكبد خسارة أسبوعية    العادات الدخيلة على مجتمعنا    محافظ الدرعية يجتمع مع مدير إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    أمير المدينة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    صناعة الرياضة السعودية: من استضافة البطولات إلى بناء الاقتصاد    تنوع أحيائي فريد وحياة فطرية مزدهرة    الغرق.. أسبابه والحاجة لزيادة الوعي    اكتشاف جديد يمهد لعلاج التوحد    مدارس الرياض.. خمسة عقود من التميز والعطاء    أحمد الصانع.. الكفاءة والاقتدار    نائب امير منطقة مكة يكرم رعاة الحملة الوطنية الإعلامية لتوعية ضيوف الرحمن (الحج عبادة وسلوك)    أمير منطقة المدينة المنورة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    في معرض المدينة الدولي للكتاب مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث والحِرَفِ اليدويّة    السعودية ترحب بإعلان حكومة البرتغال عن بدئها بالإجراءات التي تمهد لاعترافها بالدولة الفلسطينية    السعودية: لا اشتراطات جديدة على معتمري الخارج    محافظ الطائف يوجه بإغلاق منتجع شهد سقوط إحدى الألعاب والتحقيق في ملابسات الحادثة    تكريم "التخصصي" لدوره في تعزيز الصحة المجتمعية بالمدينة المنورة    مؤتمر حل الدولتين: إطار زمني لإقامة دولة فلسطينية خلال 15 شهرا    هجوم روسي على منشآت تدريب أوكرانية    موجز    14 قتيلاً برصاص الاحتلال في غزة.. نزيف مستمر قرب مراكز المساعدات    ضبط 12 مروجاً ومهرباً و380 كجم من المخدرات    أول جهة حكومية تنال شهادات (CREST) العالمية.. سدايا تحقق التميز في الأداء الحكومي ورفع الإنتاجية    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    9 مليارات ريال كفالات تمويلية    التجارة تستدعي 96 طقم أكواب زجاجية للأطفال    توثيق أصوات مؤذني مساجد وجوامع الأحساء    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جابر عصفور وجهود بناء المعاصرة العربية
نشر في الحياة يوم 18 - 06 - 2005

سبقني كثيرون للإعلان عن الفرح بعودة أستاذنا الدكتور جابر عصفور للكتابة بعد الأزمة الصحية التي ألمّت به. فحضور جابر عصفور في الثقافة العربية المعاصرة لا يكاد يعادله حضور آخر للازدواج أو المهمة المزدوجة التي أتاح له تميّزه القيام بها. فهو من جهة مثقف كبير، وناقد أدبي كبير، ودارس كبير - ثم انه قام ويقوم إضافة الى ذلك على رسالة هائلة الأهمية بحكم موقعه في المجلس الأعلى للثقافة، طوال العقد الماضي.
عرفت جابر عصفور قبل عشرين عاماً أو يزيد من خلال عمله عن طه حسين، وعمله الآخر في نظرية الشعر العربي. والطريف أن الذي نبهني لدراسته العظيمة عن طه حسين نقد أستاذنا الكبير الآخر شكري عياد لها. لكن عندما قرأت العمل نفسه، نسيت ذاك النقد الجاد، وصارت نظرية المرايا مرشداً لي في قراءاتي لأعلام معاصرين وقدامى.
أما جهوده في مجال نظرية الشعر العربي القديم، فالطريف أيضاً انني قارنت فيها بين أعماله، وأعمال كل من شكري عياد وإحسان عباس. ولا شك في أن بين الثلاثة اختلافاً في زوايا النظر، بحيث يمكن القول إن أعمالهم يكمل أحدها الآخر، في حين بدا لي عمل جابر عصفور مفيداً في شكل خاص في مجال النقد التطبيقي. ثم أفدت كثيراً من دراسات جابر عصفور في مجال الشعر العربي الحديث والمعاصر، وفي مجال الرواية. ومع انني لست مختصاً بالدراسات الأدبية والنقدية، فالذي يبدو لي أن تميز جابر عصفور لهذه الناحية آت من معرفته الهائلة بالآداب العالمية، وبالرؤى والنظريات النقدية المعاصرة. وبحكم اختصاصي بالدراسات الكلامية والفقهية والتاريخية القديمة، أثارت إعجابي دائماً معارف جابر عصفور بالثقافة العربية القديمة كلها، وما هو أكثر وأكبر من ذلك قدرته على توظيفها في دراساته الأدبية، دراساته الثقافية العامة، وفهمه للأصوليات والسلفيات الحديثة والمعاصرة. وأنا أختلف معه في مواجهاته في السنوات الأخيرة لظواهر ما يُعرف بالصحوة الإسلامية. لكنه حتى في مقالاته بجريدة"الحياة"، لا يميل للخطابية، ولا يغالط الخصم أو يناكفه، بل يقدم وجهة نظر جادة ومتكاملة، واضحة الأسس والمنزع، وتستدعي دائماً نقاشاً يرفع من مستوى البحث والتتبع. أما الحرارة التي تبدو على السطح، فعذره فيها المجريات اللاهبة للصراع الثقافي على المجتمع والدولة بمصر على الخصوص.
ولنستكشف المهمة الأخرى التي اضطلع بها جابر عصفور طوال العقد الماضي في المجلس الأعلى للثقافة. نحن نعرف المشروع المصري القديم للألف كتاب. وهو والحق يقال مشروع جليل، وكان شبه منفرد في زمانه الأول في المجال الثقافي العربي. وعرفنا من بعد سلسلة عالم المعرفة الكويتية، والتي قامت على أيدي المصريين أيضاً طوال العقود الماضية. الرائع في عمل جابر عصفور لهذه الجهة، ليس انه أنجز في أقل من عشر سنوات ألف عنوان أيضاً، وحسب، بل في هذا التنوع الهائل في الترجمات لجهة الموضوعات، ولجهة الجدية والتميز، ولجهة المدى الشاسع الذي شمل ثقافات العالم كلها - فإذا امتلكت منشورات المجلس الأعلى للأعوام الجابرية الماضية، فقد عرفت المعاصرة العالمية الى حد بعيد، وفي شتى المجالات والموضوعات والثقافات: التاريخ والسياسة والاقتصاد والآداب والنقد والأصول العلمية للعوالم الحديثة، والفنون، والسوسيولوجيا والانثروبولوجيا، وما لا أكاد أحصيه في هذه العجالة. ويضاف لذلك اهتمام غير قليل بالعالم الإسلامي والغربي القديم والوسيط. ولا شك في أن المجلس الأعلى مؤسسة كبرى، وفيها أناس الى جانب جابر عصفور يتابعون ويتلقون وينصحون بتقبل هذا العمل أو ذاك، لكننا ندين نحن والمجلس لجابر عصفور بالذات والى حد كبير بهذه الشمولية الهائلة، وتلك الجدية البناءة في عوالم المعرفة والإبداع.
وهناك أمر آخر أحسسنا به نحن العرب من خارج مصر، ربما أكثر مما أحس به المصريون. فمن السبعينات والى التسعينات من القرن المنقضي، ما كان أحد يدعونا لمصر لحضور مؤتمر أو المشاركة في مناسبة ثقافية إلا في النادر. جابر عصفور أعادنا الى مصر، ودفع مصر المكتفية بذاتها الى الاعتراف بنا. نعم، صرنا نشارك ونُسهم ونُعلّم ونتعلم، بعد أن كنا لا نذهب إلا الى دول الخليج أو العراق وسورية، وفي مناسبات احتفالية في الأعم الأغلب. وهناك كثيرون منا، ومن جيلَّي الشباب والكهول، يدينون بشهرتهم اليوم، لتلك الأجواء التي طورها جابر عصفور، إن لم يكن قد أوجدها أو جددها بعد انقضاء النهوض الناصري.
كنت بمصر قبل شهور لحضور مؤتمر بمكتبة الاسكندرية، ما كان جابر، يا للعجب، هو الذي دعاني اليه! وهناك بالقاهرة صادفت الدكتور سمير قصير، الذي اغتالته أيد آثمة قبل أيام ببيروت، وقالت لي زوجته جيزيل خوري: لماذا أنت مستعجل، لماذا لا نتغدى معاً؟ وقلت: أريد زيارة جابر عصفور قبل أن أركب القطار الى الاسكندرية. وضحك سمير وقال: خذنا معك، فقد كلمناه أمس فلم نجده. وقلت مستغرباً: كيف تعرفان جابر عصفور، ولا علاقة لكما باختصاصه ولا بعمله، هل قرأتما بعض كتبه؟ وسارعت جيزيل للقول: جابر شخصية عامة معروفة في مصر وخارجها، سواء قرأنا كتبه أم لم نقرأها، وقد قال لي سمير مرة: ما قرأت كتاباً فرنسياً رغبت في إطلاع القراء عليه إلا وجدته مترجماً بالمجلس الأعلى للثقافة، ولعلمك جابر هو المصري الوحيد الذي استقبلنا في منزله، وليس في أحد المطاعم بعد أن رأيناه مرة واحدة!
فليبق جابر. ولتبق مصر. وليبق المجلس الأعلى للثقافة. ولولا الإطالة، لذكرت فيه قولة عبدالله بن عباس في معاوية!
كاتب لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.