في بداية تسعينات القرن الماضي برزت خمسة مواضيع رئيسة في مجال التجارة الدولية: المفاوضات المتعددة الأطراف مائدة أورغواي، توجه الكثير من الدول نحو التكامل الإقليمي، اعتماد البلدان النامية والدول التي هي في مرحلة انتقالية على الأخذ ب"التحرير الأحادي"للتجارة كأداة فاعلة توظف في إصلاح اقتصاداتها، تصاعد الخلافات التجارية بين البلدان الصناعية وبعضها البعض وبينها وبين البلدان النامية، وكذلك بين الجنوب والجنوب، واكتشاف الدول ضرورة ربط أنشطة التجارة بالقضايا ذات العلاقة بالسياسات الوطنية للدول مستوى العمالة/ البيئة/ السياسات التنافسية. كما أن فترة التسعينات حملت متغيرات هيكلية كان لها تأثير جوهري وبعيد المدى في نظام التجارة العالمي أهمها: - عولمة الإنتاج والاستثمار التي جعلت من الصعوبة بمكان التفريق بين ما هو"أجنبي"و"محلي"و"حدودي"و"غير حدودي". فقد تنشأ شركة في بلد معين ويكون مركزها في بلد آخر، وتأتي مواردها من دول عدة، وتصدر منتجاتها لبلد أو بلدان ليس لها علاقة بالبلدان السابقة. فالعولمة جعلت من الصعب قيام الدول بانتهاج استراتيجيات منعزلة ومنفصلة تتسق مع سياساتها الهادفة إلى ضمان نمو اقتصادي مستقر. - تحول الكثير من البلدان النامية المتقدمة إلى قواعد اقتصادية قوية لها القدرة على إحداث تأثيرات جوهرية في أنماط التجارة الدولية ومسار الاقتصاد العالمي. - تحول بعض البلدان من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق، دول البلطيق وأوروبا الشرقية والتي يتوقع لها أن تكون لاعباً في نظام التجارة العالمي يتحدى اللاعبين الرئيسين الحاليين. - قرار الولاياتالمتحدة الأميركية إعطاء الأولوية النسبية إلى الأهداف التجارية مقارنة بالقضايا الاستراتيجية والسياسية. إن تحرير التجارة قد يأخذ ثلاثة اتجاهات: أحادية وإقليمية ومتعددة. "فالسياسة الأحادية"لا تفترض ارتباط أي بلد بأي اتفاق دولي كما أنه لا يحتاج إلى أي تحول في هيكله التجاري فتعديل سعر الصرف كفيل بضمان توازن تجارته الخارجية. أما"التحرير الإقليمي للتجارة"فيحتم ارتباط الدولة المعنية بدول أعضاء المجموعة الإقليمية والانفتاح عليها دون الغير. وفي هذه الحال يكون التحرير جزئياً وتمييزياً، ما يؤدي إلى ايجاد تأثيرات"التحول التجاري"التي تتمثل في تغير أنماط أو اتجاهات التجارة. فقيام دولة بإبقاء الرسوم الجمركية على حالها تجاه دولة معينة ورفعها بالنسبة الى دولة أخرى، سيؤدي إلى تحول مشترياتها إلى هذه الأخيرة. كما أن تحول الاستيرادات من دولة خارج المجموعة الإقليمية إلى دولة عضو فيها سيجعل تكلفة الاستيراد من الأولى أقل مما لو استوردت من الدولة العضو. وتؤدي هذه السياسة إلى تسارع نمو التجارة بين الدول الأعضاء بسبب تآلف المعايير وانسجامها والحد من القيود الاستيرادية. من هنا، فإن العضوية في مجموعة إقليمية تؤدي إلى تحقيق درجة عالية من الانفتاح الاقتصادي بين الأعضاء وتحرير للتجارة اكثر مما يتحقق في ظل التحرير الأحادي. والعضوية الإقليمية تضع التزاماً على الحكومات المتعاقبة وتؤدي إلى استقطاب الاستثمارات من خلال إبقاء هيكل الأسعار الوطنية والحوافز على ما هي عليه لفترة طويلة من الزمن. ويتحقق"تحرير التجارة المتعددة الأطراف"من طريق التحرير المتقابل أو التأثير المتبادل، بين دولة معينة وشركائها التجاريين، وانفتاح أسواقهم لصادرات تلك الدولة، وبالتالي تحسن الشروط التجارية مقارنة بالبديل الأحادي. تعتبر هذه السياسات أفضل من الترتيبات الإقليمية إذا دعمت بقواعد قوية. ويمكن النظر إلى"الإقليمية"على أنها بديل"للتعددية"وكمسار للوصول إليها. فالإقليمية لا تعتبر عقبة في وجه تطور ونمو تحرير التجارة المتعدد الأطراف. والفوائد المتحققة في ظل الانفتاح التجاري على كل البلدان والأقاليم هي أكثر مما يتحقق عن الإقليمية، كما أن القوة التفاوضية للبلد النامي مع شركائه التجاريين تكون أكبر. في بداية التسعينات من القرن الماضي كان هناك قلق سائد من أن"الترتيبات التجارية الإقليمية"القائمة بين الدول ستبقي العالم مقسماً بين ثلاث مجموعات: أوروبا الغربية المتمركزة حول الاتحاد الأوروبي، والجزء الغربي المتمركز حول الولاياتالمتحدة وثم دول آسيا المتمركزة حول اليابان. وكان هناك خوف من ان تحارب هذه المجموعات تجارياً مع بعضها بعضاً. إلا أن التحليل الذي قام به صندوق النقد الدولي عكس تزامن التحرير الإقليمي للتجارة مع التحرير الأحادي، أو المتعدد الأطراف الذي تشرف عليه منظمة الغات أو كلاهما. لذلك فإن الترتيبات التجارية الإقليمية لم تقف حاجزاً في وجه نمو التجارة العالمية والتكامل العولمي. كما أنها لم تعكس أي انكفاء تراجعي نحو الحمائية. ومن ميزات الترتيبات التجارية الإقليمية التي يجب تأكيدها، ضرورة شمولها كل الأوجه التجارية وألاّ تعمل على زيادة القيود على أطراف أخرى خارج المجموعة الإقليمية. من هنا نجد ان البلدان النامية ومنها البلدان العربية يجب أن تتجه أولاً نحو تبني سياسة التحرير الأحادي للتجارة ومتابعة الفوائد المتبادلة والمتقابلة المتحققة ومراقبتها تحت ظل التعددية والإقليمية. كما أن عليها الاستفادة من القواعد الجديدة التي جاء بها نظام التجارة العالمي، وأن تختار التعددية على الإقليمية وأن تنظر إلى الإقليمية على أنها وسيلة مساعدة لتحقيق النظام التجاري المتعدد الأطراف. مستشار اقتصادي.