ترامب يدعو أوكرانيا إلى إجراء انتخابات    رئيس لجنة النقل بغرفة الأحساء: القطار الكهربائي بين المملكة وقطر خطوة استراتيجية تنموية كبيرة    اختتام أعمال منتدى اليوم الدولي لمكافحة الفساد 2025    مباحثات رسمية ومذكرة تفاهم بين رئيسي مجلسي الشورى السعودي والقطري في الدوحة    هاتفياً... ولي العهد ورئيس إندونيسيا يستعرضان العلاقات الثنائية وسبل دعم مجالات التعاون    نائب وزير الخارجية يلتقي نائب وزير خارجية إيران    أمير الشمالية يدشّن الملتقى الرياضي السعودي 2025    القبض على مواطنين بتبوك لترويج الحشيش وأقراص خاضعة للتداول الطبي    تكريم موضي بنت خالد ونوف بنت عبدالرحمن في جلسة استعرضت دور المرأة في العمل التطوعي    أمير جازان يكرّم الطالبة لانا أبوطالب لتحقيقها الميدالية الذهبية في معرض سيئول للاختراعات 2025    أمطار الرحمة تعانق المسجد النبوي    أمير الرياض يفتتح أعمال مؤتمر التمويل التنموي 2025    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    الجامعة العربية تدين اقتحام القوات الإسرائيلية مقر "الأونروا" بالقدس الشرقية    موقف محمد صلاح بعد استبعاده من مواجهة انتر ميلان    أمانة جدة تباشر جهودها الميدانية للتعامل مع الحالة المطرية    رصد أكثر من 10 آلاف طائر مائي في محمية جزر فرسان    شمال جدة يسجل أعلى هطول أمطار في السعودية خلال 5 ساعات    انطلاق ملتقى هيئات التطوير تحت شعار «نخطط مدن لمستقبل مزدهر»    وزارة الثقافة توقع مذكرة تفاهم مع مركز الملك فيصل لتعزيز التعاون العلمي والثقافي    ميدان فروسية الدمام يعلن نتائج الحفل الثاني لموسم 1447ه    تعليم الطائف يُطلق حملة 10KSA الدولية    صحفيو مكة يستضيفون عبدالعزيز خوجة في لقاء عن الصحافة السعودية    توسع شركة الفنار للمشاريع عالميا بافتتاح مكاتب جديدة في الصين والمملكة المتحدة    حي حراء الثقافي يعزّز التجربة السياحية    تراجع أسعار النفط    الرعاية المنزلية: خدمة إنسانية تقلل عبء المستشفيات    تركها زوجها وحيدة .. أسترالية تموت «متجمدة»    موجز    إطلاق 37 كائناً فطرياً في «محمية الحجر»    متحدث الجوازات: تفعيل الجواز شرط للسفر بالهوية الوطنية بعد التجديد.. ولا يشمل الإصدار لأول مرة    تمطيط    «الشمالية».. محطة الطيور المهاجرة    4.8 % نمو الناتج المحلي    حماس منفتحة على مناقشة تجميد السلاح.. إسرائيل تضع حدوداً جديدة لغزة ب«خط أصفر»    منتخب عمان يتغلب على جزر القمر ويودع كأس العرب    القوات الخاصة للأمن البيئي تشارك في معرض (واحة الأمن) بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل ال (10) بالصياهد    الرسالة الأهم.. أنت تختلف عنهم    ماجدة زكي تبدأ تصوير رأس الأفعى    «مندوب الليل» يجسد أحلام الطبقة الشعبية    برعاية وزير الرياضة| انطلاق بطولة مهد الدولية للقارات في نسختها الثانية    في الجولة السادسة من دوري أبطال أوروبا.. إنتر لاستغلال ظروف ليفربول.. وبرشلونة يواجه فرانكفورت    إطلاق «هداية ثون» لتطوير الخدمات الرقمية بالحرمين    هل ينشر الإنترنت الجهل؟    الميكروبات المقاومة للعلاج (3)    إحالة منشأة إلى النيابة لبيعها أجهزة طبية مخالفة    "التخصصي" يتوّج بثلاث جوائز    إحالة منشأة إلى النيابة لتداول أجهزة طبية مخالفة    الاجتماع الأول للجنة الصحة المدرسية لمناقشة مهامها ضمن إطار انضمام محافظة بيش لبرنامج المدن الصحية    أين وصلت محادثات السلام؟    السودان يقف بين تفاقم الأزمة الإنسانية ونقص التمويل    الرياض أول مدينة سعودية تنضم رسميًا إلى شبكة المدن العالمية    خيرية مرض ألزهايمر تحصد شهادة الأثر الاجتماعي    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الذوق العام    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    لا تلوموني في هواها    هيئة «الشورى» تحيل تقارير ثلاث جامعات للمجلس    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في معاني اختيار الكردي جلال الطالباني رئيساً لجمهورية العراق العربي
نشر في الحياة يوم 10 - 04 - 2005

جاء في الأنباء أن الديكتاتور العراقي السابق، صدام حسين، وعددا من أعوانه،"أُجبروا"على مشاهدة شريط فيديو يعرض وقائع اختيار جلال الطالباني رئيسا للدولة العراقية من قبل أعضاء المجلس الوطني الجديد المنتخب في أواخر كانون الثاني يناير الماضي.
ما دلالة ذلك"الإجبار"وما مراميه؟ ثأرية أم بيداغوجية؟ إن كانت ثأرية، فالثأر ذاك صغير، إذ ليس أهين من الثأر من صدام حسين في وضعه الحالي، سجينا ذليلا لدى أعدائه المحليين والخارجيين. أما إن كانت بيداغوجية، فإن إعادة تربية صدام حسين مضيعة للوقت، فات أوانها. فالرجل شب واكتهل على"قيم"بعينها، ولا يُعتقد أنه قابل للتغيير كما أن حياته السياسية باتت وراءه.
وهكذا، إن كان لانتخاب الزعيم الكردي جلال الطالباني رئيسا للعراق من فضيلة بيداغوجية فهي لا تعني ديكتاتورا"ميتاً"مثل صدام حسين ولا حتى سواه من المستبدين"الأحياء"على امتداد المنطقة العربية ربما، فهؤلاء بينهم وبين مستجدّ من تلك الطبيعة ستار"ثقافي"مطبق سميك. وهم إن أفلحوا في مقاربته فمن باب الفَرَقِ والرعب من أن يمثل الأمر سابقة تستقوي بها أقلياتهم المقموعة، عرقية كانت أم دينية.
لذلك، فإن كان للواقعة تلك من مفعول بيداغوجي، فلديموقراطيي المنطقة إن وُجدوا ولشعوبها، وفي هذا الصدد، يمثل انتخاب كردي رئيسا في بلد أساسي وإن همّشته وعطلته مغامرات ديكتاتوره السابق ثم الاحتلال الأجنبي مثل العراق، تحولا من طبيعة استثنائية، بل من طبيعة"ثورية". للمرء تحفظاته المعلومة عن احتلال العراق وعن عدم قانونية الحرب التي أفضت إليه، وعن الإخفاق في إحلال الأمن والاستقرار حتى اللحظة، وعن مجمل السياسات الأميركية في ذلك البلد. لكن يبقى أن اختيار الزعيم الكردي رئيسا لبلاد الرافدين، من قبل هيئة منتخبة انتخابا حراً، بالرغم مما شاب ذلك الاقتراع من استدراكات لعل أبرزها منحاه الطائفي الواضح والتقصير في إشراك السنّة والذي يقابله ويعززه تقصير من طرف هؤلاء، يشكل كسرا لمحرم، وخطوة أكيدة في اتجاه تحرري، قد تتجاوز العراق وقد تتخطاه.
صحيح أن الأمر هذا ليس جديدا غير مسبوق في منطقة المشرق. رئيس لبنان ماروني منذ أن استوى ذلك البلد كيانا مستقلا، في حين وصل إلى سدة السلطة العليا رؤساء من أقليات أخرى في بلدان مشرقية أخرى. لكن الحالات تلك، على تواترها، تبقى في نطاق الإستثناء. فلبنان حالة خاصة، نتاج تسوية دولية بقدر ما هي محلية، ناهيك عن أن سيادته ظلت دوما، أقله عمليّا، محل طعن أو غير ناجزة الكمال. أما في البلدان الأخرى، فجاء أبناء الأقليات إلى السلطة بانقلاب عسكري، وإن تسمّى باسم"الثورة"، أي أنه تأسس على فعل غير شرعي في أصله، واجترح أمرا واقعا، إن تم القبول به فبصفته تلك.
أما انتخاب الطالباني فهو، وهنا المفارقة، على فرادته قد يشكل المرجع الديموقراطي. إذ هو ليس ناجما لا عن مساومة دولية ولا عن أمر واقع، أو هكذا يبدو للوهلة الأولى وإلى أن يأتي ما يخالف ذلك، بل هو قد يكون نتاج وفاق داخلي، وإن لم يكن التوصل إليه بالأمر الهين، بل سبقته نزاعات ومماحكات لم تترفع عن الصغائر دوماً. إلا أنه بهذا المعنى قد يوسع معنى الوطنية والمواطنة، وقد يؤسس مساواة أصلية وحقيقية، ما فوق قانونية إن جازت العبارة، إذ تكف عن اعتبار مسألة السيادة، والنهوض بها أداءً وتمثيلا، حكرا على فئة من الشعب دون أخرى.
لقائل أن يقول، معتقدا الحطّ من شأن ما حدث، إن منصب الرئاسة في العراق الحالي، وحتى بقطع النظر عن وجود الاحتلال من عدمه، شأن"فخري"رمزي في بالدرجة الأولى. لكن ذلك هو تحديدا مكمن أهمية انتخاب الطالباني، إذ أن السيادة عادة ما تكون، في الديموقراطيات، شأنا رمزيا في المقام الأول، والرموز بالغة الفعل في حياة الناس، خصوصا في ما يتعلق بالسلطة وبالحكم، بل أن من سمات الديموقراطيات، بما قد يفوق تقسيم السلطات وفصلها كما درجت على القول الأدبيات المدرسية المبتذلة في هذا المضمار، أنها تفصل بين السلطة الرمزية والسلطة الفعلية أو التنفيذية، فتجعل ممثل الأولى أو المؤتمن عليها ملكا دستوريا كان أم رئيسا في نظام برلماني غير القائم بأعباء الحكم اليومي أي رئيس الحكومة. وتلك قاعدة لا يشذ عنها بين الأنظمة الديموقراطية، غير الاستثناء الفرنسي، الديغولي المنبع، حيث ينافس رئيس الجمهورية رئيسَ الحكومة، أو"الوزير الأول"حسب مصطلحهم، في صلاحياته التنفيذية. لذلك، فإن رمزية موقع رئيس الدولة، كممثل للسيادة أو كمؤتمن عليها، إنما تزيده نبلا وأهمية وفعلا... طبعا إن كان المنشود إرساء الديموقراطية.
ثم أن الحقل الرمزي هو الذي غالبا ما يكون الأكثر استعصاءً ونبذا وإقصاءا وانغلاقا، وهو الذي تستأثر به وتحتكره في العادة الأكثريات، سواء كانت تلك الأكثريات عددية أو ثقافية أو تستند إلى"أغلبية"إيديولوجية، أي مُتوهمة، لكنها تمكنت من فرضها. نرى ذلك حتى في بعض أرسخ الديموقراطيات وأصلبها، حيث يمكن أن يتولى رئاسة الحكومة، مع ما في المنصب ذاك من سلطة واتساع نفوذ، سياسي منتمٍ إلى أقلية، يهودي أو بروتستانتي في بلد ذي أغلبية كاثوليكية مثلا، لكن لا يمكن أن يصعد إلى سدة رئاسة الدولة، على"فخرية"ذلك المنصب واقتصاره في معظم الحالات وفي عاديّ الأيام على وظائف من طبيعة بروتوكولية، إلا من كان صادرا عن الأغلبية السكانية الأساسية، ثقافيا أو عرقيا. ذلك أنه يمكن التساهل مع السلطة، مهما بلغت نفوذا وسطوة عملييْن، ولكن ليس مع السيادة وأبعادها الرمزية. والمفارقة أن بعض أبرز الاستثناءات وأكثرها دلالة في هذا الصدد، لم تصدر عن الغرب وديموقراطياته التي تعتبر"مرجعية"، بل عن ديموقراطية من"العالم الثالث"، هي تلك الهندية، التي لم تتردد في إيلاء منصب رئاسة الدولة إلى مسلمٍ أو إلى شخصية من فئة"المنبوذين".
كل ذلك للتدليل على أهمية المستجد الذي عاشه العراق بانتخاب زعيم كردي رئيسا للدولة، وإن ضمن تلك الحدود المعلومة. لكن الأهمية تلك تبقى نظرية، لن تكتسب كامل زخمها ووظيفتها التغييرية الحقيقية، إلا بشرط إستعادة العراق لاستقلاله كاملا ناجزا. فالقطيعة الفعلية لن تُدرك إلا إن كان رأس الدولة العراقية، من أي فئة إثنية أو دينية كان، ممثلا لسيادة فعلية ومنعتقة، ونتاج وفاق وطني طوعي وتلقائي، وذلك على نحو لا غبار عليه وغير قابل للطعن.
كاتب تونسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.