خطوته قبل عشر سنوات هزت قوانين كرة القدم الاوروبية، فأتخمت جيوب زملائه مثلما اغرقت الاندية في أزمات مالية قادت بعضها الى الافلاس... الا ان البلجيكي جون بوسمان عانى هو الآخر جراء خطوته الجريئة. اصبح مصطلح "قانون بوسمان" متعارفاً عليه بين الاندية الاوروبية، فكل لاعب انتهى عقده يحق له الانتقال الحر الى اي ناد يرغب من دون مقابل مادي، ما سمح له بالتفاوض على رواتب مضاعفة وخيالية لانه النادي الذي سيضمه لن يتكلف بدفع اي مقابل لانتقاله... وانجرت ازمة الرواتب حتى قادت الى غيرة زملاء اللاعب "البوسماني"، وباتوا يطالبون برواتب مماثلة، فوقعت ادارات الاندية في ورطة، ومن استسلم لهذه الضغوط وجد نفسه مفلساً في غضون شهور قليلة، والامثلة كثيرة، ابرزها لاتسيو وفيورنتينا ونابولي الايطالية وليدز الانكليزي، في حين عانت اندية كثيرة من هجرة نجومها وعمدانها، وابرز مثال كان اياكس الهولندي، الذي عانى بشدة بعد فوزه بكأس دوري ابطال اوروبا في العام 1995، فهجره اولاً مايكل رايتزيغر وتبعه كلارنس سيدورف وادغار دافيدز والاخوان دي بور وباتريك كلايفرت وآخرون من دون ان يحصل اياكس على اي مقابل لخسارة هذه الكوكبة من النجوم. عندما اقدم بوسمان على هذه الخطوة، كانت هناك قوانين خاصة بكل اتحاد كرة، تحدد وضع اللاعب المنتهي عقده بصورة عادلة، ففي ايطاليا واسبانيا وغالبية الاتحادات الاوروبية كانت هناك معادلة تحسب عمر اللاعب المنتهي عقده وعدد السنوات التي قضاها مع النادي وعدد المباريات التي لعبها لتقرر المبلغ الذي يجب ان يدفعه النادي الجديد للنادي القديم كتعويض، وبمثل هذه المعادلة كان في انكلترا محاكم متخصصة للفصل في هذه الامور، لكن مشكلة بوسمان لم يكن لها حل، فعندما انتهى عقده مع ستاندار لييج البلجيكي فان الاخير عرض عليه عقداً جديداً لكنه بنصف قيمة العقد السابق، فرفضه وقبل عرضاً من نادي دنكيرك الفرنسي، فطلب لييج تعويضاً لانتقال بوسمان على رغم انتهاء عقده، وحدده بمبلغ فاق طاقة دنكيرك الذي صرف اهتمامه بعدها، ما ترك بوسمان معلقاً، ولم يأت اي ناد آخر لضمه، فقرر بوسمان أخذ لييج والاتحاد البلجيكي والاتحاد الاوروبي الى أعلى سلطات القضاء المختصة بشؤون العمل، وكسب كل شكوى ودعوى رفعها، حتى خرج في العام 1995 بانتصار كبير غير وجه اللعبة. عندما خرج بوسمان من أعلى المحاكم الاوروبية منتصراً صرح قائلاً: "انا اليوم فخور بنفسي لانني فعلت امراً لم يتجرأ على فعله أي لاعب آخر... واتمنى في السنوات المقبلة ان يستدرك اللاعبون القيمة الحقيقية لما فعلته لهم اليوم". وفي الحقيقة فان بوسمان تلقى احاديث مؤيدة كثيرة وتصريحات مساندة من زملائه اللاعبين، لكن افعالاً قليلة لم تعد عليه باي نفع. فكثر الحديث اولاً عن اجراء مباريات خيرية تقام في برشلونة وباريس وعدد من المدن يعود ريعها لمصلحته، لكن في النهاية فان المباراة الخيرية الوحيدة التي اقيمت لمصلحته كانت في ليل الفرنسية، ولم تكسبه كثيراً لان اقل من الفي متفرج حضروا المباراة، خصوصاً ان المع الاسماء والنجوم رفضوا المشاركة في هذه المباراة، معللاً احدهم السبب بانه خشية من الاصطدام مع الاتحاد الاوروبي للعبة الذي خسر معركته امام بوسمان. اليوم يبلغ بوسمان 40 عاماً، ولم يعمل او يتقاضى اجراً منذ صدور قانونه قبل عشر سنوات، ويقول: "تركت المدرسة وانا في السابعة عشرة من العمر ولا املك اي مؤهلات تساعدني على الحصول على وظيفة خارج كرة القدم، كل ما تعلمته وأعرفه هو كرة القدم وانا انفصلت عن اللعبة، واكثر ما ضايقني هو قلة التضامن من زملائي اللاعبين وقد اقول انعدامه، وعادة نجوم الكرة يحبون الشهرة وانا اهملت هذا الجانب الدعائي. وعتبي على زملائي اللاعبين هو انهم يعلمون ان رواتبهم زادت بنحو 30 او 40 في المئة بسبب القانون الذي صارعت من اجل كسبه، فيتوجب عليهم ابداء المساعدة على الاقل وهم لم يفعلوا ذلك. لم احصل عن تبرعات عدا عن تبرعات لاعبي المنتخب الهولندي الذين جمعوا 60 الف يورو، وهذا المبلغ هو مجموع مكافآتهم في مباراة واحدة، وفي بلجيكا شن لاعبان حملة جمع تبرعات في كل ملاعب البلاد ولم ينجحوا سوى بجمع 20 الف يورو، وبالنظر الى هذا المبلغ فانه يزيد قليلاً على راتب يومي لنجم في الدوري الانكليزي او الاسباني". لكن مشكلة بوسمان ستكون كبيرة عندما يصل اليه رجال مصلحة الضرائب الذين يلاحقونه، ويقول: "سألجأ الى القضاء والى المحاكم اذا قرروا محاسبتي، لكن اذا نجحوا في فرض ضريبة على اموالي فستكون كارثة قد لا اتحملها، لكن في امكاني الذهاب الى العمل والبحث عن وظيفة، لكن ماذا في استطاعتي فعله؟ اضافة الى ان هناك علامة سوداء على اسمي، وليس فقط في كرة القدم وانما في مناح عدة، فكثيرون غير متشجعين لتوظيفي في مؤسساتهم وشركاتهم لانهم يعتقدون انني صعب المراس وابحث عن المشاكل وانني قد ادخلهم في متاهات قانونية".