في حين يعاني 72 نادياً انكليزياً من خارج الدرجة الممتازة من انهيار شركة "اي تي في ديجتال" الراعية لها ما هدد غالبيتها بالافلاس، فان الاندية العشرين الاخرى تعاني من تضخم رواتب لاعبيها وعدم قدرتها على السيطرة على انعكاساته السلبية. في عام 1996 انتقل نجم هجوم انكلترا السابق آلان شيرر من بلاكبيرن الى نيوكاسل في مقابل مبلغ قياسي محلي حينذاك بلغ 15 مليون جنيه، و"أشيع" انه سيتقاضى راتباً اسبوعياً مقداره 25 ألف جنيه، ما أشاع صدمة اللاتصديق بين عامة الشعب لهذا المبلغ الضخم الذي يفوق ما يتقاضاه الموظف العادي في السنة. وبعد مرور ست سنوات وفيما معدلات الاجور في كل البلاد ظلت على حالها ما زال صانع الالعاب ديفيد بيكهام يماطل في قبول عرض ناديه مانشستر يونايتد بتمديد عقده في مقابل 90 ألف جنيه اسبوعياً ويصر على 120 ألفاً. هكذا في سنوات قليلة أصبحت الامور خارج سيطرة الاندية واداراتها، لكن مشكلة تضخم الرواتب بدأت في ايطاليا واثرت على جاراتها خصوصاً في اسبانيا وحالياً في انكلترا، فالرواتب التي تزيد على 50 الف جنيه اسبوعياً عرفت في مطلع التسعينات في اندية مثل اي سي ميلان ويوفنتوس ولاتسيو، وما زاد في الطين بلة ان هذه الاندية غيرت المفاهيم المذهبية لادارة الفرق، فضم ميلان في بداية العقد الماضي نجوماً دوليين يشكلون فريقين لاحتكار البطولات المحلية والاوروبية، وحتى يبقي النادي على رضا اللاعبين فان رواتبهم كانت متقاربة وبالتالي مجموعها اصبح خيالياً. وهذه الافكار التي تبنتها الاندية الانكليزية في السنوات الاخيرة وسمتها "روتايشن سيستم" اي المداورة في اللعب بين اللاعبين ناقضت ما اتبعته في العقود الماضية خصوصاً ليفربول الذي ضرب افضل مثال عندما احرز بطولة الدوري عام 1979 باستخدامه 13 لاعباً طيلة الموسم في حين اشرك هذا الموسم حتى الان ما لا يقل عن 28 لاعباً. ووصل الحد ان ضمت فرق مثل ريال مدريد وبرشلونة وميلان نحو 26 لاعباً دولياً. ومن ايطاليا ايضاً بدأ تضخم مبالغ بدل الانتقالات، فكان ميلان سباقاً في تحطيم هذا الارقام بضم رود غوليت نحو 9 ملايين دولار عام 1987 وجان لويجي لنتيني نحو 16 مليون دولار عام 1993 ومشى على خطاه غالبية الاندية الايطالية مثل جاره انتر رونالدو وفييري ويوفنتوس باجيو ونيدفد وبفون، حتى حطم ريال مدريد كل الارقام القياسية في موسمين متتاليين بضمه فيغو نحو 47 مليون دولار وزيدان نحو 65 مليون دولار، وفيما حاولت الاندية الانكليزية الابتعاد عن هذا التهور، لم تستطع البقاء فترة طويلة بعيداً من فرصة المنافسة لضم كبار النجوم، فحطم مانشستر يونايتد، اثرى ناد في العالم المبلغ القياسي الانكليزي بضمه الارجنتيني فيرون في مقابل نحو 40 مليون دولار وكان قبلها بايام دفع نحو 25 مليون دولار لضم الهولندي نيستلروي، غير ان هذه المبالغ تبقى رمزية مقارنة مع ما يدفعه نظراؤه في اسبانياوايطاليا. غير ان المشكلة بدأت تنجلي في كشوف حساباته عندما اعلن عن ارتفاع مقداره 40 في المئة في رواتب اللاعبين واصبحت الفاتورة الاسبوعية لدفع الرواتب تساوي 3.1 مليون جنيه نحو 850.1 مليون دولار. فالاندية الكبيرة تحصل على مبالغ كبيرة من الشركات الراعية والقنوات التلفزيونية الا ان غالبيتها تذهب الى جيوب اللاعبين او بدل انتقالات. ومن الاسباب المهمة لتضخم الاجور هو قانون بوسمان الذي يسمح بانتقال اللاعبين من دون مقابل بعد انتهاء عقودهم، فلان اللاعب لا يكلف اي مبلغ لانتقاله فان النادي الجديد يغريه براتب خيالي خصوصاً اذا كان هناك اكثر من مهتم لضمه، فمثلاً عندما قرر مدافع توتنهام السابق سول كامبل ترك فريقه قرب انتهاء عقده، عرض انتر ميلان عليه 200 الف جنيه 280 الف دولار راتباً اسبوعياً، ولكن لان رغبته كانت البقاء في لندن في ظل اهتمام آرسنال به فان الاخير لا يستطيع تعدي السقف المحدد للاجور والذي لا يزيد على 60 الف جنيه اسبوعياً، ولان كامبل سينتقل من دون مقابل وسيوفر نحو 15 مليون جنيه بدل انتقال فان ادارة آرسنال وجدت حلاً لا يثير غيرة نجوم الفريق ويرضي كامبل، فدفعت له مليون جنيه سنوياً "مكافأة توقيع العقد" ولطيلة خمس سنوات هي مدة العقد، وراتباً اسبوعياً ب60 الفاً. وهكذا أسهم اللاعب البلجيكي جون بوسمان في اتخام جيوب زملائه والوصول الى المأزق الحالي الذي تعانيه الاندية الصغيرة لانها ترفع اجورها للتماشي مع "موضة" الاندية الكبرى. الحلول لا عجب في ان الاندية الايطالية هي الاكثر معاناة وافلاساً في الوقت الحالي، فبارما وفيورنتينا وسمبدوريا تخلت عن نجومها اصحاب الرواتب العالية للحد من خساراتها، فيما اعلن ميلان ولاتسيو وروما عن تقليص افراد فرقهم باعداد كبيرة في نهاية الموسم، خصوصاً بعد الفشل الذريع في المسابقات الاوروبية في المواسم الاخيرة والذي اقتطع نسبة لا بأس بها من مداخيل هذه الاندية. والجدير ذكره ان اي سي ميلان محتكر البطولات الاوروبية في اواخر اثمانينات ومطلع تسعينات القرن الفائت، لعب الخميس الماضي في الدور نصف النهائي لاحدى المسابقتين للمرة الاولى منذ سبع سنوات، ففقدان مداخيل دوري كأس ابطال اوروبا تحديداً لا يحتمل. وفي اسبانيا اضطر ريال مدريد الى بيع مركز تدريبه الرئيس ليسد ديونه. اما في انكلترا فاعلن ليدز عن رحيل بعض نجومه في نهاية الموسم داكور وفيدوكا وكيول وكين وبوير، والحصول على 50 مليون جنيه لسد الفشل في التأهل الى دوري الابطال ولتقليص رواتب اللاعبين العالية، فيما اعلن آرسنال ان على المدرب آرسين فينغر بيع لاعبين قبل ان يضم جددًا، وهو يبحث عن مخرج من دفع 60 الف جنيه اسبوعياً ل14 نجماً، ويرى النور في نهاية النفق بالسماح له بناء استاداً يتسع ل60 الف متفرج يسهم في تخفيف اعباء الرواتب العالية مقارنة بسعة "هايبري" الحالية التي لا تتجاوز 38 الف متفرج. فيما يقبع تشلسي في "وحل" من الديون، فبنوك عدة تطالبه ب75 مليون جنيه عليه تسديدها قبل نهاية عام 2007، ولكنه يراهن على دوام المشاركة في دوري الابطال في ظل وجود نجوم عالميين في صفوفه، وعلى ازدهار مشاريع "تشلسي فيليج" التي تضم مطاعم وملاهي وفنادق والتي سجلت خسائر فادحة في العامين الماضيين. والحلول الفورية بدأتها الاندية الانكليزية الصغيرة بالغاء عقود اللاعبين الحالية واصدار اخرى جديدة بنصف قيمة سابقتها، وتخيير اللاعبين اما بقبولها او الرحيل، ما يهدد مستقبل آلاف اللاعبين، الى جانب حقيقة ان نحو 900 لاعب تنتهي عقودهم في نهاية الموسم لن يجدوا عملاً جديداً. ومن هنا تدرس الاندية جدية التحول الى الدوام الجزئي على غرار اندية الهواة التي تدفع للاعب بحسب عدد المباريات التي يلعبها، فيما تدرس اخرى فكرة الاندماج مع اخرى. الآن وصلت كرة القدم الى طريق مسدود يتطلب العودة الى الماضي، ومع ادراك الخسائر ربما متأخراً عن الموعد فان تصحيح المسار سيجرف عدداً من الاندية وقد يغير عالم اللعبة الذي نعرفه الان الى ما عرفناه سابقاً.