لحق عملية اغتيال رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري تصعيد غير مسبوق في اللهجة الأميركية ضد سورية وانتقادات مباشرة من الرئيس جورج بوش للدور السوري في لبنان، اعتبره متخصصون في العلاقات السورية - الأميركية وقريبون من البيت الأبيض مقدمة لعقوبات أوروبية - أميركية مالية وديبلوماسية على دمشق بهدف"عزلها دوليا"، ورأى بعضهم احتمال فتح نافذة لضربة عسكرية"غير مباشرة"تقوم بها تل أبيب بعد تلقيها"الضوء الأخضر"من واشنطن. ويؤكد عميل الاستخبارات السابق مستشار لجنة الاستخبارات في الكونغرس دانيال بايمان ل"الحياة"أن هناك انقسامات في ادارة الرئيس جورج بوش الثانية لجهة تعاملها مع الملف السوري. ويوضح أنه فيما تفضل وكالة الاستخبارات المركزية سي.أي.أي"المحافظة على الشراكة الاستخباراتية السورية في الحرب على الارهاب"والتي ساعدت في اعتقال رموز من تنظيم"القاعدة"وكشف وتعطيل خطط لضرب السفارة الأميركية في كندا، والبحرية الأميركية في البحرين، يدفع تيار المحافظين الجدد وصقور الادارة في الاتجاه المعاكس. ويحظى تيار المحافظين الجدد بحضور قوي في كل من مكتب الأمن القومي ووزارة الدفاع البنتاغون، المحبذين لسياسة أكثر بطشا والمزيد من الضغط على دمشق لوقف تدخلها في الساحة العراقية و"ايواء مجموعات ارهابية"مثل"حركة المقاومة الاسلامية"حماس و"حركة الجهاد الاسلامي"ودعمها المباشر ل"حزب الله". وعلى رغم ذلك، استبعد توجيه ضربة عسكرية من واشنطنلدمشق أو"حزب الله"اليوم مؤكدا أن"خطوة كهذه ستولد غضبا كبيرا لدى ملايين المسلمين الذين يعتبرون أداء الحزب بطوليا، ناهيك عن ردود الفعل على الساحة العراقية والتي الولاياتالمتحدة بغنى عنها اليوم". ويضيف بايمان أن تيار"المحافظين الجدد"المقرب من بوش"أبدى تحفظاته عن أداء وزارة الخارجية الأميركية مع دمشق في الادارة الأولى، وتحديدا الوعود التي قطعها النائب السابق لوزير الخارجية ريتشارد أرميتاج لدمشق في الثاني كانون الثاني يناير الماصي. اذ سربت تقارير أخبارية أن أرميتاج وعد الرئيس السوري الأسد بانخراط أكبر من البيت الأبيض مع الحكومة السورية اذا قدم السوريون مساعدة في ملاحقة مطلوبين من النظام العراقي السابق بينهم رئيس الاستخبارات السابق طاهر حبش وأحد المقربين من عائلة الرئيس السابق صدام حسين، كما طلب التعاون لانجاح الانتخابات العراقية. ونجحت وزيرة الخارجية الجديدة كوندوليزا رايس في المحافظة على اللون المعتدل والبراغماتي للخارجية بعد اطاحة المتشدد جون بولتون وتعيين روبرت زوليك نائبا لها وروبرت جوزيف من الخط الديبلوماسي". وتؤكد نائبة قسم الخارجية والدفاع في معهد"أميركان انتربرايز"والبارزة في تيار"المحافظين الجدد"دانيال بليتكا ل"الحياة"أنه"في حال ثبوت ضلوع دمشق في مقتل رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، فمن الواجب على الأمم الحرة التدخل لاسقاط النظام السوري". وفيما تستبعد بليتكا، وهي مرشحة سابقة لمنصب في الخارجية، مواجهة عسكرية اليوم تقودها الولاياتالمتحدة ضد دمشق، تشير الى"أن هناك سلسلة خيارات تتقدم على الخيار العسكري اليوم منها عقوبات اقتصادية ومصرفية وديبلوماسية على دمشق". عقوبات مرتقبة وعن العقوبات، أكدت بليتكا أن أوروبا تدعم الموقف الأميركي من سورية اليوم، وتوقعت تبنياً أوروبياً لطروحات واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على دمشق، في حال عدم التزام الأخيرة قرار مجلس الأمن الرقم 1559 والانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية. وأكدت أن"المأزق اللبناني نجح في توحيد الصف الفرنسي والأميركي"ومن الصعب اضعافه اليوم. ومن بين الخيارات المطروحة العقوبات المنصوص عليها ضمن قانون"محاسبة سورية وتحرير لبنان"الذي وقعه الرئيس بوش في كانون الأول ديسمبر 2003. وتتضمن البنود تجميد الممتلكات تحت الوصاية الأميركية التابعة للحكومة السورية أو مقربين منها، اضافة الى عقوبتين ساريتين اليوم وهما حظر الصادرات عدا الدواء والغذاء وأغراض المعلوماتية ووقف حركة الطيران المتبادلة بين البلدين والتي أنزلها بوش في أيار مايو الفائت. كما جاء قرار سحب السفيرة مارغريت سكوبي بعد يومين من اغتيال الحريري ضمن اطار قانون المحاسبة الداعي الى تقليص التمثيل الديبلوماسي. كما طرح بعض نواب الكونغرس أول العام القانون الرقم 32 ل"تحرير سورية"والذي تبحثه لجنة العلاقات الدولية في الكابيتول. ويدعو القرار الى تجميد أموال المسؤولين السوريين داخل الولاياتالمتحدة، وقطع العلاقات مع المصرف الوطني السوري"في حال عدم وقف دعم سورية لشبكات ارهابية"، كما يستعجل انزال العقوبات الواردة في قانون المحاسبة. واكدت بليتكا أن الولاياتالمتحدة لن تتحرك في شكل فردي لانزال العقوبات"بل بعد دعم أوروبي لمضاعفة الضغط على دمشق". وتحدثت عن"عقوبات ديبلوماسية"يتم بحثها في حال"لم تسحب سورية قواتها واستخباراتها من الساحة اللبنانية"، والتي تتضمن منع تحرك وتنقل الديبلوماسيين السوريين داخل الولاياتالمتحدة وبالتالي عزلهم عن اجتماعات الأممالمتحدة في مقرها في نيويورك. واعتبرت بليتكا"ان لا صدقية لدى الحكومة السورية في معاودة المفاوضات والتوصل الى اتفاق سلام"، أكدت أوساط مطلعة شاركت في المفاوضات الاسرائيلية - السورية عام 2000 أن"معاودة المفاوضات بين دمشق وتل أبيب هو المخرج الأقل ضررا اليوم من المأزق الحالي". واعتبرت الأوساط أن"نجاح المفاوضات يغني سورية عن الورقة اللبنانية خصوصا من الناحية الأمنية والاقتصادية، كون معاهدة السلام تنعش الاقتصاد السوري وتزيل التهديدات الأمنية الاسرائيلية". وفيما استبعدت الأوساط ضربة أميركية مباشرة على دمشق أو ضد"حزب الله"في بيروت، أشار الى أن"الادارة الأميركية قد تلجأ الى رئيس الحكومة الاسرائيلية أرييل شارون لتنفيذ هكذا مهمة والذي لن يمانع أبداً". وأضافت"ان شارون والمجتمع الاسرائيلي غير مستعدين اليوم لاستئناف المفاوضات مع دمشق بسبب انشغالهم بالمسار الفلسطيني وعدم استعداد الاسرائيليين لاخلاء المزيد من المستوطنات". واعتبرت أيضا أن الهدف اليوم هو"زيادة الضغط على دمشق وزيادة عزلتها الدولية". وأبدت شكوكا حول"الالتحام الأوروبي الأميركي"وأشارت الى الصداقة الموجودة بين موسكوودمشق ستصعب مهمة الولاياتالمتحدة بنيل موافقة الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات اقتصادية وديبلوماسية مشتركة.