الأمين العام ل"ناتو" ل "الحياة" :نسعى الى بناء الثقة مع دول الخليج ولا نستبعد دورا في الشرق الأوسط

أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ياب دي هوب شيفر اهتمام الحلفاء بسير التطورات في منطقة الشرق الأوسط. واعتبر في حديث الى "الحياة" ان "عنصر الثقة يمثل مفتاح تحرك الحلف تجاه المنطقة". ومثلت التغيرات التي هزت المنطقة حافزا بالنسبة الى القمة الأطلسية منتصف العام في اسطنبول حين أطلقت البلدان الأعضاء ال26 مبادرة التعاون مع بلدان الشرق الأوسط في شكل واسع. وتكمل المبادرة مهمات استقرار افغانستان وتدريب القوات العراقية والحوار المتوسطي. ويبدو الحلف بمثابة الذراع السياسية العسكرية لتنفيذ مبادرة الشرق الأوسط الكبير. ويعقد الحلف الأطلسي ودول الخليج العربية أول اجتماع بينهما اليوم في معهد الدفاع التابع للحلف في روما, ويشارك فيه الأمين العام وسفراء بلدان الحلف في بروكسيل وممثلون عن دول الخليج الست بينهم ولي عهد البحرين سلمان بن حمد. وفي ما يأتي نص الحوار:
ما هي مصالح الحلف في منطقة الخليج؟
- التطورات السياسية الجارية في منطقة الخليج والشرق الأوسط في شكل اوسع تكتسب أهمية بالغة لأن تأثير الاستقرار في منطقة الخليج يتجاوز حدودها. وتتسع نظرة الحلف لتطال المنطقة بأكملها. فهو يتولى مهمات تعزيز الاستقرار في افغانستان و يساهم في تدريب ضباط القوات العراقية ويعمل على تطوير الحوار مع البلدان المتوسطية. وغني عن القول ان ما يجري في منطقة الشرق الأوسط يهم حلف شمال الأطلسي. ولهذا الغرض، أطلقت القمة الأطلسية في اسطنبول منتصف العام الماضي مبادرة التعاون مع دول المنطقة.
لكن المنطقة ليست خالية من الاتفاقات. اذ ترتبط كل من دول الخليج العربية باتفاقات امنية وعسكرية مع كل من الدول الكبرى الثلاث الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. فما هي القيمة المضافة التي يمكن للحلف تقديمها الى هذه الدول؟
- القيمة المضافة تتمثل في حزمة مقترحات يعرضها الحلف على الدول المعنية لاقت ترحيب الدول المعنية في المنطقة. وألح القول ان طريق التعاون معها ثنائية. فالحلف لا يهدف الى فرض طروحاته على دول المنطقة وانما يبحث معها عن المهمات التي يمكن التعاون في شأنها. فالحلف يتحرك بمثابة منظمة سياسية وعسكرية تضطلع بدور لاعب مهم. وهو اضطلع بدور كبير خلال الحرب الباردة, ويتولى اليوم مهمات كبيرة في افغانستان والبلقان وحوض البحر الأبيض المتوسط وتدريب القوات العراقية. وتعاون دول المنطقة مع الحلف ككل يمثل في حد ذاته جزءا من القيمة المضافة. ويعرض الحلف مقترحات متنوعة يمكن التشاور حولها والتعاون في شأنها.
التعاون على سبيل المثال في مجال تبادل المعلومات و الاستخبارات...
- فعلا. يمكننا البحث في تبادل المعلومات ومسائل الدفاع وملاءمة عتاد الدفاع واعادة هيكلة القوات المسلحة ومهمات حفظ السلام وتدريب ضباط البلدان المعنية في اكاديميات الدفاع التابعة للحلف. فالكلمة المفتاح في التعاون بين الحلف ودول المنطقة هي في نظري بناء الثقة وتبديد الانطباعات الخاطئة من كل الجوانب. واعتبارا للردود الايجابية من دول المنطقة الى حد الآن على عروض مبادرة اسطنبول للتعاون يمكننا البناء على اساسها. وانني متفائل من دون حاجة لازدواجية الأدوار التي يضطلع بها الاتحاد الأوروبي أو مجموعة الثماني او ما تقوم به البلدان الأعضاء على صعيد ثنائي. واستنادا الى الردود التي قدمها مسؤولون من دول الخليج العربية، والخطاب الذي سيلقيه ولي عهد البحرين يوم الجمعة اليوم في اجتماع الحلف ودول الخليج العربية الجمعة اليوم في روما، فانني متفائل من اننا سنتوصل الى بناء الثقة.
ماذا أنجزتم حتى الآن في مهمة تدريب القوات العراقية ؟
- نحن في مرحلة تدريب المدربين. ونستجيب في ذلك لأولوية وضعتها الحكومة العراقية. صحيح ان تشكيل الحكومة أخذ بعض الوقت وهذا أمر يحدث في بلدي هولندا وفي بلدان اخرى. المهم في نظري هو المسيرة المثيرة التي يقودها العراقيون نحو الديموقراطية في العراق والمنطقة. وانني واثق من ان الحكومة العراقية المقبلة، ايا تكون تركيبة حلفائها، ستجدد الطلب من الحلف مواصلة مهمة تدريب القوات العراقية, لأن ذلك سيجعلها مؤهلة لأن تتولى مهماتها بالكامل في البلاد. نحن نقود بتدريب الضباط العراقيين و المهمة مستمرة.
على رغم الانتخابات والمفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة فان الوضع الأمني لم يتحسن. ما هو تحليلك للوضع الأمني؟
- هناك حكومة انتقالية شرعية تستند الى القرار الدولي 1546. الجزء الأكبر من البلاد يسوده امن نسبي. وهناك عدد من العراقيين يقاتل الذين يريدون تقدم هذه المسيرة السياسية. هؤلاء يقتلون ويفجرون, لكنهم لن يقللوا من أهمية الخطوة التي قطعها العراقيون عندما توجهوا الى صناديق الاقتراع في نهاية كانون الثاني يناير الماضي. ومهما كانت حدة الانتقادات ضد الرئيس بوش فلا أحد ينكر أهمية ما جرى في العراق والمنطقة, كالانتخابات المحلية في المملكة العربية السعودية والانتخابات الرئاسية الفلسطينية وما يجري في لبنان وكذلك ما أعلنه الرئيس حسني مبارك. هناك تطورات جديدة. انا حذر عندما أنظر في اتجاه المنطقة. ولكن لا أحد يمكنه تجاهل بان أمرا ما يجري الآن وقد يكون ايجابيا وينمو.
هل تصفه بالربيع العربي مثلما يقول بعض المعلقين؟
- أحذر الأوصاف. واتفادى سوء الانطباعات. ومع ذلك ارى شيئا يتحرك وقد يكون ايجابيا.
هل لك ان تقارن بين مهمات الحلف لاستقرار افغانستان والوضع في العراق وهل يمكن للحلف القيام بالمهمة نفسها في العراق؟
- هناك فرق شاسع ولا يمكن الحلف القيام بالمهمة نفسها في كل من البلدين. الوضع في افغانستان يتميز بوجود ادارة وحكومة مركزية ويتولى الحلف، بتكليف من الأمم المتحدة، تعزيز استقرار البلاد. الوضع يختلف في العراق. جزء متسع من البلاد يسوده استقرار نسبي وهناك مشاكل أمنية في مناطق معينة. الحلف لا يضطلع بدور عملياتي داخل مهمة قوات التحالف باستثاء الدعم الذي يقدمه للقطاع الذي تشرف عليها القوات البولندية. والحلف ككل لا يضطلع بدور معين في استقرار العراق. وبالنسبة للمستقبل، سنستمع الى ما تطلبه الحكومة العراقية والطلبات تتركز حتى الآن في مهمات تدريب ضباط القوات العراقية حتى يتمكنوا بدورهم من تحمل مسؤوليات تأمين الوضع في بلادهم.
هل هناك أجل لنهاية مهمة التدريب ام انكم تخططون للبقاء طويلا؟
- في الظرف الراهن، نتولى مهمات التدريب ونواصل تنفيذها واعتقد باننا سنظل هناك أقله في المستقبل المنظور.
ما يجري في لبنان وسورية، هل تراه ايجابيا ومفيدا للمنطقة ككل؟ وهل هو مرحلة في استراتيجية الشرق الأوسط الكبير. فسقط العراق و الآن حان دور سورية ثم "حزب الله" وستليه ايران؟
- يصعب الحديث هكذا. لست خبيرا في شؤون سورية ولبنان. الحلف لا يقيم علاقات مباشرة مع أي من البلدين, وهما لا ينتميان لمبادرة الحوار الجاري بين الحلف والبلدان المتوسطية ولم ينخرطا في مبادرة اسطنبول للتعاون. ويصعب بالنسبة لي الحكم على ما يجري هناك.
لكنك أمين عام أكبر تحالف سياسي عسكري في العالم؟
- لا شك في ان الحلف ينظر باهتمام في اتجاه التطورات الجارية هناك. لكن لا نضطلع بدور مباشر ولا نرغب في مثل هذا الدور، مثلما هو الشأن بالنسبة الى الوضع بين الفلسطينيين والاسرائيليين. نحن لا نتدخل في ما يجري في لبنان والمسائل المتصلة بالانسحاب السوري من البلاد. الحلف يتابع باهتمام التطورات الجارية في المنطقة وينظر باهتمام في اتجاه الشعوب التي تقرر مصيرها. وآمل ان يشهد اللبنانيون انتخابات حرة ونزيهة ويتمكنوا اختيار الحكومة التي يرتأونها.
الوضع في لبنان وسورية مجاور وقريب من قضية النزاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين, وانت كنت عبرت عن رغبتك في ان يضطلع الحلف بدور ما في مسيرة السلام في الشرق الأوسط؟
- نحن نتحدث هنا عن سيناريو افتراضي. فاذا توافر الحل السلمي وطلبت الأطراف المعنية من الحلف القيام بمهمة وفق مقتضيات يضعها مجلس الأمن. وكنت بحثت هذه الآفاق مع المسؤولين في الأردن واسرائيل وكانت النقاشات مثيرة. ولا شك انني سأعيد بحث هذه الافاق عندما أزور مصر في وقت قريب. فاذا توافر الحل السلمي وتقدمت الأطراف المعنية بطلبها وكان مجلس الأمن أصدر قراره فانني واثق من النقاشات ستكون بناءة على طاولة الحلفاء. واذا كانت بلدان مثل مصر والأردن توافق على مثل هذا الدور و تطرق أبواب الحلف، فان الأخير سيتسمع اليها. الحلف لا يفرض نفسه ولا يسعى الى التدخل في المنطقة. وهو سيفعل اذا تحققت الشروط التي شرحتها.
هل بدأت نقاشات هذا الدور داخل الحلف او مع اصدقائك في اوروبا والولايات المتحدة؟
- لا. لم أفعل.
الدور الافتراضيهل يأخذ مثلا شكل نشر قوات الفصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟
- لا أعلم. فالشروط غير متوافرة لتنفيذ أي سيناريو الآن. وللأسف فانها قد تتطلب بعض الوقت. وتلك الشروط ترتبط بموقف كل من الأطراف المعنية حيال الدور المحتمل الذي يمكن ان يضطلع به الحلف. نحن لا نخوض في سيناريوهات ولا نناقش التفاصيل. لكن، الاحظ بان الأفكار التي أطلقتها في مؤتمر ميونيخ في شباط فبرايرالماضي لاقت ترحيب العديد من الأطراف العربية.
هل ستناقش هذا الدور المحتمل مع دول الخليج الجمعة اليوم في روما؟
- هذه القضية ليست مدرجة في جدول الاجتماع. ولكن يمكن لأي من ممثلي الدول المعنية والخبراء ان يثيرها.
قلت سابقا ان انخراط اسرائيل في عضوية الحلف ليست مطروحة في أجندة الحلف. ما هي مكونات الأجندة المشتركة بين اسرائيل والحلف؟
- مسألة العضوية ليست مدرجة في أجندة الحلف ولا توجد في أجندة اسرائيل ايضا. اسرائيل قدمت برنامج عمل مهم واعتقد انه ايجابي. وسنعمل على التعاطي مع البرنامج ايجابا. والاحظ ان مصر قدمت بدورها قائمة طويلة في مهمات التعاون الجاري بيننا في نطاق الحوار المتوسطي. اسرائيل تكتسب، في نظر الحلف، أهمية كبيرة، مثلما هي نظرته الى مصر والبلدان العربية الأخرى. قلت بوضوح خلال جولتي على اسرائيل الشهر الماضي ان انخراط اسرائيل في عضوية الحلف ليست مدرجة. لكن اسرائيل عرضت برنامجا طموحا للتعاون وسنعمل على تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه.
العلاقة مع اسرائيل ارتقت من الحوار الى مستوى الشراكة؟
- نحن نعمل في نطاق مبادرة الحوار المتوسطي الجاري بين الحلف وعدد من البلدان العربية المتوسطية واسرائيل. وهناك قرار اتخذته القمة الأطلسية منتصف العام الماضي في اسطنبول من أجل تطوير الحوار ورفعه الى مستوى الشراكة. هذه الآفاق مفتوحة امام اسرائيل وكل البلدان العربية التي انخرطت في مبادرة الحوار المتوسطي. ردود الفعل ايجابية من كل دول المنطقة. لكن وتيرة العمل ستكون مختلفة وتخضع لرغبة كل الأطراف المعنية. فطموح اسرائيل يمكن ان يشكل حافزا بالنسبة للبلدان الأخرى كي تقدم مقترحاتها. وأعلم ان التوازن يمثل قاعدة مهمة في المنطقة. ابلغت الاسرائيليين بذلك. وأضع على عاتقي مهمة التوازن في تعاون الحلف مع كل من الدول المعنية. وأشجع كلا منها على ان تكون طموحة في تطلعاتها للتعاون مع الحلف.
اسرائيل هي القوة النووية الوحيده في المنطقة. هل يحاورها الحلف في هذا الشأن؟
- لا.
بعض دول شمال افريقيا المغرب والجزائر تقترح على الحلف المساهمة في عمليات اسطول الحلف لمكافحة الارهاب في حوض البحر المتوسط. اين وصلت المشاورات؟
- نحن ننفتح على المقترحات. والمشاركة في عمليات اسطول الحلف في حوض البحر الأبيض قد تتخذ اشكالا متنوعة. ويجب اعتبار خصوصية كل بلد في هذا الشأن. المغرب يهمه كثيرا التعاون لمكافحة الهجرة السرية والارهاب في مضيق جبل طارق. لذلك فمسألة الخصوصية مهمة للغاية هنا. حاجات المغرب ليست ضرورة الحاجات نفسها بالنسبة للأردن. المغرب قد يكون مهتما بتعاون ثلاثي مع الحلف وموريتانيا في مياه المحيط الأطلسي. هناك مصالح مختلفة. والحلف يعرض قائمة طويلة من المقترحات تتناسب وحاجة كل من البلدان الشريكة في الحوار المتوسطي.
هل تم الاتفاق داخل الحلف حول اختيار موريتانيا لاجراء اول عملية تدريب، في 2006، للقوات الجديدة التي أنشأها الحلف، لأغراض الرد السريع؟
- القرار لم يتخذ بعد.
بين افغانستان والعراق، تقع ايران التي لا تقيمون معها حوارا وعلاقات رسمية. ما هي الطروحات التي تخيرها للتعاطي مع طهران؟
- من البديهي ان ما يجري في ايران يهم حلف شمال الأطلسي الذي يتولى مهمات كبيرة في بلدين مجاورين، العراق و ايران. وعلى رغم أهمية ما يجري، فان الحلف لا يتطلع الى القيام بدور ما في المفاوضات الجارية بين البلدان الأوروبية وايران. البلدان الأوروبية الثلاثة تتعاون مع الولايات المتحدة. ولاحظت قلقا ايضا في المنطقة العربية حيال ما يجري في ايران. وبالتالي فنحن لا ننفرد بمتابعة ما يجري. وأفضل ان تواصل الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية التعاون في هذا الشأن بأمل ان يتم التوصل الى حل تفاوضي. واذا استحال الحل يجب نقل الملف الى مجلس الأمن.
هل ترى منطقة الخليج خالية يوما ما من أسلحة الدمار الشامل؟
- تعلمت من تجربتي السياسية ان تحقيق مثل هذه الطموحات الكبيرة يقتضي توافر أدنى الشروط السياسية, واعتقد بأهمية العمل خطوة خطوة من أجل تحقيق الشروط الأساسية.
وكنا رأينا في نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بروز مناخ سياسي جديد. ودعنا نتفاءل بان تنمو الزهور في تراب المنطقة. علينا العمل معا من اجل تبديد الانطباعات السيئة وبناء الثقة والتحرك نحو خلق الشروط السياسية الأساسية قبل الوصول الى المراحل المتقدمة مثل اخلاء المنطقة من الأسلحة النووية.
وهذه الشروط السياسية تتمثل في توافر الحل السلمي؟
- فعلا. فالحل السلمي للنزاع في الشرق الأوسط مع التنمية الاقتصادية بمشاركة شعوب المنطقة سيخلقان يوما ما المناخ المناسب. دعنا نتفائل خيرا.