اتهام 3 أشخاص باقتحام ملعب المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا    انتخاب هالا توماسدوتير رئيسة لأيسلندا    فرصة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    أمير الرياض يرعى تخرج المعاهد والكليات التقنية    33 ألف منشأة تحت المراقبة استعدادًا للحج    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    كاميرات سيارات ترصد العوائق بسرعة فائقة    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    وصول أول فوج من حجاج السودان    اكتمال عناصر الأخضر قبل مواجهة باكستان    المؤسسات تغطي كافة أسهم أرامكو المطروحة للاكتتاب    أمير تبوك يعتمد الفائزين بجائزة المزرعة النموذجية    «التعليم» تتجه للتوسع في مشاركة القطاع غير الربحي    «نزاهة»: إيقاف 112 متهماً بالفساد من 7 جهات في شهر    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    نتنياهو.. أكبر عُقدة تمنع سلام الشرق الأوسط    السعودية و8 دول: تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2025    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    الإبراهيم وتاجاني يبحثان التعاون السعودي - الإيطالي    عبور سهل وميسور للحجاج من منفذي حالة عمار وجديدة عرعر    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    رونالدو يغري ناتشو وكاسيميرو بالانضمام للنصر    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    حجاج الأردن وفلسطين : سعدنا بالخدمات المميزة    انضمام المملكة إلى المبادرة العالمية.. تحفيز ابتكارات النظم الغذائية الذكية مناخيا    ماذا نعرف عن الصين؟!    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    الصدارة والتميز    9.4 تريليونات ريال ثروة معدنية.. السعودية تقود تأمين مستقبل المعادن    الحجاج يشيدون بخدمات « حالة عمار»    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    إطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق مدينة الرياض    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    الأزرق يليق بك يا بونو    توبة حَجاج العجمي !    "فعيل" يفتي الحجاج ب30 لغة في ميقات المدينة    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات تحت مسمى "رالي السعودية 2025"    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    نمشي معاك    أمير الشرقية يستقبل رئيس مؤسسة الري    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    «طريق مكة».. تقنيات إجرائية لراحة الحجيج    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم معالي رئيس جامعة القصيم السابق    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحدث الآن في جنوب لبنان . حزب الله وحركة أمل ... الأصولية المتجددة والمدنية المتراجعة 1من 2
نشر في الحياة يوم 08 - 10 - 2006

ما حصل في 10/7/2005 في قرية ديردغيا - جنوب لبنان - بدا كأنه اجتماع تأسيس للجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يبدو وكأنه إعادة تأسيس إيديولوجي واجتماعي وسياسي لحزب الله، الداعي والراعي للاجتماع، على قاعدة انتصاره الساحق في الجنوب، وظهوره، بحسب النتائج، مرجحاً انتخابياً بنسب متفاوتة بين جبل لبنان والبقاع الغربي وبيروت، إلى انتصاره الساحق والمتكرر والمعدل جزئياً في تحالفاته في بعلبك - الهرمل، ما جعل حركة أمل، كإطار لأعضاء حركيين ومناصريين، تعيش حالة من احتمال أو ظهور حالات من الانضواء التدريجي في الفضاء الواسع للحزب، تمهيداً، ربما، للانضواء العضوي غير المستبعد، قياساً على ما حصل في الماضي، قبل المعركة المعروفة بين حركة أمل وحزب الله في أواخر الثمانينات وأثناءها وبعدها، ما جعل الرئيس نبيه بري يؤكد أكثر من مرة أن حزب الله والمقاومة ولدا من رحم حركة أمل، وقد كان هذا الانضواء الحركي في الحزب يتم ويزال لأسباب دينية عامة، وشيعية سياسية تتصل بالقوة المتنامية للحزب وقدراته المالية والتنظيمية والتعبوية الدينية، خصوصاً في اللحظات التي يرتفع فيها الصوت الطائفي السياسي المسيحي الجنرال ميشال عون مثلاً أو الصوت السلفي الجهادي في لبنان أو الخارج، وتزداد معه الضغوط الاميركية والغربية عموماً على إيران وحزب الله، إلى ما تمكن منه حزب الله من جعل المقاومة ضد إسرائيل وكأنها شأنه الحصري الممتاز لبنانياً وعربياً، إذا استثنينا الداخل الفلسطيني المعقد والمربك، إضافة إلى أن الحزب الذي يدرك إشكالية المقاومة بعد التحرير وما أعقبه من ارتفاع واتساع وسرعة وتيرة دخول الحزب في الدولة اللبنانية، الوزارة الآن والإدارة لاحقاً، قد اخذ في اعتباره انه لا بد من جهد مضاعف للحفاظ على تماسك بنيته التنظيمية، حذراً من استشراء الاسترخاء الذي يعقبه الترهل العضوي والسياسي وينفتح معه باب الحزب على التسرب وربما الانشقاق. ولهذا المسلك ثمرات إضافية، ربما كانت احدى صورها تأهل الحزب لاستقطاب المتسربين من حركة أمل حليفته اللدود، ملاحظاً، ومعه أكثر المراقبين، أن قاعدة حركة أمل في معظمها كانت تشتكي منذ زمن بعيد من رخاوة وترهل تنظيمي.
بعد القرار 1559 الذي طرح سلاح حزب الله على بساط البحث، رابطاً بين ذلك وبين الخروج السوري من لبنان، لوحظ جنوح من حركة أمل نحو الحزب، أسهم فيه سلوك حزب الله في الانتخابات عمق علاقته الاختيارية هذه المرة بحركة أمل، إلى ما بدا منه أن سلاح الحزب سياج للشيعة في لبنان، أسهم هذا السلوك في تراجع مستوى الحساسية مع حزب الله، ان لم يكن قد أزال الحواجز بين كثير من الحركيين والأطر التنظيمية للحزب، ولو سراً، حتى أن النكتة التي تم تداولها على نطاق واسع قالت على لسان الحركيين: إن الاميركيين يريدون أن ينتزعوا من حركة أمل سلاح حزب الله. وهكذا بدا السيد حسن نصر الله رمزاً ومثالاً جاذباً لعقول الحركيين وقلوبهم، وفي المقابل، ومن خلال المحورية شبه الحصرية لشخص الرئيس نبيه بري في الحراك السياسي الحركي، وموقعه شبه الضروري حتى في قناعة حزب الله في الحراك السياسي الشيعي، وخروجه بأقل الخسائر ان لم نقل بأرباح إضافية من إشكالية الوجود والخروج السوري من لبنان، بلغ تمسك وتعصب حزب الله وحماسته حتى قبل ظهور نتائج الانتخابات النيابية، لرئاسة بري لمجلس النواب اللبناني، الذي بلغ مبلغ التهديد والوعيد ان لم يتم انتخاب بري للمنصب الشيعي الأول، إلى الحد الذي ظهر معه أن رئاسة بري ضمانة أكيدة لمستقبل الحزب. ولم يكن ذلك ليبلغ هذا المبلغ لولا أن حزب الله قد استشعر قوة إضافية بحضوره السياسي، وخطراًَ إضافياً على هذا الحضور، ما جعل العلاقة المستجدة للحزب بحركة أمل ترتكب من بعدي الخوف والرجاء، الخوف على حال الحزب ومكتسباته، والرجاء في احتواء الحركة والاستقواء بها، وهكذا فإن المسألة اعقد وابعد من التبسيط الذي يقول بان الرئيس بري يبتلع السيد حسن نصر الله شخصياً وبالتدريج، ومن خلاله أو من خلال توظيف رمزيته وحيويته وحسابه الأولويات، يعبر الرئيس بري شخصياً لا حركياً إلى الفضاء السياسي الوطني في ظل غياب سوري، مدججاً بالمقاومة وسلاحها والتحرير والمقاومة والشيعة عموماً، وان كانت النكتة الشائعة صحيحة إلى حد كبير، ألا وهي التي تقول ان القدر جاهز لخدمة الرئيس بري، الذي لا يكاد موقعه يتعرض لاهتزاز حتى يسخر الله له حزب الله ليعود فيعوم على مساحة سياسية رحبة، ما مكنه من تجاوز أزمة تسرب عدد من قيادات الحركة إلى الخارج، وأزمة التهم الموجهة إلى عدد من القيادات الحركية في الإدارةپهناك صورة مشرقة لوزير الصحة محمد خليفة وصورة مثلها متوقعة لوزير الزراعة طلال الساحلي، وأزمة الخروج السوري وارتباك أو غموض أداء بري، مع سورية التي سربت فهمها السلبي واستياءها من ذرائعية الرئيس بري التي تجاوزت موجباتها حجماً ونوعاً.
وفي هذا الجو، يبدو السيد حسن نصر الله وكأنه يريد ويعمل على حل اشكاليته الشخصية، الزعامة الغالية من دون إمكان تحويلها إلى موقع مواز ومكمل ومثمر لها في الدولةپتقريباًَ مشكلة وليد جنبلاط، هذه الإشكالية مضافاً إليها إشكالية الحزب المتأتية من كونه واعياً، وان مستاء، من أن هناك قطاعاً شيعياً مسيساً وواسعاً يمانع في الانتماء الكامل لمشروع الحزب الديني أساساً، ويؤثر أن يبقى قريباً من مناخ حركة أمل على رغم اعتراضاته اليومية على أدائها، وهذا غير القطاع الشيعي الذي يجمع حساسيات متعددة ومتعارضة، ويعتبر أن هناك ظلماً في اختزال الشيعة في الحزب وحركة أمل، من دون أن يمنع ذلك الكثيرين من أهل هذا المزاج من أن ينحازوا مرة إلى الحركة ومرة إلى الحزب، ومرة ثالثة يتوازنون، ومرة أخرى يحوّل بعضهم اعتراضه إلى مشروع، لا يلبث أن ينكشف انه ينطوي على كثير من علامات المخاطرة فيتراجعون بتشكيل تراجيدي فاجع، ليستمر الاستقطاب الحصري بين حركة أمل وحزب الله، وتتراوح العلاقة بينهما من الحوار إلى السجال، وسجالاً لا يستبعد الحوار.
ويقدر كثير من المتابعين أن رأس السيد نصر الله ومعه رأس الحزب، ربما كان مشغولاً بترسيم مسار لاستكمال حل مشكلة حركة أمل ومشكلته معها بإلحاقها بالحزب عاطفياً وعصبياً، من دون مانع في استتباعها تنظيمياً لاحقاً، ولو جزئياً وسلمياً، قياساً على ما حدث في الماضي، وان كان بشكل أعمق هذه المرة، ومن دون استيلاء كامل على قاعدتها فضلاً عن كوادرها، بحيث يبدو أن الانتماء واحد، والتنظيم متعدد، ما سمته حركة"فتح"مرة بناء على تعدديتها بعمومية الانتماء أو الفكر وخصوصية التنظيم. وليس هناك من مجال أفضل وانسب واضمن لهذه التوجه إلا مخاطبة الحركيين بخطاب ديني يفترض انهم تأسسوا عليه، وان كان ذلك بأسلوب وظروف مختلفة، اجتمعت في رؤية وأسلوب الإمام موسى الصدر في القول والعمل. ولكن حزب الله تجاوزهم في سيره على هذا الخط المنسق من العلاقة بإيران وخطابها المركب من الإسلام والوطنية الإيرانية، إضافة إلى الخصوصية الشيعية، وارتفع مستوى هذا التجاوز من حزب الله لحركة أمل في الخطاب والسلوك، عندما انتبه الحزب إلى الضرورة وعدم الضرر في استحضار الإمام الصدر بعد فترة طويلة من التجاهل أو التنصل على أساس أن إسلامية الحزب في لحظة الاستنفار الإيديولوجي العالي تتنافى مع غلبة المسألة الوطنية شبه الليبرالية على المسألة الإسلامية في مشروع الإمام الصدر، وحذراً من التأثير السلبي في استقطاب قيادة الحزب لقاعدتها.
هذه الوقائع والتداخلات والتمايزات جعلت أعضاء ومناصري حركة أمل يبدون أحياناً كثيرة وكأنهم، في عيونهم وعيون الآخرين تنظيم وطني علماني لا علاقة له بالدين إلا في حدود المسلك والاختيار الشخصي بأدلة عدة، ومنها انفتاح أو استمرار انفتاح حركة أمل على كوادر وقيادات علمانية لا تخفي موقفها السلبي من المتدينين، هذا كله أمام إغراءات تراجع اليسار وحركة التحرر العربي والأحزاب الوطنية اللبنانية واتساع مساحة الأصولية الدينية عالمياً. وهكذا بدا مشهد الحركة ميدانياً وكأنه في كثير من مظاهره اليومية وفعالياته تقليد للحزب، بل ويبالغ في ذلك فيتخطى مشهد الحزب في تعبيراته الدينية من التنافس حتى الصراع على التعليم الديني والشعائر الدينية ورجال الدين والأندية الحسينية والمساجد، إلى الندب الحسيني والأناشيد والسياحة الدينية المنظمة والتثقيف الداخلي الفقهي والعقدي المذهبي المركز، بما يتجاوز مذهبية الحزب، خصوصاً في تشجيع ظاهرة حز الرؤوس وجرحها في عاشوراء والانخراط فيها، في مقابل عزوف الحزب عنها بناء على الموقف الفقهي المميز والهادف إلى التمايز لدى المرجعية الدينية المركزية في إيران بالنسبة إلى حزب الله.
وفي مقابل مشاركة التيار الديني في حركة أمل حزب الله في إحياء المناسبات الدينية والمحافظة على المظهر الديني في المناسبات الاجتماعية العامة، وتحويل الحركات الكشفية المتنافسة إلى حركات دينية خالصة، كان قطاع واسع من حركة أمل وأنصارها ومؤيديها المدنيين والمتحررين في كثير من المظاهر والالتزامات الدينية، برعاية السيدة رندا عقيلة الرئيس بري، يتعاونون مع عدد كبير من الموظفين والإداريين والمستشارين ذوي السلوك العلماني والعصبية السياسية الشيعية أو الحركية، إلى رؤساء وأعضاء بلديات ومؤسسات مدنية ومثقفين وفنانين وأدباء وشعراء شيعة متحررين، ومن سائر الطوائف، ورجال أعمال من الشيعة وغيرهم، ومن الجنوب وغيره وفي الجنوب وغيره.
كان هؤلاء جميعاً أسسوا ومارسوا مجموعة من الأنشطة الاحتفالية البالغة التحدي، أنشطة ثقافية وفنية غنائية ومسرحية واستعراضية ومهرجانات شعرية وأعراس جماعية لا تتناسب ولا تتطابق مع صحيح الشرع المتحفظ، أو المحافظ، كما يراه الحزب، وأكثرية رجال الدين الذين يلوذ منهم الموظفون الرسميون المرعيون حركياً بالصمت، بينما يعترض مشايخ حزب الله ثم يعودون إلى الصمت أو الهمس بناءً على الضرورات السياسية التي تقدرها قيادة الحزب. هذا الواقع أو هذه الوقائع التي كان لها جمهورها الواسع أيضاً، جعلت حزب الله يفكر، وهو قادر على التنفيذ، بتعميم أسلوب أو سلوك مختلف، بعدما حدث من نجاحه في انهماكه ببناء وتشغيل المؤسسات التعليمية في مقابل مؤسسات أمل والمؤسسات الطائفية الأخرى، امتداداً إلى الحركة الكشفية وفرق الإنشاد الديني والفرق الموسيقية والسياحة الدينية وحملات الحج والزيارة والمستشفيات والمستوصفات الصحية وصندوق القرض الحسن والإمداد وجهاد البناء ومؤسسة الشهداء والجرحى ومجالس التعزية، مروراً بيوم القدس والحركة النقابية في كل أشكالها المهنية والحرفية، إلى عناية الحزب الخاصة والمتمكنة مالياً وإدارياً بالمؤسسات السياحية والمدن السياحية الواسعة والمتعددة الاهتمامات والخدمات في محاور الاقضية في الجنوب، مع شروط متساهلة نسبية، وبداعي الجذب لا الربح، في شروط الحجاب والاختلاط إلا في المسابح النسائية المفصولة تماماً.
هذا كله بعدما تجاوز حزب الله خطر اتهامه بأنه يقيم حالة من الدولة الموازية للدولة، من خلال فتح خطابه الحزبي على أفق وطني واسع، وبناء علاقاته الحوارية أو التحالفية مع الأحزاب المختلفة، متوجاً ذلك بدخوله في تجربة المؤسسات الرسمية بدءاً من انتخابات 1995 النيابية إلى دخوله عام 1998 طولاً وعرضاً في الانتخابات البلدية، إلى انتباه أطراف الدولة إلى هذه المعطيات ما جعلها تتبادل مع الحزب اعترافاً مشتركاً وعميقاً، أدى إلى تفاهمات حكمت الحزب بنمط من العلاقات السياسية المعارضة والموالاة مع الدولة، لا تختلف كثيراً عن علاقات الأحزاب الأخرى.
الاجتماع من اجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عقده مسؤولو الحزب في قرية ديردغيا الواقعة على مسافة كيلومتر واحد من"مدينة الجنة الخضراء السياحية"، التي أنشأها حزب الله مبكراً، وأصبحت من أهم مواقع نشاطه واستقطابه الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن دورها الاستثماري الناجح، وهي على طريق صور، المدينة التاريخية التي جذبت نظر واهتمام حركة أمل، وكذلك نظر الحزب الذي يعمل على تحسين موقعه فيها أسوةً بالقرى المحيطة، وان كانت الحركة ولا تزال هي الغالبة على المدنية، بشكل يمكن ملاحظته في كمية الأصوات التي نالتها في الانتخابات المختلفة، حتى لتبدو المدينة وكأنها مدينة حركية بالمعنى السياسي، وهي تتمتع بموقعها البحري، وتعددها الديني والاجتماعي، وآثارها الشهيرة، وبحرها الجميل، واختيار الإمام موسى الصدر لها منطلقاً أو قاعدة لعمله في البدايات، استئنافاً لما كان أسسه فيها دينياً وتربوياً سلفه الإمام عبد الحسين شرف الدين منذ أوائل القرن الماضي.
بناء على هذه المعطيات، أعطت حركة أمل الأولوية لصور في النشاط السياحي والفني الحركي، بانية على الجو الشيعي وما كان يتردد فيه زمن الصراع والحرب بين الحركة والحزب، من أن الحزب يمارس القمع الديني في أماكن نفوذه، فيمنع حفلات الأعراس المتحررة وغيرها، وان كانت هذه الشكوى الشيعية قد تراجع منسوبها لاحقاً، بسبب الأنشطة السياحية وتغير اولويات الحزب في المقاومة وحاضنها الشعبي، وضرورة توسيعه ريثما يحقق الحزب إنجاز التحرير، إلى الضرورات الانتخابية التي تلزم بالتخفيف من التشدد وبالمرونة ومراعاة الحساسيات لدى المسيحيين والمسلمين على المستوى الجنوبي والوطني عموماً، خصوصاً ان عدداً كبيراً من المسلمين، والشيعة خصوصاً، قد ابدوا ميلاً واضحاً إلى الجمع بين تأييدهم للحزب على أساس وطني، وبين السلوك المتحرر نسبياً من المظاهر والالتزامات الدينية.
غير أن حزب الله الآن يشعر وكأن انتصاره قد اكتمل، وان عقده السياسية لا بد من أن تنحل بعد الانتخابات النيابية الأخيرة والالتفاف الجماهيري حوله، لحماية سلاحه ووجوده من مفاعيل القرار 1559 والخروج السوري، فلا بأس إذاً من عودة الحزب إلى شيء من التشدد الديني، من اجل أن يتركز في وعي الجميع أن الحزب هو الأول وان حركة أمل إنما تدين بعدم تراجع حجمها النيابي إلى تأييده الطوعي لها هذه المرة، وقد تزامن ذلك مع انتصار التيار المحافظ في إيران، وهو الحاضن التاريخي لحزب الله، فوصل إلى سدة الرئاسة الإيرانية شخص يتمتع بالدينامية الميدانيةپرئاسة بلدية طهران تجربته الأساس، وهو ذو موقع مميز في الفضاء المحافظ، يمكن أن يكون مساعداً في التشدد السياسي مع الخارج، وداعماً للتيار المحافظ في أي تسوية يمر بها مع هذا الخارج وبشروط أفضل. هذا الواقع قد يعني أن حزب الله، وهو في طريقه إلى التشدد الديني الداخلي والتشدد السياسي الداخلي، في صدد التمهيد لمرونة مع الخارج طموحاً إلى التسوية بشروط أفضل، أو استخدام التشدد كعامل تماسك في مواجهة الخارج المتشدد ضد الحزب في السياق التاريخي القريب، لإدخال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العملية السياسية.
عوداً على بدء، لقد انعقد ما يشبه ان يكون اجتماعاً تأسيسياً للجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللبنانية في قرية ديردغيا كما ذكرنا، وهي قرية مسيحية في وسط شيعي، هجرها أهلها المسيحيون بسبب الحرب ولم يعد إليها بعد الحرب الا أفراد معدودون، وكان قد سكنها عدد من مهجري الشريط الحدودي الذي كان محتلاً، واجروا تعديلات غير جميلة على عمرانها الاثري الجميل بالباطون والألوان، ولكن في حدود محدودة لم تمنع ان تبقى القرية نموذجاً شبه وحيد لعمران تاريخي منقرض في الجنوب، ولعل هذا ما دفع حركة أمل والسيدة رندة بري بالذات لأن تتعاون مع الدولة اللبنانية لاعلان ديردغيا قرية أثرية، في وسط شيعي جعلها تكتسب رمزية اضافية وتميزاً وتمييزاً ملحوظاً، واشارة غامضة الى مستقبل السلم الأهلي اللبناني بعد الحرب، وكأن حركة أملپوالسيدة بري، مستفيدة من نفوذ الرئيس نبيه بري وممثلي الحركة في الإدارة والوزارة، تولت العناية الفنية والعمرانية والاستثمارية السياحية بقلعة تبنين وآثار صور وقلعة الشقيف وغيرها. اذاً، ومن القرية المسيحية التي تذكر بالعيش المشترك الذي خربته الحرب، ولن يترسخ السلم الا باستعادته، من القرية التي خرجت مثقفين وإعلاميين كباراً، وكان منها وزير الطاقة في الولايات المتحدة، يعلن حزب الله شروعه في التوجه المنظم إلى ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طريقته السياسودينية، أي مراقبة أو منع الغناء والموسيقى والرقص مما لا يتقيد بقيود الفتوى التي يعممها مشايخ الحزب، أي رجال الدين المنحازون سلفاً ضد الممارسات التحررية التي يرون فيها تقويضاً للسلوك والمظهر الديني، وخيانة لدم الشهداء، هذا إضافة إلى التنبيه الدائم على ضرورة الحشمة في لباس النساء والرجال معاً، مع ضبط للسباحة على الشواطئ لجهة ابعاد المظاهر الفاقعة عن العيون، وتعسير الاختلاط وتشجيع المسابح النسائية المغلقة. ويصر الحزب في بيانه الأول من ديردغيا التي ربما كان قد انطلق منها ليقول ضمناً ان مسيحيتها وأثريتها لا تلزمه، يصرح الحزب من ديردغيا بأن اللجان ستراقب كل شيء، من لباس النساء والرجال إلى حركة الجميع في الشارع والمطعم وساحة القرية والمسجد والنادي الحسيني والعرس والمأتم وداخل المنازل إذا اقتضى الأمر، ومن دون استثناء لمسلم سني أو درزي أو مسيحي.
كاتب ورجل دين لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.