ظن البعض أن الملاريا هي مرض الأمس. وصبّوا اهتمامهم على أمراض مثل الإيدز والسرطان وغيرهما. وعلى عكسهم، تشير الاحصاءات الصادرة عن"منظمة الصحة العالمية"الى ضروة ابقاء الأعين مفتوحة على الملاريا، باعتبارها من الامراض المثيرة للقلق في الألفية الثالثة. والمعلوم أن خُمس سكان العالم معرضون لخطر الاصابة بها. وفي العام 2003 أصيب بين 350 و500 مليون شخص بها عالمياً. وانتشرت تلك الإصابات بين أدغال الصحراء الافريقية وأحراش الغابات الاميركية اللاتينية. وأصاب بعضها منطقتنا العربية. وفي مثال لافت، أُصيب العشرات من اعضاء بعثة مصر الرياضية في دورة الألعاب الأفريقية في عام 2003 بالملاريا. وتوفي إثنان من اعضائها. وقبل أسابيع عدة، أفادت تقارير واردة من محافظة شبوه اليمنية عن وجود ما يزيد على 1350 حال إصابة بالملاريا منذ بداية العام الجاري. ملاريا في شرق المتوسط صنّف مكتب إقليم شرق المتوسط"إمرو"يضم معظم الدول العربية، التابع لمنظمة الصحة العالمية، خمس دول باعتبارها تواجه مشاكل وخيمة ناجمة عن الملاريا هي افغانستان، وجيبوتي، والصومال، والسودان واليمن. ولاحظ إن بقية دول الاقليم لا تخلو تماماً منها. وقبل فترة وجيزة، نشرت"منظمة الصحة العالمية"عينها تقريراً موسّعاً عن وضع الملاريا في العالم، وذلك بالتعاون مع منظمة"يونيسيف". واعتبرته خطة أولى ضمن خطط طموحة لمكافحة البعوض الذي يُعتبر الناقل الأساسي لوباء الملاريا. ويبيّن التقرير أن وضع الملاريا في دول شرق المتوسط شهد تدهوراً كبيراً في الاعوام الثلاثين التي سبقت"مبادرة دحر الملاريا"، التي قادتها المنظمة. وقد أدى النقص المزمن في موارد قطاع الصحة وتكرار حالات الطوارئ في دول مختلفة بسبب عدم استقرار الاوضاع، الى حال من التوقف شبه التام لجهود بعض الدول في مقاومة الملاريا. اضف الى ذلك تنامي مناعة البعوض تجاه المبيدات التي كانت تستخدم لقتله. وكذلك نمت مقاومة طفيلي الملاريا نفسه تجاه الادوية المستخدمة في علاج المرض. وتشير الاحصاءات إلى أن 40 في المئة من سكان شرق المتوسط تعرضوا لخطر الاصابة بالملاريا في عام 2004. وشدد مسؤولون في مكتب"إمرو"على أن الوضع في افغانستان هو الاخطر. ويليه اليمن، حيث 60 في المئة من السكان معرضون للاصابة ، وصنّف "إمرو"دولاً أخرى بإعتبارها معرضة للخطورة، مثل إيران والسعودية. وتتمتع هاتان الدولتان بأنظمة صحية فعّالة، وبرامج سيطرة ناجعة على الملاريا. وتبدو الأوضاع أشد تعقيداً في دول أخرى مثل افغانستا، والعراق، بسبب امور سياسية واقتصادية، مما يجعل مشكلة الملاريا أكبر حجماً. ويتنقل السكان فيها تحت وطأة عدم استقرار الاوضاع الداخلية، مما يؤدي الى زيادة احتمالات ظهور الاوبئة مع تدمير الخدمات الصحية ونقص في الموارد والكوادر المدربة ، وفي عُمان وسورية، يقتصر الأمر على وجود بقايا للمرض بالاضافة الى حالات آتية من الخارج. وتشير"إمرو"الى المخاطر التي تولدها الأوضاع المتوترة على الحدود بين بعض الدول، والتنقل الدائم للسكان بينها. ومن الأمثلة على ذلك الحال على الحدود بين العراق وسورية وتركيا، وبين السعودية واليمن، وبين افغانستان وباكستان. وقد بدأت هذه الدول في تنسيق جهود تطويق المرض في المناطق الحدودية. شبه الجزيرة الخالي... وقبل فترة، أطلقت"منظمة الصحة العالمية"مبادرة"شبه جزيرة عربية خالية من الملاريا". ونفذت برامج مكثفة في هذا الصدد بدعم من المملكة العربية السعودية. وأعلن البنك الدولي زيادة الدعم الذي يقدمه لمكافحة هذا المرض، بعد ما ادرك مدى بطء التقدم في هذا المجال. والمعلوم إن الملاريا موثقة منذ زمن الفراعنة. وكانت أحد الامراض المتوطّنة في مصر، الى ستينات القرن الماضي. وقد نشطت جهود مكافحة المرض منذ الستينات والى التسعينات، مما أدى الى انخفاض معدلات انتشاره تدريجاً، الى ان اصبحت محافظات مصر خالية تماماً من الملاريا في عام 1990 باستثناء بؤرة في محافظة الفيوم. وتقع الفيوم تحت مستوى سطح البحر، مما يؤدي الى كثرة أماكن تجمع المياه، وتكوين البرك والمستنقعات، التي تمثّل مهود تكاثر البعوض. وأوضح الدكتور حسين عبد الرازق الجزائري المدير الاقليمي ل"إمرو"، ان الملاريا ما زالت مشكلة بارزة في اقليم شرق المتوسط. ويعيش 50 في المئة من السكان فيه في مناطق معرضة للوباء. ويتوزعون على 13 دولة. وفي عام 2004، بلغ عدد الحالات 15 مليون حالة. نجم عنها 59 ألف وفاة. ونبّه الى أن عبء الملاريا لا يتوزع توزعاً متساوياً بين دول الاقليم. واشار الجزائري الى أن:"منذ انطلاق مبادرة دحر الملاريا زاد الالتزام السياسي بمكافحة هذا المرض. وازداد الانفاق على مكافحتها في الاقليم ولا سيما في البلدان المتأثرة بها. واسفرت تلك الأمور عن قصص نجاح عدة. ففي الجمهورية اليمنية أدت والوقاية والعلاج المُبكر، وكذلك مكافحة النواقل، الى تقليص عدد حالات المرض اعتباراً من عام 2001. كما سجلت قصص نجاح أخرى في ولايتي الخرطوم والجزيرة في السودان. وشهدت الامارات العربية المتحدة، وعُمان اخيراً، جهوداً ناجحة في سبيل التخلص من الملاريا"، وأضاف:"أما بلدان شمال افريقيا فإنها تكاد تكون تخلصت تماماً من الملاريا. وحققت السعودية تراجعاً ملموساً في عدد حالات الملاريا خلال السنوات الخمس الماضية. وباتت قريبة من التخلص الكامل منها. ونأمل في تحقيق هدف جعل شبه الجزيرة العربية كله خالياً تماماً من الملاريا. ونسعى لدعم جهود برنامج دحر الملاريا في الجمهورية اليمنية، البلد الوحيد في الجزيرة العربية الذي لا يزال يواجه مشكلة كبرى بصدد الملاريا... وتواجه برامج مكافحة الملاريا تحديات في البلدان التي يقلقها عبء ذلك الوباء، مثل افغانستان والسودان والصومال. وتواجه هذه البلدان حالات طوارئ معقدة. وتُمثل مكافحة الملاريا فيها تحدياً بالغ الصعوبة، خصوصاً مع عدم توافر الأموال اللازمة لمكافحة المرض". وشدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور لي يونغ، أخيراً على أهمية استخدام الناموسيات المشبعة بمبيدات الحشرات باعتبارها من الطرق الفعالة في تجنب الاصابة بالملاريا. واشار الى زيادة عدد الناموسيات الموزعة في الدول الافريقية بنحو عشرة اضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية، ولا تزيد كلفة الناموسية على 5 دولارات. وأوضحت آن فتمان المديرة التنفيذية للپ"يوينسيف"أن الملاريا لا تزال تقضي على حياة عدد من الاطفال في افريقيا يعادل ثلاثة أضعاف عدد من يصابون بعدوى الايدز.