مبابي يصل إلى رقم كريستيانو رونالدو    الحمدان يقترب من يلو على حساب النصر    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    الفنار للخدمات الهندسية تعيّن المهندس عامر العجمي رئيساً تنفيذياً للشركة    الصين تُطلق قمرًا اصطناعيًا جديدًا لاختبار تكنولوجيا الاتصالات    دله الصحية تضيف مستشفى المملكة إلى مجموعة مستشفياتها المملوكة بالكامل عبر الاستحواذ على الأسهم المتبقية في شركة درع الرعاية القابضة بقيمة 434 مليون ريال    شراكة ثقافية تبرز قدرات الهاتف الجديد HONOR Magic8 Pro    الإعلام الفرنسي يشيد بسعود عبد الحميد بعد تألقه مع لانس    اختتام معرض جدة الدولي للكتاب 2025    افتتاح فعالية «السهي فيو» ضمن مهرجان جازان 26    تونس تحتفي بالعقد الأول لمهرجان القيروان للشعر العربي    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    أميركا تصادر ناقلة نفط إضافية قبالة فنزويلا    بريطانية تصعد على متن الطائرة بعد وفاتها    وسط ضغوط أمريكية على الفصائل المسلحة.. الرئيس العراقي يدعو لتشكيل حكومة شاملة    اجتمع بالملحقين التجاريين للمملكة..الخريف: تمكين فرص الاستثمار في الصناعة والتعدين    النفط يرتفع وسط حصار ناقلات النفط الفنزويلية ومخاوف اضطرابات الإمدادات    ارتفاع معدلات الإنتاج الغذائي    في افتتاح كأس أمم أفريقيا 2025.. المغرب لتأكيد عقدته التاريخية لجزر القمر    ختام بطولة "WBC Boxing Grand Prix"    في نصفِ نهائي بطولة الجيل القادم.. بلوكس يواصل الانتصارات.. وتيين يُكمل عقد النهائي    برشلونة يواجه مهمة صعبة أمام فياريال    بين مارس وديسمبر    وفد أعضاء مجلس الشورى يطلع على أعمال هيئة تطوير محافظة جدة    المملكة.. إغاثة بلا حدود    "حقوق الإنسان" و"عطاءات وارفة".. مذكرة تعاون    مشروع جديد لخدمات جمع ونقل نفايات البكيرية    الزايدي محاضراً    محافظ رأس تنورة يكرم اليامي    الماجستير لشروق    المركز الوطني للعمليات الأمنية يستعرض تجربة حية عبر تقنية الواقع لزوّار معرض "واحة الأمن"    الدبلوماسية السعودية النشطة تثمر.. نقلة تاريخية لسوريا بعد إلغاء «قانون قيصر»    ورشة عمل تبحث دور الإعلام في صناعة المبادرات    اللغة العربية.. الحضارة والمستقبل    الحِرف السعودية.. تخليد مهارات الأجداد    القحطاني يكرم الجمعان    إلهام عبد البديع في«السرايا الصفرا»    «تقويم التعليم» تعتمد 51 مؤسسة أكاديمية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين في ماليزيا ومفتي رواندا    خطيب المسجد الحرام: إذا تولى الله عبدًا أكرمه وهداه    إمام المسجد النبوي: الإسلام يسمو بالأخلاق ويربطها بالإيمان    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُنقذ مراجعاً مصاباً بانسداد حاد نسبته "99 %" بالشريان التاجي الأيسر    تشغيل نظام الأرشفة الإلكترونية بمستشفى الأسياح    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    أداة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن سرطان الكلى    نمو التسهيلات الائتمانية %2.4    85.4% زيادة بوفورات استهلاك الطاقة    غزة بين اختبار الحكم ومعادلة الاستقرار    ضربة روسية على أوديسا تواكب مساعي السلام الأمريكية    هالاند يقود مانشستر سيتي لعبور ويستهام    إنطلاق التصفيات الأولية لمسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم في جازان    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زينب الغزالي ... داعية تعلقت بالخلافة و "دندنت" بالقرآن
نشر في الحياة يوم 08 - 01 - 2006

برحيل زينب الغزالي الجبيلي - 3 آب أغسطس 2005 - يكون العمل النسوي في مصر والوطن العربي عموماً بل والعالم الإسلامي، قد طوى مرحلة من تاريخ بدأ في ثلاثينات القرن الفائت، وإذا ركزنا على مصر مثلاً فإننا نعتبر بدايتها هدى شعراوي، ونهايتها زينب الغزالي، والحديث هنا ينصب على الجمع بين الجانب المعرفي لجهة الوعي بالتاريخ والتراث وبالفضاء الواسع للثقافة الإسلامية - إن جاز التعبير - وبين الجانب الحركي من ناحية الاقتراب والابتعاد عن الحاكم، حيث الإعلان عن تأييده أو رفضه.
الظاهر من القراءات بل ومن جلسات متواصلة مع زينب الغزالي أن ذلك كان ضمن قواعد الدين وضوابطه، آنذاك كانت الأمور على أشدها بين الرافضين للدين مُمثلاً في الأزهر وبين المنطلقين منه باعتباره مرجعية خصوصاً في مسألة تحرر المرأة، لذلك كانت الجمعيات النسوية تعقد جلسات للحوار مع علماء الأزهر، وعلى ما في ذلك من غضب وتشنج أحياناً بين الطرفين، على رغم أنه علامة دالة على الحوار في تلك الثلاثينات، وهو ما نفتقده الآن في بداية القرن الواحد والعشرين.
من ناحية أخرى فإن رحيل زينب الغزالي ينهي - بالنسبة الي على الأقل - الحديث عن الخلافة الإسلامية، حيث بات يصعب الآن الحديث عن الدول القطرية المستقلة، فما بالك بالحديث عن الأمة، ما يعني التراجع في الخطاب الديني، وهو ما يبدو جلياً في البلاغات العسكرية لجماعات العنف والرفض والإرهاب، لجهة التقسيم الجغرافي عند تناول أوضاع العالم الإسلامي، مع أن العمليات حدودها العالم كله، المهم أن ما بقي عند البعض مختفياً في الصدور ظلت زينب الغزالي تعلنه، حتى غدا ذكر البعض للأمة الإسلامية الواحدة نوعاً من الهروب بما في ذلك الشكل السياسي الحديث الذي أطلق عليه"منظمة المؤتمر الإسلامي"... لكن كيف تعاملت مع مسألة الغياب، الذي لم يكن مفاجئاً الخلافة؟
في جلسات كثيرة حدثتني الداعية زينب الغزالي عن دعوتها في المساجد والمحاضرات للملك فاروق، ثم الدعوة ضده بعد أن تراجع عن تطبيق الدين، واختياره للأجانب خبراء، وكذلك الحال بالنسبة الى قادة الثورة، الذين كانوا في البداية مؤيدين لنشاطها، وهو ما نجده مسجلاً في دفتر التبرعات الخاصة بجمعية السيدات المسلمات، من ذلك مساهمة مذكورة بالاسم خصوصاً بالمشير عبدالحكيم عامر ما يعني أن الداعية الشابة في عهد الملك فاروق، الذي ناقشته في حوار مباشر عن مسألة البيعة للملك، واقترب منها الإخوان المسلمون بقيادة الإمام حسن البنا، واقتربت منهم، هي نفسها الداعية التي تجاوزت هذه السن وقاربت الخمسين، وقد حكم عليها بالسجن في عهد الثورة.
لم يكن خلافها مع مختلف الأنظمة الحاكمة في مصر سياسياً كما يعتقد البعض باعتبارها بايعت حسن البنا، وظلت إلى آخر حياتها تعتبر الإخوان المسلمين نقلة نوعية وقفزة إلى الأمام في العالم الإسلامي، وهي ترى الجانب الدعوي الجميل غير مبالية بما صاحب ذلك من خلافات سياسية وفتن اجتماعية بينهم وبين السلطة، إنما خلافاً كان دينياً ومع ذلك فإنها كانت تقول: ان الملك فاروق، حين تراجع في مواقفه وظلم نفسه ظل ملكاً له هيبته، وقد انتقلنا بعدها إلى مرحلة لا يعرف أصحابها معنى السلطة ولا قيمتها.
أما خلافاتها مع الجمعيات النسوية فإنها لم تتعد النقاش، وقد كانت أوسع صدراً من تيارات الحركات النسوية الأخرى، ففي الوقت الذي هوجمت فيه باعتبارها ضد التقدم، بقيت هي على عهدها وحبها الصادق لقائدة الحركة النسوية في مصر هدى شعراوي التي ماتت على صدرها على حد ما ذكرته لي في أحاديث خاصة صدرت في كتاب، ليس هذا فقط، بل إنها رفضت - دائماً - أي نقد يوجه لهدى شعراوي، ليس لكونها قائدة وزعيمة اجتماعية، وإنما للعلاقة الخاصة التي ربطت بينهما، حيث ولد فكر زينب الغزالي ومواقفها من تلك الحركة النسائية، وقد قوبلت بالأحضان من جانب هدى شعراوي وتولتها بالرعاية، وتوقعت قيامها بدور اجتماعي وسياسي فاعل، وهو ما حدث بالفعل.
والواقع أن إنشاءها لجمعية السيدات المسلمات، وبدعم من شيوخ الأزهر كان ضمن الحركة النسوية في ذلك الوقت، إلا أن اختيار الجانب الاجتماعي لذلك النشاط وانضمام نساء الطبقات العليا، بما في ذلك فريدة زوج الملك، وأزواج وبنات كثير من الوزراء وقادة الجيش والعلماء والتجار... الخ. كان المدخل لحراك اجتماعي واسع، تجاوبت معه السلطات ليس في مصر، إنما في بقية الدول العربية، ومنها السعودية، فقد روت لي أنها رافقت هدى شعراوي إلى الحج، وكان مرافقها الذي خصصته الحكومة السعودية غير متعلم، لذلك خاطها بعبارة"تعالي يا امرأة، إذهبي يا امرأة"، فتضايقت هدى شعراوي من ذلك، وطلبت منها أن تتدخل لدى السلطات السعودية، وبالفعل جاءها المسؤولون السعودون بمرافق متعلم، وهذه الحادثة تدل على أن التعامل مع الحركة النسائية - في السعودية تم في وقت مبكر، لكن ما دامت زينب الغزالي قد ركزت حديثها عن الخلافة الإسلامية، فما رؤيتها للحكم في السعودية؟
ربما تعد زينب الغزالي من القلائل الذين اعتبروا أن الخلافة الإسلامية قد اتخذت شكلاً جديداً، تراجع على مستوى الرقعة، لكنها عادت الى موطنها الأصلي، وهي شبه الجزيرة العربية، يتجلى ذلك في حوار أجري مع سكرتيرها الخاص محمد بدر - رئيس تحرير الأسرة العربية حالياً - بعد وفاتها، قال فيه:"كانت ترى في المملكة العربية السعودية، التي بدأ نجمها يلمع انها الدولة التي تطبق الإسلام وتدافع عنه، وكانت قوية العلاقة بحكام السعودية مثل الملك عبدالعزيز ثم الملك سعود... الى درجة أنها كتبت كتاباً اسمه"ملك وآمال شعب"ضمنته روايتها لآمال المسلمين في أن تكون هناك دولة تحكم بالإسلام وتدافع عنه، وتمثله في حركاته، وكانت هذه العلاقة لأنها كانت تذهب إلى السعودية للحج سنوياً والعمرة بين الحين والآخر... نحو 39 حجة و55 عمرة.
من جهتي لم أطلع على كتاب"ملك وآمال شعب"وأرى من الضروري إعادة نشره لمعرفة مرحلة من التاريخ الإسلامي، تتعلق بالانتقال من دولة الخلافة الإسلامية إلى دولة أرض الرسول ومكان دعوته، بل وقيام دولته التي نحتكم إليها في كثير من مواقفنا... وعلى العموم فإنها قد ذكرت لي المساعي التي بذلها الملك فيصل من أجل إطلاق سراحها، وكيف أنه وعد قبل ذلك ولم تنفذ الحكومة المصرية وعودها وأنه بعث وزيراً ليتأكد من إطلاق سراحها، بل إن الملك فيصل عرض عليها بعد خروجها من المعتقل عام 1971 أن تذهب إلى السعودية لتقيم هناك، وعرض عليها راتباً شهرياً كبيراً، لكنها أبت لقناعتها بأن مصر محضن الدعوة وتحتاج إلى من يتحركون فيها بين الناس، وكذلك فعلت إلى آخر يوم في حياتها.
لقد ركزت حديثي هنا عن جانب واحد من حياة الداعية زينب الغزالي، رأيت أنه الأهم بين قضايا كثيرة، ويتعذر هنا وفي مقالٍ كهذا تناول مختلف الجوانب الأخرى، لأنها تتطلب دراسة مستفيضة، وبعيداً من الدموع التي ذرفها أحباؤها وتلاميذها وبناتها، وبعيداً من الفراغ، الذي أحسه على المستوى الشخصي حيث فتحت لي قلبها ومكتبتها وبيتها، وكانت دائماً تدندن - كما تقول - بالقرآن، فكان هو مؤثراً في أخلاقها.
في لقاءاتي الكثيرة معها، حيث تبنت كتاباتي منذ 16 سنة خلت، أي منذ صدور كتابي الأول"البعد السياسي للحجاب"، ومنحتني فرصة تأليف كتاب عن حياتها، حيث روت لي جوانب كثيرة من حياتهاً، ومسحت عني معظم الأحزان حين اشتد الإرهاب في الجزائر، ولجأت إلى مصر مع عائلتي هاربة ممن فتن أهل السلطة والدين... لقد كانت دائماً تأتي على ذكر الخلافة الإسلامية وترى أنها عائدة مهما طال الزمن، وبعدت المسافة... وأتصور الآن، أن لا حديث عن تلك الخلافة عند النساء بعد رحيلها... أما الأمل في عودتها، فذاك دونه أمم وحضارات.
كاتبة جزائرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.