في فترة زمنية لا تتجاوز الشهر ضرب اعصار كاترينا الساحل الجنوبي للولايات المتحدة، ثم تلاه الاعصار ريتا، فالزلزال الذي لم يطلق عليه اسم وقضى على"جيل كامل"من الباكستانيين الصغار. التعامل الاعلامي مع هذه الكوارث الطبيعية جاء متفاوتاً لئلا نقول متناقضاً. ففيما بقيت"كاترينا"الخبر الاول في نشرات الاخبار لاكثر من اسبوعين كاملين، محتلة حيزاً واسعاً ايضاً من البرامج الحوارية، تراجع الخبرالباكستاني في شكل تدريجي منذ اليوم الثاني لوقوعه. يأتي ذلك في وقت لم يتجاوز عدد ضحايا"كاترينا"مجتمعين نحو ألفاً عدد الذين سقطوا في يوم واحد من الهزات الارتدادية في ولاية جامو وكشمير، وقد بلغوا 1300 شخص. وفي اليوم الاول للزلزال تحدثت أنباء عن الآلاف ممن لقوا حتفهم، حتى قاربت الحصيلة غير النهائية 30 الفاً! أما الجرحى، وبعضهم مهدد بالانضمام الى قافلة الموت، فهم حتى هذه الساعة 62 الفاً. 70 هزة ارتدادية في أقل من 24 ساعة، لم تلق التركيز الاعلامي الذي لقيته موجة واحدة من أمواج كاترينا، أو حتى"ريتا". فمع متابعتنا للكارثة الاولى، نقلت الينا وسائل الاعلام لا سيما المرئية منها صورة واضحة مفصلة عن الحدث. وشعرنا أننا نعرف"نيو أورلينز"حق المعرفة. فهمنا تنظيمها المدني والنسيج الاجتماعي لسكانها، ومستويات دخلهم. كذلك اطلعنا على تفاصيل صيانة السدود بفضل رسوم بيانية ظهرت على شاشاتنا ملونة متقنة، ودخلنا في نقاش أميركي داخلي عن اهمال الدولة لتلك الولاية أو عدم اهمالها لها. ترافق ذلك كله مع تحاليل مطولة عن الاعاصير، وأسبابها، وتسمياتها. في المقابل بالكاد عرفنا من الخبرالباكستاني عدد ضحاياه أو أكثر قليلاً. وقد تفاوت بين 20 الفاً بحسب المصادر الرسمية، و30 الفاً بحسب مصادر أخرى. 10 آلاف شخص، يتحولون فجأة خطأ تقنياً في ادارات الاحصاءات، ووسائل الاعلام لا يستوقفها الامر، بل تنقل الخبر بحياد ناسبة كل رقم الى مصدره. واهمال الحكومة الباكستانية صيانة المدارس، الذي أودى بحياة"جيل كامل، لم يتحول نقاشاً ساخناً على الشاشات كما كانت سدود"نيو أورلينز"لفترة غير وجيزة. حتى في مسألة المساعدات، توقفت وسائل الاعلام العربية عند خبر قبول الرئيس الباكستاني برويز مشرف معونة اسرائيل، ولم تلفتها رمزية تقديم الهند 350 مليون دولار لعدوها اللدود. اليوم، وبعدما هدأ"كاترينا"، وفيما لا تزال الارض في باكستان تتحرك وتبتلع أشخاصاً لكل واحد منهم قصته، ما زلنا نحن المشاهدين نعرف عن اعادة اعمار"نيو أورلينز"أكثر بكثير مما نعرف عن الزلزال الذي لا اسم له.