الذهب يتجه لتحقيق مكاسب مع تراجع الدولار    تراجع الدولار واليوان وصعود اليورو أمام الروبل الروسي    الأحمدي يكتب.. في مثل هذا اليوم انتصر الهلال    الجيش الأمريكي: تدمير 8 مسيرات تابعة للحوثيين في البحر الأحمر    ماكرون يتعهد بتقديم مقاتلات ميراج إلى أوكرانيا    الحقيل يفتتح مركز دعم المستثمرين بالمدينة المنورة ويتفقد عدداً من المشاريع البلدية    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    ابتداءً من اليوم.. حظر دخول واستخدام أسطوانات الغاز المسال بالمشاعر المقدسة خلال حج عام 1445 ه    الفريق سليمان اليحيى يقف على سير العمل بصالات الحج بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة    جمعية تعلم ومركز إشراقة يختتمان الدورة الشرعية الثامنة لنزلاء سجن المدينة    أغنيات الأسى    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    "بوليفارد رياض سيتي" و" أريناSEF " تستضيف كأس العالم للرياضات الإلكترونية    "ابن نافل" يسعى لكرسي رئاسة الهلال من جديد    "الأخضر" يتغلب على باكستان بثلاثية ويتأهل للمرحلة النهائية لتصفيات مونديال 2026    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    وفد من مجموعة البنك الدولي يزور هيئة تقويم التعليم والتدريب    "الأرصاد": موجة حارة على منطقة المدينة المنورة    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    موعد مباراة السعودية القادمة بعد الفوز على باكستان    «سدايا» تنال شهادة مواصفة الآيزو «iso 42001» العالمية    كوبا تعلن أن غواصة نووية روسية سترسو في هافانا الأسبوع المقبل    القطاع الخاص والاستثمار في الفضاء الخارجي    ذبّاح نفسه ما ينبكى عليه    قرض تنموي سعودي بالسلفادور ب83 مليون دولار    وزير التعليم يتفقد القطاع التعليمي بمحافظة الزلفي    الموارد البشرية: إجازة العيد 4 أيام تبدأ من يوم عرفة    مع التحية إلى معالي وزير التعليم    كيف تبني علامة تجارية قوية عبر المحتوى ؟    الركن الخامس.. منظومة متكاملة    انطلاق فعاليات الهاكاثون المصاحب للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    عمارة الحرمين.. بناء مستمر    بحضور وزير الاستثمار ومحافظ الزلفي.. وزير التعليم يرعى حفل جائزة الفهد لحفظ القران    أشهُرٌ معلومات    بن فرحان يبحث مع نظيريه السويسري والكندي مستجدات الساحة    بن نافل يُعلن ترشحه لرئاسة الهلال    الاتفاق يُحدد موقفه من فوفانا وجوتا    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تدشن مسرحها الجديد بأحدث التقنيات المسرحية    أمير القصيم يكرّم البشري بمناسبة حصوله على الميدالية الذهبية    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    اختصار خطبة الجمعة بالحج لشدة الحرارة    نجاح فصل التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية استغرقت 5 ساعات    بجراحة دقيقة مركزي بريدة يستأصل ورما نادراً ضاغطا على الأوعية الدموية    أمير القصيم يقف على جاهزية مدينة حجاج البر    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    "العُلا" سحر التنوع البيئي والتراث    انطلاق أيام البحر الأحمر للأفلام الوثائقية    وزير الدفاع يبحث مع العليمي مساعي إنهاء الأزمة اليمنية    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    المملكة تدين اقتحام عدد من المسؤولين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأعضاء الكنيست ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصى    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصلت الطاقة الانتاجية 3.8 الى مليون برميل يومياً والانتاج الحالي نحو مليونين . نفط العراق ... تجارب مريرة ومستقبل غامض
نشر في الحياة يوم 12 - 10 - 2005

من المعروف بأن العراق يمتلك ثاني اكبر احتياط للنفط في العالم منها 112 بليون برميل كاحتياط مؤكد و250 بليون برميل كاحتياط محتمل يتحول جزء منه الى مؤكد. ولكن السؤال الذي يطرح دائماً هو لماذا لا يشكل النفط العراقي سوى جزء يسير من النفط العالمي المتوافر في الأسواق؟ وفي الحقيقة فإن انتاج النفط العراقي خلال السنوات الپ25 الماضية، لم يتجاوز اكثر من 2.5 مليون برميل يومياً إلا في فترات قصيرة جداً.
خلفية تاريخية
ولفهم واقع الصناعة النفطية حالياً وفي المستقبل، من المفيد التذكير بأن اول بئر نفطية حُفرت في حقل كركوك العملاق في تشرين الأول اكتوبر 1927. لكن تأخر ايصال النفط الى الأسواق العالمية الى نحو منتصف الثلاثينات بسبب الصراع بين بريطانيا صاحبة الانتداب على العراق وفرنسا صاحبة الانتداب على سورية... وما ان عولج الأمر حتى بدأت الاضطرابات في العراق والثورة على البريطانيين في اوائل الأربعينات، ما ادى الى توقف النفط. وما ان استؤنف التصدير حتى بدأت الحرب في فلسطين وتوقف العمل بالضخ عبر انبوب مد من كركوك الى حيفا. وهكذا لم تتعد الصادرات العراقية سوى القليل وتخلفت عن مثيلاتها في الدول المجاورة، ولم تتصاعد إلا في الخمسينات وخصوصاً بعد اكتشاف حقل الرميلة في البصرة من جهة، وقيام الرئيس مصدق بتأميم النفط في ايران فترة وجيزة قبل اسقاط نظامه من جانب اميركا وبريطانيا.
وتجدر الإشارة الى ان تصاعد الصادرات خلال الخمسينات، وبالتالي ايرادات العراق على رغم حصة الأسد كانت من نصيب الشركات الاحتكارية صاحبة الامتياز ساعدت العراق في دخول مرحلة مهمة من الإعمار في شتى الميادين والقطاعات ومن خلال مجلس للإعمار.
بعد ثورة 1958 وقيام الحكومة باستصدار القرار 80 لعام 1961 حيث سُحب 99.5 في المئة من الأراضي الخاضعة للامتياز لعدم قيام الشركات باستثمارها، فإن الأخيرة اوقفت الجزء الأعظم من نشاطاتها الاستكشافية وتطوير الحقول. واستمر الوضع كذلك الى ما بعد ثورة تموز يوليو 1968، ومن ثم تأميم عمليات شركة نفط العراق عام 1972، وبقية حصص الامتياز في عامي 1973 وپ1975، عدا ما قامت به شركة النفط الوطنية بتطوير حقل شمال الرميلة.
طفرة الأسعار في 1973 و1979
ونتيجة للطفرات السعرية عامي 1973 وپ1979، فإن العراق استغل جزءاً لا بأس به من موارده لتطوير الصناعة النفطية الاستخراجية والتحويلية وتم اكتشاف الكثير من حقول النفط العملاقة مجنون - نهر عمر - غرب القرنة - الحلفايا - شرق بغداد وغيرها وارتفع بالتالي حجم الاحتياط النفطي اضافة الى تصاعد معدلات الإنتاج ليبلغ حجم الصادرات بحدود 3.5 مليون برميل يومياً وبطاقة انتاجية بحدود 3.8 مليون برميل. واستمرت تلك المعدلات لغاية نشوب الحرب العراقية - الإيرانية في ايلول سبتمبر 1980. ولم تصل معدلات الإنتاج والتصدير اللاحقة الى معدلات عام 1979 وليومنا هذا.
الحروب والحصار
كان من نتائج الحرب العراقية الإيرانية 1980 - 1988 إلحاق اضرار فادحة في كل المنشآت النفطية تقريباً، بما في ذلك منشآت التصدير، الإنتاج، التصفية، صناعة الغاز، ومنشآت النقل والخزن والتوزيع، وهبطت معدلات التصدير الى نحو 600 ألف برميل يومياً من خلال الخط العراقي - التركي والإنتاج الى نحو 800 ألف برميل يومياً.
وعلى رغم حجم الأضرار الفادحة وتركيز جهد كبير من اجل تصليح وصيانة المنشآت المتضررة، إلا ان العمل كان مستمراً ايضاً في انشاء مشاريع جديدة، حيث تم خلال الثمانينات انشاء ثلاث مصاف كبيرة بطاقة اجمالية 250 ألف برميل يومياً في مجمع بيجي وسط العراق، مضاعفة طاقة الخط العراقي التركي الى 1.6 مليون برميل يومياً، انشاء الخط العراقي عبر السعودية بطاقة 1.6 مليون برميل يومياً وغاز الجنوب وغاز الشمال ومشاريع خطوط انابيب داخلية مع مستودعات لأغراض المشتقات النفطية والغاز وغيرها... وتصاعد الاحتياط النفطي بفضل المزيد من عمليات الاستكشاف والحفر والتقويم ليصل الى 106 بلايين برميل عام 1990.
اما بالنسبة الى معدلات الإنتاج والتصدير، فقد بدأت بالتصاعد التدريجي بحيث ان الإنتاج الفعلي وصل في تموز 1990 الى 3.2 مليون برميل يومياً وكانت الطاقة الفعلية للإنتاج 3.8 مليون، ولكن وكما ذكر سابقاً فإنها لم تصل الى ما كانت عليه عام 1979.
ونتيجة لقيام النظام العراقي السابق بغزو الكويت في الثاني من آب اغسطس 1990، وبسبب قرارات الحصار التي اصدرها مجلس الأمن الدولي، فقد توقفت كلياً جميع الصادرات العراقية وهبط الإنتاج الى نحو 300 ألف برميل يومياً لتغطية حاجة المصافي الداخلية. وعند المباشرة ببرنامج النفط مقابل الغذاء في بداية عام 1997، كان الإنتاج الفعلي يتراوح بين 500 و600 ألف برميل يومياً.
لم تكد صناعة النفط العراقية تتعافى، حتى بدأت حرب الخليج الثانية في كانون الثاني يناير 1991، وكانت المنشآت اهدافاً رئيسة للطائرات والصواريخ، مما ادى الى إلحاق اضرار بليغة الكثير منها اكبر من تلك الناتجة عن الحرب العراقية ? الإيرانية، حيث بلغت في بعض المواقع حدود 90 في المئة. ولكن الكوادر النفطية العراقية تمكنت من بذل جهود جبارة لتصليح وصيانة منشآت الإنتاج والتصفية والخزن، إضافة الى محطات توليد الكهرباء وشبكات التوزيع وكذلك الماء، بحيث تمكن العراقيون من الحصول على مشتقات نفطية بنوعية دون المستوى والكهرباء خلال فترة 2-3 اشهر من توقف العمليات الحربية في حين مضى نحو 30 شهراً على الحرب الأخيرة بقيادة اميركا، والعراقيون ما زالوا يعانون الأمرين من نقص الكهرباء والماء والمشتقات النفطية.
وبالعودة الى معدلات الإنتاج التي بدأت تتصاعد منذ عام 1997 من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء، الذي تضمن في مراحله الأربع الأولى ولغاية اواخر 1999 سقفاً للإنتاج تم رفعه، وبدأت السلطات العراقية سياسة رفع الإنتاج الى اقصى معدلات ممكنة حيث بلغت 2.63 و2.61 و2.25 مليون برميل يومياً للأعوام 2000 و2001 و2002 على التوالي، وبلغت معدلات التصدير لتلك السنوات 2.08، 2.02 وپ1.63مليون برميل يومياً وفي بعض الفترات كانت معدلات الإنتاج تتراوح بين 2.8 و3 ملايين برميل يومياً ومعدلات التصدير نحو 2.5 مليون برميل.
وهنا تجب الاشارة الى أن التصعيد لتلك المعدلات كان قد ألحق ضرراً بالمكامن النفطية وخصوصاً الرئيسة منها كركوك، الرميلة لعجز العراق - بسبب الحصار المفروض - عن القيام بعمليات الصيانة والحفر وبرامج التطوير إضافة الى اعتماد سياسة تصعيد الانتاج من أجل تعظيم الموارد خلافاً للقواعد السليمة في الصناعة النفطية وإعادة حقن المشتقات في المكامن.
وتجدر الاشارة الى أن الأمم المتحدة كانت قد أصدرت تقارير عدة ومنذ عام 1998 تحذر فيها من تردي أوضاع الصناعة النفطية، إلا أن العراق كان عاجزاً بسبب احجام الشركات الهندسية وشركات المقاولات عن العمل في العراق بسبب قرارات الحصار، كما ان لجنة الحصار التابعة لمجلس الأمن الدولي كثيراً ما رفضت أو تماطلت في السماح باستيراد معدات ومواد لازمة وأساسية للصناعة النفطية، بحجة انه يمكن استخدام تلك المواد لأغراض عسكرية... وفي تقرير للأمم المتحدة في حزيران يونيو 1998 ورد فيه"ان صناعة النفط العراقية في وضع مزرٍ كما انه وبسب سياسة زيادة الانتاج فإن ما يقرب من 20 في المئة من الآبار قد تضررت الى درجة لا يمكن اصلاحها". وفي تموز 1999 ذكر تقرير آخر"ان انتاجية الآبار قد تقلصت في شكل خطير وأحياناً لدرجة غير قابلة للاصلاح... وهبط الانتاج في الحقول الجديدة بنسبة 2 في المئة إلا أن النسبة تصل الى 15 في المئة في الحقول القديمة كما في كركوك".
ماذا حدث في عام 2003 وبعدها؟
لم تتعرض المنشآت النفطية للقصف المباشر خلال الحرب الأنكلو - أميركية الأخيرة على العراق في آذار مارس 2003، ولم ينتج خلال الأيام الأولى سوى احتراق سبع آبار في حقل الرميلة لأسباب ما زالت مجهولة، ومجمع الأنابيب قرب مصافي بيجي في منطقة الفتحة ومستودع النفط الخام في حديثة.
لا يزال البعض يتصور ان القوات الأميركية والبريطانية قامت بفرض حماية شاملة على النفط العراقي، وهو أمر غير صحيح مطلقاً. وما حدث فعلاً هو ان القوات الأميركية قامت بإرسال قوة حماية لمجمع وزارة النفط في بغداد. وبعد أن تعرض لمدة يومين لمحاولات محددة سُرق خلالها بعض الوثائق والاقراص المدمجة وأُشعلت حرائق محدودة، إلا ان الضرر الحقيقي حصل لاحقاً لغالبية منشآت الانتاج والضخ في الشمال والجنوب بما في ذلك مقرات شركة نفط الجنوب في البصرة وشركة نفط الشمال في كركوك، اللتين تعرضتا لعمليات واسعة من أعمال النهب والسلب والحرق والدمار لأسابيع عدة من دون قيام القوات الأجنبية بمد يد العون أو المساعدة، ناهيك عن الحماية على رغم وجودها بالقرب من تلك المنشآت، سواء في الحقول أو المراكز أو المستودعات والمجمعات. وحتى مركز الحبيبية في بغداد ومركز الهزدان في أطراف بغداد لم تسلم من أعمال النهب والسلب للوثائق ونماذج أطياف الآبار اضافة الى المعدات والمواد ووسائط النقل وأجهزة الحفر...
أما بالنسبة للمصافي، فقد تمت حمايتها من جانب العاملين فيها على رغم تعرضها لمحاولات اختراق عدة من العابثين ولم يتم توفير الحماية لها إلا بعد بضعة أسابيع.
وفي حزيران 2003 قام العراق بالبدء بعمليات الانتاج وكذلك بيع النفط المخزون في خزانات جيهان في تركيا بواسطة المزاد. وبدأت أرقام الانتاج بالتصاعد التدريجي مع تفاؤل كبير من قبل أوساط دول الاحتلال وتوقعاتها لانتاج نفطي غزير!! ولكن الواقع كان خلاف ذلك.
واقع الصناعة النفطية العراقية اليوم
ولو نظرنا الآن وبعد 30 شهراً من الاحتلال لوجدنا ان واقع الصناعة النفطية العراقية يمكن وصفه كما يلي:
- فشلت برامج الصيانة والتصليح التي أطلق عليها R10II, R10I من جانب الجهات الأميركية وبتمويل منها في تحقيق أي نتائج تذكر، بل ما زالت بعض الأعمال التي بوشر بها منذ حزيران 2003 غير منجزة كمنشآت حقن الماء في البصرة ومجمع الأنابيب في الفتحة قرب بيجي وكابسات الغاز وغيرها.
- اما بالنسبة لبرامج وزارة النفط والمشاريع التي خُطط لها خلال عامي 2004 و2005، فلم تحقق بدورها سوى نجاح محدد في مجال اعادة التأهيل والصيانة لاسباب تتعلق بانعدام الأمن وعدم توفير الحماية، اضافة الى شح الموارد المالية وعزوف الشركات الاجنبية عن العمل في العراق لانعدام الامن والسلامة، والبيروقراطية في السير بالمشاريع واسباب اخرى.
- تأخر برامج تقويم حالة المكامن النفطية. ولم يتم في شكل اساسي سوى احالة المرحلة الاولى من مشروع دراسة مكامن كركوك والرميلة في اوائل عام 2005، ولا يتوقع ظهور النتائج قبل اوائل عام 2006 ويتم السير بأعمال المرحلة الثانية.
- عدم استطاعة الوزارة السير ببرامج الحفر الجديدة او استطلاع الآبار القديمة، وما تحقق لم يتعد سوى كمية محدودة لا تتناسب وحجم العمل المطلوب فعلاً.
- لا يزال الجزء الاكبر من منشآت حقن الماء ومعاملة النفط الرطب في الشمال والجنوب بحاجة الى الاكمال.
- عدم القدرة على صنع أعمال التخريب لشبكات الانابيب وخصوصاً في الوسط والشمال على رغم ما صرف من مبالغ طائلة لشركات اجنبية ومحلية وعشائر وغيرها.
- تعمل المصافي حالياً بطاقة 60 - 70 في المئة بالنظر للحاجة الى عمليات صيانة شاملة اضافة الى تعرض انابيب النفط الخام المجهزة للمصافي لعمليات تخريب.
- بدأت مظاهر النقص وشح المشتقات النفطية بالظهور والتوسع التدريجي، بل ان السلطة الاميركية في العراق باشرت من خلال شركة هاليبرتون عمليات الاستيراد منذ اواسط 2003.
ومنذ اواسط 2004 بدأت السوق السوداء بالانتعاش نوعاً وحجماً بحيث اصبحت تشمل انواعاً من المشتقات، وارتفع السعر في السوق السوداء احياناً لما يزيد على 50 ضعفاً من الاسعار الرسمية، واصبح العراقيون يصطفون لعدة كيلومترات وساعات من اجل الحصول على مادة البنزين.
- وكما ذكرنا فان عمليات الاستيراد تشمل الآن البنزين وزيت الغاز والغاز السائل والنفط الابيض، ووصلت تكاليفها حالياً لما يزيد على 300 مليون دولار شهرياً.. ويبدو ان العراق صرف فعلاً ما يقرب من ستة بلايين دولار وسيستمر الاستيراد لسنوات عدة... وقد تطرق الكثير من تقارير المنظمات الاجنبية وكذلك الامم المتحدة والكونغرس الاميركي ووسائل الاعلام الاجنبية والمحلية الى عمليات الفساد في التعامل بالنفط ومشتقاته.
- وعلى رغم مرور 30 شهراً على الاحتلال، فان عمليات التهريب وخصوصاً من خلال شط العرب وخور الزبير، ما زالت مستمرة على رغم تواجد القوات المتعددة الجنسية والقوات العراقية... وتدعي بعض التقارير المنشورة في الصحف العراقية أن هناك احزاباً سياسية وميليشيات وعصابات تتعامل بهذه النشاطات بما في ذلك اعادة تهريب المشتقات المستوردة..
- ان الادعاء بقيام العراق بالسماح بدخول مئات الالوف من السيارات قد ادى الى مضاعفة الحاجة لا يبرر مطلقاً الوضع المتردي الذي وصلت اليه حالة المشتقات النفطية ومعاناة العراقيين.
- قامت الوزارة باحالة عدد محدود من المناقصات على اساس"التصميم والشراء"من دون البناء ذات علاقة بمصافي الدورة والبصرة، وتم ذلك بعد ان استغرقت عمليات الاعلان والاحالة وفتح كتب الاعتماد ما يزيد على السنة، ولا يتوقع لاي من هذه المشاريع ان تنجز قبل عام 2007.
- تعرضت وزارة النفط ومنذ الحرب الاخيرة الى تغييرات مستمرة في هيكلية وعمل مركز الوزارة، اضافة الى التغيير المستمر في قيادات الشركات والدوائر، مما يبعث على القلق في نفوس الكوادر القيادية وانعدام مبدأ الاستمرارية.
اما بالنسبة لمعدلات الانتاج والتصدير والتي كان كبار المسؤولين الاميركيين قد توقعوا تحقيقها، فكان يفترض وصولها الى 3 ملايين برميل يومياً في نهاية عام 2003، الا ان ما تحقق من ارقام فعلية هو على الشكل التالي:
وهكذا يلاحظ نمط الانحدار المستمر ما يجعل العراق - وتطور اسعار النفط العالمية والتي بلغت اكثر من 60 دولاراً للبرميل - يخسر العشرات من البلايين والتي كان من الممكن استخدامها لاغراض اعادة الاعمار وعدم الحاجة الى الهبات والمعونات والصدقات وتراكم الديون عليه.
خطط تطور الانتاج
منذ عام 1979 قامت الوزارة وشركة النفط الوطنية بوضع خطط تفصيلية لرفع طاقة الانتاج الى 5.5 - 6 ملايين برميل يومياً، الا انه تعذر تنفيذ ذلك اكثر من مرة بعد ثلاثة حروب وفرض وحصار دام 13 سنة لم ينته الا بعد شن الحرب الاخيرة في آذار 2003.
في عام 1979 أكملت الوزارة إعداد وثائق مناقصة على اساس التنفيذ باسلوب التصميم والشراء والبناء مع عدد من الشركات العالمية والهندسية لتطوير خمسة حقول عملاقة هي: غرب القرنة، مجنون، نهر عمر، الحلفايا وشرق بغداد. وتم بالفعل التوقيع مع احدى المؤسسات السوفياتية لحفر المئات من الآبار في حقل غرب القرنة، ومع شركة براون اند رووت الاميركية لتوسيع ميناء البكر العميق حالياً ميناء البصرة النفطي.. الا ان هذه الخطط وضعت على الرفوف بسبب بدء الحرب العراقية - الايرانية في 1 ايلول 1980.
فمرة اخرى تم احياء هذه الخطة في شباط فبراير 1990 وعلى اساس التعاون مع شركات النفط العالمية وغيرها ووفق اسس مشاركة على غرار اعادة الشراء Buy Back. وتم بالفعل توجيه الدعوات واستلمت الأجوبة من الشركات في حزيران يونيو من العام نفسه. ولكن مرة اخرى توقفالعمل بهذه الخطة بسبب اقدام النظام العراقي السابق على غزو الكويت في الثاني من آب 1990.
وبعد توقف حرب الخليج الثانية واخراج القوات العراقية من الكويت، باشر النظام السابق بمحاولاته مع شركات نفط عالمية من اجل تطوير الحقول ضمن خطط استخدام النفط كسلاح سياسي. ومنذ ايار مايو 1991 بدأت مباحثات مع كل من شركة توتال الفرنسية حقل نهر عمر وشركة إلف الفرنسية حقل مجنون وعلى اساس الاتفاق باسلوب مشاركة الانتاج. وعلى رغم استمرار هذه المباحثات لغاية عام 2000 والتوصل الى صيغ شبه كاملة، فانه لم يتم التوقيع على أي عقود مع الشركات الفرنسية. لكن العراق افلح في عام 1997 بتوقيع عقد للمرحلة الثانية من حقل غرب القرنة 600 الف برميل يومياً جنوب العراق مع شركة لوك اويل الروسية وحقل الاحدب 100 الف برميل يومياً في وسط العراق مع شركة CNPC الصينية وعلى اساس اسلوب مشاركة الانتاج، وكذلك عقد مع شركة ONGC الهندية لمنطقة جنوب العراق، اضافة لاتفاقات لاحقة مع شركات من دول مختلفة مثل فيتنام واندونيسيا والجزائر، كان آخرها في كانون الثاني 2003 مع احدى الشركات الروسية.
وتجدر الاشارة هنا الى انه لم يتم تنفيذ أي من تلك العقود والاتفاقات لحرص الاطراف الاجنبية فيها على عدم خرق نظام وقواعد الحصار المفروض على العراق من جانب الامم المتحدة ما حدا بالنظام العراقي السابق لإلغاء العقد من طرف واحد مع لوك اويل الروسية... ويتوقع ان تخضع هذه العقود والاتفاقات خلال السنوات المقبلة لاعادة تفاوض قد تؤدي الى تعديلها او الغائها.
لقد صدرت بعد الحرب الاخيرة تصريحات عدة لمسؤولين عراقيين حول موضوع تطوير الطاقات الانتاجية، الا ان عدم الاستقرار السياسي والامني والتغيير المستمر في ادارة الدولة بدءاً بالحاكم الاميركي بريمر ومجلس الحكم المحلي، ثم حكومة موقتة فانتخابات الجمعية الوطنية ثم الحكومة الانتقالية الحالية، ولاحقاً انتخابات نهاية العام الحالي، ثم حكومة جديدة من المتوقع تشكيلها في شباط 2006، كل ذلك ادى الى ان كل الافتراضات والتوقعات كانت تدور في حلقة مفرغة وفي نفق مظلم.
ومن اجل تنفيذ الجزء الاول من خطة تطوير الانتاج الى معدلات عام 1990، والبالغة بحدود 3.5 مليون برميل يومياً فلم يحصل سوى تقدم محدود. فعلى رغم اصدار وزارة النفط لمناقصات على اساس التصميم والشراء وقيام الوزارة بالتنفيذ لتطوير طاقات عدد من الحقول الصغيرة خرماله، حمرين، صبّه ولحيس فان العقد الخاص بحقل خرمالة هو الوحيد قيد التنفيذ الفعلي. اما العقود الاخرى فما زالت تنتظر الاحالة او توقيع العقود أو فتح كتب الاعتماد... ويؤمل للعقد المتعلق بحقل خرماله ان يضيف بحدود 50 الف برميل يومياً ولكن ليس قبل اواسط 2007 في حال المضي باعمال البناء.
دور شركات النفط العالمية
اما بالنسبة لدور شركات النفط العالمية او شركات النفط الوطنية والتي كانت تطمح الى المساهمة في انتاج النفط العراقي، فإن من غير المتوقع ان يكون لها أي دور على المدى القصير او المتوسط. فمن المتفق عليه بين جميع الاطراف ان موضوع الامن والاستقرار هو اخطر مشكلة تتم مواجهتها وهي مرتبطة ومتداخلة مع تطور العملية السياسية في العراق، اضافة الى تواجد ودور قوات الاحتلال... وفي الوقت نفسه فإن من الضرورة والاهمية ان يتم التعامل بهذا الموضوع من جانب مؤسسات لها وجود مستمر وليس مؤسسات ذات طبيعة موقتة لا تتجاوز اعمارها بضعة اشهر... والعراق اليوم على ابواب مرحلة جديدة تتمثل بالاستفتاء على دستور في 15 تشرين الثاني ما زالت الخلافات على بنوده على اشدها بين الأطياف الرئيسة للمجتمع العراقي، ثم اجراء انتخابات لحكومة قد يطول وجودها في 15 كانون الاول فيما لو تم اعتماد الدستور، وبعكسه تجرى الانتخابات لحكومة موقتة تقوم بإعداد مسودة دستور جديد وانتخابات اخرى في منتصف عام 2006. وعليه ومن اجل فتح المجال امام الشركات الاجنبية للتوصل الى اتفاقات طويلة الامد في العراق فإن الحاجة تتمثل بتوفير الآتي:
- حكومة اصيلة يتوقع تشكيلها في شباط المقبل وان لم تحقق فربما في الربع الثالث من عام 2006.
- قانون جديد للثروة الهايدروكاربونيه يتيح المجال امام الاستثمارات الاجنبية في قطاع النفط ومساهمة شركات النفط الاجنبية فيه... ومثل ذلك قد لا يمكن تحقيقه خلال فترة قصيرة في ضوء الاوضاع السياسية والامنية المقبلة. وحتى في حال تحققها فقد يكون القانون موضع خلاف رئيس بين الاطراف السياسية كما هي الحال في الكويت، حيث مضى اكثر من 12 عاماً على موضوع مشابه ولم يُحسم حتى الآن.
- القوانين الادارية والمالية اللازمة لضمان الاستثمارات الاجنبية.
- اعادة تنظيم القطاع النفطي واعادة استحداث شركة النفط الوطنية العراقية.
- اعتماد سياسة نفطية واضحة للقطاعين الاستخراجي والتحويلي، تتضمن المبادئ الاساسية بما في ذلك انماط التعامل مع الشركات الاجنبية مشاركة الانتاج، اعادة الشراء، التطوير والانتاج، عقود الخدمة وربما اعتماد اكثر من نمط او صيغة بحسب الحقول المختلفة.
- تحديد اولويات العمل بدءاً من الحقول العملاقة وغيرها... لقد وضعت الوزارة في برامجها المعلنة منذ عام 1995 اكثر من 33 حقلاً موزعة على ارجاء العراق... وستكون هناك مشكلة توفير الكوادر والخبرات اللازمة للتفاوض والتعاقد والاشراف على سير العمل سواء الفنية منها او القانونية والمالية مما قد يفرض على الوزارة اللجوء الى مكاتب استشارية وبالتالي الدخول بمراحل الاختيار والمتعاقد معها.
النفط والدستور المقترح
ان ما تقدم سيعتمد كلياً الآن على ما ورد في الدستور المعروض للاستفتاء، وذلك في ما يتعلق بشؤون النفط والغاز والتي تحتوي في مضامينها على احتمالات قوية من الصراعات والاختلافات في ما بين الاجهزة المركزية من جهة والاقاليم والمحافظات المنتجة من جهة اخرى. وستكون احد العوامل الرئيسة حتماً في تأخير برامج التطوير. وتدرج في ادناه الفقرات ذات العلاقة:
المادة 108:
النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات.
المادة 109:
1- تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها في شكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لفترة محددة للاقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة في البلاد. وينظم ذلك بقانون.
2- تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.
المادة 111: وهي فقرة عامة ذات خطورة وتأثير كبيرين على العراق.
كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما.
ان المواد اعلاه ستساعد حتماً على خلق ظروف وأجواء ستؤدي بالنتيجة الى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار بالنسبة الى الصناعة النفطية... ان المنطق المقبول هو ان تتم ادارة شؤون النفط في شكل مركزي وبالتشاور مع الاقاليم والمحافظات، ويكون القرار النهائي للسلطات المركزية من حكومة او برلمان... وفي الوقت الذي ما زالت فيه مفاوضات الساعة الاخيرة تدور حول المبادئ العامة، الا ان الاهتمام بفقرات تفصيلية لا تقل اهمية يبدو شبه معدوم.
استنتاجات
وفي الختام لا بد من ان اشير الى انني اتوقع على المدى القصير استمرار معدلات الانتاج السنوية بحدود 1.8-2 مليون برميل يومياً ومعدلات التصدير بحدود 1.5 مليون برميل يومياً وللسنتين المقبلتين. كما انني لا اتوقع بلوغ معدلات الانتاج 3.5 مليون برميل يومياً قبل عام 2009، ولن نكون هناك طفرة في الانتاج الى 6 ملايين برميل من خلال مساهمة شركات النفط الاجنبية قبل 2012-2014.
قد يعتبر البعض ما تقدم بأنه يمثل نظرة تشاؤمية ولكن هذه هي قراءتي على ضوء التجارب الماضية والاوضاع الحالية للعراق وصناعته النفطية. وأملي ان تكون هذه التوقعات خاطئة ويمكن التوصل الى نتائج افضل وفي وقت مبكر لما فيه مصلحة العراق والشعب العراقي.
* وزير النفط العراقي الأسبق والرئيس السابق لشركة النفط الوطنية العراقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.