اللجنة العليا المنظمة تكشف تفاصيل ماراثون وسباق الشرقية الدولي 27 بحضور قيادات اللجنة المنظمة    وزارة الرياضة تُكرّم إدارة المسؤولية الاجتماعية بنادي الخليج ضمن مبادرة "فيكم الخير"    المركزي الروسي يواصل تخفيض سعر صرف العملات الرئيسة أمام الروبل    مؤسسة سقاية الأهلية توقع اتفاقية مع مجلس الجمعيات الأهلية ضمن منتدى القطاع غير الربحي الدولي 2025    القيادة تهنئ رئيس جمهورية فنلندا بذكرى استقلال بلاده    أمطار غزيرة على مناطق الحدود الشمالية والجوف وتبوك    ترابط الشرقية تحتفي بمتطوعيها في يوم التطوع السعودي العالمي    مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنجران يلتقي مدير التعليم بالمنطقة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي الدفاع الجوي بجازان    ارتفاع أسعار النفط عند التسوية    أمير القصيم يكرم بندر الحمر    سكالوني يتمسك بنفس العقلية في رحلة دفاعه عن لقب كأس العالم    سالم الدوسري عن قرعة المونديال : لكل حادث حديث... حالياً تركيزنا على كأس العرب    نائب أمير الرياض يعزي رئيس مركز الحزم بمحافظة وادي الدواسر في وفاة والدته    نجل بولسونارو: والدي دعم ترشحي لرئاسة البرازيل في 2026    البيت الأبيض: أوروبا معرضة لخطر «المحو الحضاري»    اكتشاف استثنائي لمئات التماثيل الجنائزية بمقبرة تانيس في مصر    الأخضر يتغلب على جزر القمر بثلاثية ويتأهل لربع نهائي كأس العرب    المكسيك تواجه جنوب إفريقيا في افتتاح كأس العالم 2026    التعادل السلبي يحسم مواجهة المغرب وعُمان في كأس العرب 2025    نادي وسم الثقافي بالرياض يعقد لقاءه الشهري ويخرج بتوصيات داعمة للحراك الأدبي    بمشاركة 3000 مستفيدًا من منسوبي المساجد بالمنطقة … "الشؤون الإسلامية" تختتم برنامج "دور المسجد في المجتمع" لمنسوبي مساجد الشريط الحدودي بجازان    سيبراني تختتم مشاركتها في بلاك هات 2025 وتُعزّز ريادتها في حماية الفضاء السيبراني    Gulf 4P, CTW & Mach & Tools 2025 المنصّة الإقليمية الرائدة للابتكار والتقدّم الصناعي    خطيب المسجد النبوي يبيّن مكانة آية الكرسي وفضلها العظيم    الدكتور المعيقلي يزور مقر الاتحاد الإسلامي في جمهورية مقدونيا الشمالية    مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون يفوز جائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يشارك في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025    هيئة الهلال الاحمر بالباحة تشارك جمعية الاطفال ذوي الاعاقة الاحتفاء باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    جمعية التطوع تفوز بالمركز الأول في الجائزة الوطنية للعمل التطوعي    وزير التعليم يلتقي القيادات بجامعة تبوك    اللواء العنزي يشهد حفل تكريم متقاعدي الأفواج الأمنية    اعلان مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    أمين جازان يتفقد مشاريع الدرب والشقيق    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع السعودي والعالمي 2025م    جمعية سفراء التراث تحصد درجة "ممتازة " في تقييم الحوكمة لعام 2024    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير تبوك يواسي في وفاة محافظ الوجه سابقاً عبدالعزيز الطرباق    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عندما سكت البلبل" مسرحية تحمل آلام فلسطين الى ادنبره
نشر في الحياة يوم 23 - 09 - 2004

يعتبر مهرجان ادنبره من ابرز المهرجانات الثقافية المعروفة عالمياً، ويقام في شهر آب اغسطس من كل عام. يأتي إليه آلاف الناس من مسافات بعيدة لحضور المسرحيات المختلفة والمعارض، وسماع الموسيقى، والانخراط في النقاشات حول فنون العرض ووسائله، والمشاركة في نشاطات متنوعة تجعل منه اكبر حدث مسرحي في العالم. الفنادق مملوءة بالنزلاء، الطرقات مزدحمة، والمدينة كلها تعج بالنشاطات. وبانتقالي من لندن الى ادنبره منذ مدة، لحضور مسرحية "عندما سكت البلبل" المشاركة في المهرجان، على خشبة مسرح "ذا ترافرس"، شعرت وكأن فلسطين قدمت الى اسكوتلندا.
المسرحية لاقت اصداء جيدة في الإعلام، إذ شكّلت تذكيراً قوياً بتأثير الاحتلال في الحياة اليومية للفلسطينيين العاديين. ولفتت ايضاً الى ان الناس العاديين مضطرون على القيام بأعمال خارقة في وجه احتلال وحشي نسي، لمدة طويلة، القوانين الدولية وأهمية معاملة الإنسان بإنسانية.
كتاب رجا شحادة "عندما سكت البلبل"، مبني على يوميات دوّن فيها تجارب شخصية عاشها بين شهري آذار مارس ونيسان ابريل 2002، عندما كان يعيش في رام الله، حيث عانى كغيره من سكان المدينة همجية الاحتلال الإسرائيلي.
إضاءة المسرحية شكلت تذكيراً قوياً بضرورة العيش في الظلال، في ظروف حظر التجول. وفي بعض الأحيان، يتكلم شحادة، الذي يؤدي دوره الممثل البريطاني من اصل لبناني كريستوفر سايمون، تارة من جانب الخشبة، وتارة اخرى من وراء باب مفتوح جزئياً، بينما ينتشر ظله على شاشة كبيرة... كنا نراه يخاطب العالم.
مدير الإضاءة، شاهين يافرويان، يلفت الى تأثيرات الاحتلال البعيدة المدى، من خلال الظلال. فالإضاءة لعبت دوراً درامياً في العرض، وشكّلت بحد ذاتها موقفاً مما يجري. وإضافة الى أداء سيمون المميز، اسرت الأضواء والكلمات الحضور لمدة ساعة وربع الساعة. وعندما خرجنا الى ضوء النهار، بعد انتهاء العرض، تذكّرنا ان اولئك الذين يعيشون في حظر التجوّل، ممنوعون من رؤية الشمس، ومن التنزّه في الحدائق، ومجبرون على البقاء في الظلال.
لا يحاول الاحتلال إجبار الفلسطينيين على العيش في الظلال فحسب، مع هؤلاء يأبون ذلك، بل ايضاً يلقي بظلاله على كل اسرائيل، وعلى الجنود الشبان الذين يعانون بدورهم قسوة نظام لا يقبل ان يقر بإنسانية الشعب الفلسطيني.
اي نوع من المواطنين سيصبح هؤلاء في المستقبل، وهل هناك اي امل لبلادهم، وأي نوع من الزعماء سينتخبون؟ المسرحية لا تعطي جواباً عن هذا السؤال، لكن كل مشاهد يمكنه ان يجيب عليه. فمع ان المسرحية سياسية التوجه وتركّز على لا اخلاقية الاحتلال، يركّز العرض على حاجات الفرد العادي الذي يجب عليه الاستمرار في حياته، على رغم الأحداث المحيطة به.
خشبة المسرح تبدو وكأنها عائمة. وتبدو اسرائيل وكأنها تحاول محو فلسطين وشعبها من الخريطة. إلا ان العرض يذكّرنا بأن فكرة فلسطين ووجودها، تبقى عائمة فوق المحتلين في عقول ناسها وممارساتهم اليومية. وتبين مسرحية شحادة ان الناس العاديين يستطيعون، من خلال مواصلة حياتهم اليومية، ان يرفضوا قبول الواقع الذي يأمل المحتلون ترسيخه.
وفي مرحلة اخرى من العرض، تتحول السجادة المنبسطة على الخشبة الى خريطة، يشرح عليها شحادة الطريقة التي قسّمت بها قوات الاحتلال رام الله الى قطاعات. وتظهر الخطوط على الخريطة وكأنها مرسومة في الرمل. وهذا ما يذكّر الحضور بالطريقة التي دمّرت فيها فلسطين عندما تأسست اسرائيل، بعدما قامت القوى الدولية برسم خطوط في الرمل.
العرض ذكّر الحضور بسياسة اسرائيل المعلنة لتدمير السجلات المدنية في فلسطين، متى تسنى لها ذلك. وأثناء احتلال رام الله، تم تخريب مبنى وزارة الثقافة، ودمّرت السجلات الموجودة فيه. وسمع الحضور انه عندما تدمّر سجلات مجتمع، فإنك تقترب من تدمير المجتمع نفسه.
قوة العرض لا تكمن في محاولة استنهاض الناس الذين يودون عودة فلسطين الى الفلسطينيين، إنما تنبيه اولئك الذين لا يدرون ماذا يحصل او لا يحفلون به، وأثر ذلك في نفوس الناس العاديين.
وفي حديث مع مخرجي مسرح "ذا ترافرس"، بدا واضحاً ان المسرحية أثّرت في كثير ممن شاهدوها. ومهرجان ادنبره يستقطب الزوار من كل انحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة. وأدلى عدد من الزوار الأميركيين، بعد مشاهدة العرض، بالآراء الآتية: "لم يكن لدي اي فكرة عما كان يحدث هناك". "لا نرى ابداً شيئاً من هذا القبيل على شاشات "سي ان ان" و"فوكس".
كريستوفر سايمون، الممثل الذي أدى دور شحاده في هذه المونودراما، يبقى على الخشبة لمدة ساعة وربع الساعة، احياناً يظهر مكتملاً، وأحياناً اخرى يقبع في الظلال. ويبرز كل انواع المشاعر التي تتكون لدى الرازحين تحت احتلال بغيض. وفي الوقت نفسه، يسمح للقصة بأن تأخذ مجراها وتتجلى تفاصيلها، من دون المبالغة في التمثيل. إن ترك المشاهد يتوصل الى استنتاجاته الخاصة، يضفي ثقلاً وقوة على اي قطعة فنية. وهذا العرض لم يحد عن هذه القاعدة.
شخصية شحادة في المسرحية، تبدو كأنها تريد ان تحارب الاحتلال واللاإنسانية التي يأتي بها، عبر المضي في العيش بطريقة طبيعية قدر المستطاع. يريد ان يتمشى على التلال كأي شخص عادي ينعم بحياة عادية. إلا ان شحادة ليس شخصاً عادياً. كتابه الهادئ الذي افضى الى مسرحية هادئة ضمن مهرجان ادنبره الصاخب، يقدم حقيقة ما يدور في فلسطين، الى ناس لم يكونوا ليدروا بها اطلاقاً.
حائط برلين لم يدكّ بالقنابل. التمييز العنصري في جنوب افريقيا لم يدمّر بالسلاح. سقوط الشيوعية والعنصرية حصلا من خلال ضغط مارسه، في نهاية المطاف، ناس عاديون، وذات يوم، سيؤدي الضغط نفسه الى جعل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة مرفوض لدى المجتمع الدولي، مثله مثل الشيوعية والتفرقة العنصرية. وأعمال مثل "عندما سكت البلبل" تساعد في تقريب هذا اليوم. شحادة ليس محامياً عادياً!
تنبغي تهنئة كل من رجا شحادة وديفيد غرييغ، الكاتب المسرحي الذي حول كتاب شحادة الى نص مسرحي، ومسرح "ذا ترافرس"، على إنتاجهم مسرحية قوية، وفي نظر البعض مثيرة للجدل. مسرح "ذا ترافرس"، الذي يقوم على تبرعات الداعمين والجهات الراعية، يُحترم على اساس انه مسرح نص جديد. والمؤسسة تبحث حالياً في إمكان تنسيق جولة في الولايات المتحدة وربما الشرق الأوسط. وينبغي دعمها لتتمكن من تنسيق جولة للمسرحية في مناطق لا تعي تماماً ما الذي يحدث للفلسطينيين العاديين، في حياتهم اليومية، تحت احتلال غير عادي وغير شرعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.