أيقظ الكاتب البحريني خالد البسام عشرات الوثائق والأوراق القديمة النائمة، عن حكايات أو مغامرات فرق التبشير المسيحية الأميركية في العراق قبل أكثر من مئة عام، ترجمها في كتاب صدر له أخيراً، تحت عنوان "ثرثرة فوق دجلة: حكايات التبشير المسيحي في العراق 1900 - 1935". مؤسسة الدراسات العربية. ويروي الكتاب أكثر من عشرين حكاية مزودة بالصور النادرة عن العراق، وقائع وتقارير وقصصاً خاضها المبشرون الأميركيون في بداية القرن العشرين أثناء عملهم في مدن العراق وقراه، عندما جاؤوا محملين بالكراريس ومشارط الطب وطباشير المدارس. ويذكر البسام في مقدمة الكتاب، ان مواجهات دينية وسياسية وحضارية كبيرة ومتنوعة، دارت بين المبشرين والعراقيين، وامتدت رحاها منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى قيام ثورة تموز في العراق 1958. وبحسب الوثائق، فان نشاطات أو فعاليات المبشرين الأميركيين في البصرة، بدأت في 1891، بتوزيع أو بيع الكتب والكراريس، مثل الإنجيل والكتاب المقدس، والدخول في نقاشات ساخنة مع أهالي البصرة حول المسيحية والإسلام0 وفرضت السلطات التركية، التي كانت تحكم العراق آنذاك، شروطاً قاسية على أعضاء الإرسالية، إذ صادرت في كثير من الأحيان كتبهم، واضطهدت واعتقلت مبشريهم، وأغلقت مكتباتهم. بيد ان تمتع المبشرين بالجنسية الأميركية، كان مبرراً لتدخل حكومتهم وقنصلياتها، وممارسة الضغط على الأتراك، مما سهّل عمل المبشرين في البصرة وجنوب العراق. وفي تقرير للإرسالية بتاريخ الأول من كانون الثاني يناير 1894، اقترح جيمس كانتين، وهو أحد المبشرين، مدينة العمارة كمكان لتوزيع كتب التبشير، وفتح مكتبة لبيع الكتب المقدسة. في 1895 افتتحت مكتبة التبشير، من دون معارضة في البداية غير انها أغلقت فيما بعد، ثم بيعت على يد الحكومة التركية، عندما سرت إشاعات بأن "البروتستانت ينوون تثبيت أنفسهم في العمارة بصورة دائمة". وأعيد فتح المكتبة بعد تدخل عاجل من القنصلية الأميركية في بغداد. وتفيد إحدى الوثائق ان موزع كتب التبشير غادر العمارة، بعد القبض عليه أثناء الصلاة، والتحقيق معه والتهديد بسجنه. وأدى احتراق مكتبة التبشير في 1903، إلى خسارة نحو 400 نسخة من الكتاب المقدس. لكن الخسارة الكبرى كانت "في موزعي الكتب المسيحية"، فواحد منهم كانت لديه القدرة على إقناع ثمانية أو ربما أكثر من المسلمين، بالحضور للصلاة المسيحية اليومية0 وتوضح الوثائق ان الإرسالية اهتمت كثيراً بالعمل الطبي في البصرة، وقدم المبشرون خدمات طبية، هدفها الأساس تبشيري لأهالي البصرة والقرى والمدن المجاورة، وكان في البداية على شكل مستوصف صغير يديره طبيب واحد وممرضة.