قفز سعر مزيج برنت إلى أعلى مستوياته على الاطلاق في التداولات الآجلة في بورصة البترول الدولية، أمس الاثنين، حيث بلغ 44.10 دولار للبرميل بعد تقرير عن اشعال ميليشيات النار في بئر نفط عراقية. ولم ترد أنباء عما إذا تم اخماد الحريق، الذي بدأ أول من أمس الأحد، في بئر قرب مدينة العمارة في جنوبالعراق. سجّلت أسعار النفط مستويات قياسية جديدة إثر الأنباء عن اشتعال بئر نفطي جديد في العراق. لكن قبل ورود هذا النبأ كانت أسعار الخام قد انخفضت عن مستوياتها القياسية العليا، صباح أمس، بعدما أشارت نتائج أولية في كاراكاس إلى ان الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز، قد فاز في استفتاء في شأن استمراره في الحكم، ما خفّف مشاعر القلق والمخاوف في الأسواق من احتمال توقف آخر في الامدادات من خامس مصدّر للنفط في العالم. وتم التداول بعقود الخام الأميركي تسليم أيلول سبتمبر ب46.45 دولار في العاشرة والدقيقة 36 بتوقيت غرينتش، انخفاضاً من المستوى القياسي 46.91 دولار للبرميل، الذي سجّله في وقت سابق أمس، في التداولات الالكترونية التي تلت إقفال أول من أمس في سوق"نايمكس"نيويورك مركنتايل إكستجنج. وكان هذا أعلى مستوى منذ بدء التداولات الآجلة على النفط في بورصة"نايمكس"قبل 21 عاماً. لكنه كان يراوح عند 46.65 دولار في الثانية والدقيقة 44 بتوقيت غرينتش. أما برميل خام برنت، فتم التداول به في عقود أيلول ب43.42 دولار في الثانية عشرة والدقيقة 26 بتوقيت غرينتش في سوق لندن، بعدما سجّل 43.85 دولار في التداولات الصباحية. وعاود سعره القفز إلى 44.11 دولار بعد الأنباء عن إشعال البئر، قبل أن يستقر عند 43.80 دولار في الثانية والدقيقة 44. وانخفضت الأسعار في التداولات الصباحية، بعدما كشفت النتائج التي أعلنها"المجلس الانتخابي الوطني"في فنزويلا، بعد فرز 94 في المئة من الأصوات، ان شافيز نجا من استفتاء على إقالته. وقد انتابت أسواق الطاقة حال من القلق من تعطّل انتاج البلاد الذي يبلغ 2.6 مليون برميل يومياً، إذا ما أثارت نتائج الاستفتاء اضطرابات اجتماعية. لكن مصادر شحن ذكرت ان عمليات النقل من خامس أكبر دولة مصدّرة للنفط تسير بشكل طبيعي. وقال المدير في قسم التداولات الدولية للنفط في"ميتسوبيشي كورب"، طوني نونان:"هناك مخاوف كثيرة في سوق النفط الآن، مثل الوضع في العراق وضآلة الطاقة غير المستغلة لدى اوبك. لكن ويخيّم شبح الاضطرابات في العراق على السوق، حيث لا تزال الصادرات عند نصف مستوياتها قرب نحو 900 الف برميل يومياً، مذ تم الهجوم على خط الأنابيب الجنوبي الرئيسي. وقال مسؤول في"شركة نفط الجنوب"، أمس:"خط الأنابيب لا يعمل. ولا نعلم متى تتحسن الأوضاع حتى نعيد تشغيله". ومنذ مطلع السنة الجارية، ارتفع النفط عشرة دولارات. لكن الأسعار الحقيقية بعد استبعاد التضخم تقل كثيراً عن أعلى مستوى في حقبة الثمانينات، عندما بلغ سعر النفط 80 دولاراً عقب الثورة الايرانية، على حد قول محلّلين. غير ان الأسعار الحالية أعلى مما كانت عليه في 1974، عندما بلغ سعر النفط، بعد أخذ نسبة التضخم في الاعتبار، مستوى 43 دولاراً اثناء الحظر العربي على صادرات النفط، ليصيب سوق النفط بأول صدمة. وأضاف المحلّلون انه حتى الآن، استطاعت الاقتصادات الكبرى تحمّل الأسعار المرتفعة، غير انه ظهرت دلائل على ان كلفة الطاقة"بدأت تسبّب اضراراً". ويوم السبت الماضي، قال مندوب ايران في منظمة البلدان المصدّرة للبترول"اوبك"، ان المنظمة لا يسعها عمل شيء لتهدئة أسعار النفط، لأن أسواق النفط العالمية تشهد فائضاً كبيراً في المعروض يفوق الطلب. ونُقل عن حسين كاظمبور قوله:"يبدو ان الأسعار ستواصل الصعود من دون أن تأخذ في الاعتبار العناصر الأساسية للسوق، وهي العرض والطلب. الاتجاه الحالي للأسعار ينبع من تطورات سياسية وعسكرية". وتعقد"اوبك"اجتماعها المقبل في 15 أيلول سبتمبر، وهي تضخ بالفعل عند أعلى مستوى لها في 25 عاماً بمقدار 30 مليون برميل يومياً متجاهلةً قيود حصص الانتاج الرسمية. وقال كاظمبور:"إذا شهدت السوق هدوءاً في الأوضاع السياسية والعسكرية، فإن الكميات المضافة إلى الاحتياطات ستضغط على الأسعار". وتُنتج السعودية نحو 9.5 مليون برميل يومياً بالمقارنة مع حصتها الرسمية البالغة 8.45 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن تصل قرب 10 ملايين برميل يومياً في أيلول. السعودية وقال ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، في تصريحات نُشرت أمس، ان الرياض ستضخ بأقصى ما تسمح به حقولها النفطية من أجل تهدئة أسعار النفط الملتهبة التي يود أن يراها بين 25 و30 دولاراً للبرميل. وأوضح الأمير عبدالله ان المملكة، أكبر مصدّر للنفط في العالم، تبذل أقصى ما في وسعها لتهدئة الأسعار، وذلك برفع انتاجها النفطي إلى مستويات قياسية. وقال:"لم نكن نتمنى أن تقفز الأسعار إلى ما فوق الثلاثين دولاراً... اننا نرى ان الأسعار يجب أن تراوح ما بين 25 إلى 30 دولاراً للبرميل حتى لا نلحق الضرر بالدول". وتُعد تصريحات الأمير عبدالله أوضح إشارة حتى الآن إلى ان السعودية، أكبر منتج في"اوبك"، تسعى جاهدة لدفع الأسعار نحو الانخفاض، كي لا تضر بالطلب على الوقود من خلال ابطاء النمو الاقتصادي العالمي. ولم يحدّد ولي العهد السعودي نوع الخام الذي يشير إليه. لكن مسؤولين من دول"اوبك"يشيرون عادة إلى سلة خامات المنظمة التي بلغ أحدث سعر لها 41.33 دولار للبرميل. وكان وزير البترول السعودي علي النعيمي ذكر الأسبوع الماضي ان انتاج المملكة زاد إلى متوسط 9.3 مليون برميل يومياً خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وان مخصّصات أيلول لا تقل عن هذا المستوى. من جهته، اعتبر رئيس تحرير النشرة النفطية المتخصّصة"ميس"، وليد خدوري، في رده على أسئلة من"الحياة":"من ناحية الامدادات، فإن تطمين الأسواق عبر تصريح الأمير عبدالله ونتائج الاستفتاء في فنزويلا، من المفترض أن يؤدي هذان العاملان إلى خفض الأسعار. وهذا ما حصل فعلاً"في التداولات الصباحية. لكنه أشار إلى ان"المشكلة تبقى في نقص الامدادات من العراق، حيث لا تزال هناك مشاكل. العراق ينتج بنصف الطاقة المتاحة وهذا يزعج الأسواق". ولفت خدوري إلى انه"بالإضافة إلى المشاكل في الامدادات، فمن غير المعروف ما هو معدل الطلب العالمي على النفط. الأرقام مختلفة ومتباينة وبالذات من بعض الدول الكبرى المستهلكة. الصين مثلاً، ليس معروفاً كم يبلغ استهلاكها وتوقعاتها. وهذا يحدث بلبلة". وأكد ان"أهمية تصريح الأمير عبدالله انه يأتي من أعلى مستوى قيادي في السعودية.. التصريحات السابقة كانت تأتي من وزير النفط، لكنها المرة الاولى بهذا التحديد والوضوح. قال ان المملكة ستنتج بكامل طاقتها، وهذا سيجعل الأسعار تنخفض بالتأكيد". ورداً على سؤال عما إذا كانت هناك عوامل اخرى مؤثّرة، قال الخبير النفطي:"هناك عوامل اخرى تؤثّر في الأسعار غير الامدادات. فعدم الوضوح وعدم الشفافية من الدول الكبرى، بالإضافة إلى المضاربات. المشكلة هذه الأيام ان كبار المودعين والمستثمرين يبحثون عن مجالات للربح، وأسواق الأسهم ليست في ارتفاع، والدولار إلى انخفاض، والنفط بات ملجأ للاستثمار. وكلما زاد الاستثمار في صفقات النفط الآجلة، كلما ارتفعت أسعار الخام".