كيف نجا الأسرى العراقيون من القتل والتعذيب والاغتصاب في حرب 1991 على صدام حسين عندما كانت القوات الاميركية أربعة أضعاف عددها في حرب 2003؟ عندي الجواب التالي: أبدى الحلفاء الغربيون استياءهم لأنني لم أسمح لهم باستجواب أسرى الحرب العراقيين... كان لمسلكي هذا ما يبرره، اذ يمثل هؤلاء الأسرى مصدراً من أهم وأغنى مصادر المعلومات، لذا كنت حريصاً على ان يكون هذا المصدر ورقة رابحة في يدي... كما كنت أخشى ان يتحول الأسرى العراقيون الى أعداء دائمين للمملكة، بسبب الاستجوابات الفظة التي قد يتعرضون لها على أيدٍ غير سعودية... كنت أصرّ على تسليم الأسرى الينا خلال أيام قليلة جداً من وقوعهم في الأسر، وأياً كانت القوات التي أسرتهم. وأبدى الأميركيون رغبة في حضور عمليات الاستجواب التي كنا نقوم بها، لكنني رفضت ذلك أيضاً. الكلام السابق هو من كتاب "مقاتل من الصحراء" للأمير خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب تحرير الكويت. وقد عدت الى الكتاب وأنا أقرأ عن فظائع التحقيق مع الأسرى العراقيين في سجن أبو غريب، ووجدت نفسي أمام مقارنة مذهلة. في العراق اليوم أظهرت صور وأفلام فيديو وتقارير رسمية ان المحققين والمحققات الأميركيين عذبوا السجناء العراقيين، وتوفي بعض هؤلاء تحت التعذيب، وانهم اغتصبوا السجناء وناموا بعضهم مع بعض، وقيل انهم ربما كانوا يعدون فيلماً إباحياً للبيع. وقد ثبت ان السجناء ارغموا على أكل لحم الخنزير وشرب الخمر وإنكار الاسلام، وامتُطي بعضهم كالدواب، ووضع طعامهم في المراحيض. واتهم الجنرال ريكاردو سانشيز، القائد الأميركي المسؤول الذي قررت الادارة سحبه، بحضور بعض جلسات التحقيق، الا انه أنكر ذلك. غير انه لم يستطع انكار سخريته من نصوص معاهدة جنيف لمعاملة الأسرى، وانه اعطى أمراً للمحققين باستغلال عواطف ونقاط ضعف الأسرى. وتبين ان الأميركيين نفذوا في العراق اسلوب التحقيق في غوانتانامو، مما يعني ان السجناء هناك تعرضوا الى سوء المعاملة نفسه، وان الصليب الأحمر الدولي كان شكا من الأوضاع، فمنع ممثلوه من دخول السجون الا بعد تأخير، وان الاستخبارات العسكرية للتحالف نفسه قررت ان 70 في المئة الى 90 في المئة من الأسرى أبرياء. وأستطيع أن أمضي الى ما لا نهاية عن أوضاع السجناء العراقيين، ففي كل يوم تفصيل مروع جديد، ومصادري كلها غربية، وأكثرها أميركي. كيف كان الوضع سنة 1991؟ مرة أخرى أنقل عن الأمير خالد في كتابه "مقاتل من الصحراء"، فهو يقول ان فارين من الجيش العراقي كانوا يفدون مثنى وفرادى إما بدافع الخوف من الحرب المقبلة، او لخيبة أملهم في صدام، او لأسباب شخصية أخرى. ويزيد: "وقررنا منذ البداية ان نعاملهم كلاجئين لا كأسرى حرب، فوفرنا لهم سكناً مريحاً وراتباً شهرياً مجزياً، وسوى ذلك من الرعاية، وخشية ان يكون بينهم عدد من الجواسيس، قررنا اخلاءهم جميعاً الى الخطوط الخلفية لاستجوابهم من جانب هيئة استخبارات وأمن القوات المسلحة السعودية". وأمر الأمير خالد بإقامة معسكرات تتسع لمئة ألف أسير حرب، فأقيمت ثلاثة معسكرات شقت اليها الطرق، ونصبت الخيام، وخُزنت المواد الغذائية وجُلب الماء بالصهاريج. وماذا كانت النتيجة؟ الأمير خالد كتب: "وبنهاية الحرب كان لدينا أكثر من 60 ألف سجين حرب عراقي، أعلن ما لا يقل عن 14 ألفاً منهم عن رغبتهم في عدم العودة الى وطنهم، وأدليت في ذلك الوقت بتصريح الى الصحافة العالمية مؤداه ان سياستنا في معاملة هؤلاء الأسرى تقوم على أساس تطبيق بنود اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب، وعليه فإنهم سيبقون في معسكراتهم حتى يقرروا العودة الى بلادهم او الهجرة الى بلدان اخرى. وفي غضون ذلك كان علينا ان نقوم على شؤونهم من توفير الطعام والمأوى والرعاية الطبية، والخدمات الأخرى اللازمة". الأمير خالد بن سلطان عمل بتوجيه مباشر من الملك فهد بن عبدالعزيز، ومن الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع، كما يوضح في اماكن عدة من كتابه، وحقق الاسلوب المتبع النتائج المتوخاة، اولاً بنزعته الانسانية، وثانياً بالتزام المواثيق الدولية في معاملة أسرى الحرب، وثالثاً بالحصول على المعلومات الاستخباراتية الضرورية بالحسنى. ومع هذا كله تجنبت المملكة العربية السعودية عداء الأسرى. والنتيجة ان 14 ألفاً في الأسر السعودي اختاروا البقاء، وان كل عراقي خارج من أسر الأميركيين يريد القيام بعملية انتحارية ضدهم. هذا باختصار هو ما جرى سنة 1991 وما يجري اليوم في العراق؟ وثمة فاتورة مستحقة رداً على ما حصل في سجن أبو غريب وغيره، والولايات المتحدة تدفع الثمن كل يوم. وبعد، كتب الأمير خالد بن سلطان سنة 1994 عن تجربته القيادية في حرب تحرير الكويت، ونشر كتابه "مقاتل من الصحراء" سنة 1995، اي انه سبق بسنوات عدة احداث الحرب اللاحقة، وما كان له ان يعرف وهو يسجل اسلوب تعامل قيادته مع اسرى الحرب ان فظائع، أو جرائم، سترتكب في العراق بعد سقوط صدام حسين. ويقال ان الذكي يتعلم من اخطائه، وان الأذكى منه يتعلم من اخطاء غيره. والأميركيون في العراق دون هذا وذاك فهم لم يتعلموا من اخطاء صدام حسين، وزادوا عليها اخطاء من عندهم. بل انهم لم يتعلموا من الصواب كما مارسته قيادة خالد بن سلطان، مع انهم عايشوه في حينه، وخبروه، وإنما اخذتهم العزة بالإثم، وإذا لم يكن عند الانسان وازع من نفسه فلن يكون عنده وازع من سواه.