نسجوا لها عالماً من خيوط هوليوودية، مستمدة من حكايات الفن السابع التي تفجر دهشة الاقتراب الشديد من أنفاس الحياة اليومية لقاطني أرض "العم سام"... عيون استدعت ما تسرب إلى الحدقة، وترسب في الذاكرة من مشاهد صورتها السينما، لتكوين مشهدية أميركية برؤى أردنية. تقول هالة الخياط 25 عاماً إن قراءة متروية للأفلام الأميركية تقدم صورة باهتة للمجتمع الاميركي لأنها تظهره مفسخاً، مهترئاً، مبتور الصلات بالقيم والأخلاق، لافتة إلى المسلسل الشهير "آلي ماكبيل"، الذي ينقل صوراً حية للمجتمع الأميركي الغائص في التمزق الروحي والنفسي، والخاضع لابتزاز شهوتي المال والجنس. وتضيف أن المسلسل "يسعى إلى استحداث منظومة من المبررات لأفعال تفتقر الى الاخلاق، وصولاً إلى بناء نمط فكري تجديدي يبيح محظورات العلاقات الإنسانية". وترى الخياط أن مثل هذه المسلسلات "يقف وراء نشوء تيار شعبي اميركي يطالب بالسماح لزواج مثليي الجنس، ويرحب بوجود الشذوذ ضمن البيئة المجتمعية، بل يدعو إلى إعطائهم حقوق المواطن العادي، غير عابئ بالأخطار الجسمانية المحدقة بالجنس البشري والمترتبة عن تفشي هذه الممارسات". وتخلص الخياط من خلال متابعتها للدراما الأميركية إلى أن "المجتمع الأميركي يفتقر إلى الحميمية، ويرزح تحت ظلال المادية الثقيلة". وتوافقها فرح عطيات 23 عاماً الرأي، مضيفة أن "الخطاب الدرامي الأميركي مثقل بمفردات العنف والجريمة، وتفوح منه رائحة الدم غالباً، فلا يكاد يخلو عمل سينمائي من مشاهد الضرب والقتل التي توحي بغياب الشعور بالأمان". وتلفت عطيات إلى "عقلية التطرف في الجريمة، والإغراق فيها حتى أصبحت الجريمة منهجية معقدة، تدفع باتجاه استقصاء أسباب تحول الأبطال في القصص السينمائية إلى مجرمين متوحشين يسعون إلى الانتقام وإراقة الدماء للذة والاستمتاع"، مذكرة بفيلمي "صمت الحملان" لآنتوني هوبكنز، و"الخطايا السبع" لبراد بيت. من جهته، يقول أحمد الناطور 22 عاماً ان "السينما الهوليوودية تكتب التاريخ بسرد بصري عالي الجودة، رائع التقنية، غير انه مشوب بالمغالطات"، مضيفاً انها "تعيد صوغ الوقائع بما يتلاءم مع السياسة الأميركية التي لا تعترف إلا بالقوة". ويتابع: "شكلت الحرب الفيتنامية مادة دسمة للمئات من الأفلام التي قلبت الهزيمة العسكرية الاميركية الفادحة التي مُني بها الجيش الأول في العالم إلى انتصارات وبطولات تصور الجندي الأميركي أنه شخص نبيل يحسن معاملة الأطفال والنساء والشيوخ يقابله الخصم الفيتنامي المتوحش، كسباً لتعاطف المشاهد مع صاحب البشرة البيضاء، وتوجيه رسائل مبطنة تعزز شرعية الحرب على فيتنام". ويضيف: "استراتيجية تحويل الهزائم الأميركية الواقعية إلى انتصارات سينمائية تنجح مع استمرار تكرارها في التغلغل إلى عقل المشاهد ولا تلبث أن ترسخ فيه فيصدقها ويتعامل معها وكأنها حقيقة، وهنا تكمن خطورتها". ويشير هيثم سعيد 26 عاماً إلى أن "للأفلام الأميركية قدرة مذهلة على إلغاء الآخر والصاق أبشع الصفات به، بينما تظهر الأميركي على أنه وطني منتصر للحق، ومشبع بالإنسانية، محب للسلام فضلاً عن أنه بطل صنديد لا يقهر ينقض على العدو ويهزمه لإنقاذ العالم". ويلفت هيثم إلى أن "أفلام الأكشن الأميركية لا تترك مجالاً للتأمل بدلالات الأحداث بسبب انهمار المشاهد، وارتفاع وتيرتها، فيظل المتلقي مسكوناً بشغف المتابعة، مغيباً مهارته النقدية والتحليلية". ويتمحور حديث نادر 27 عاماً حول ظاهرة أفلام العوالم الافتراضية وأبرزها فلم "ماتريكس" الذي "يعتبر ثورة تحريرية ضد سطوة الوهم والخيال ضمن حبكة درامية مشوقة ومجموعة من المؤثرات الخاصة التي تداعب رغبة المشاهد بمتابعة مطاردات ومغامرات عالية التقنية تصور أدق التفاصيل ببراعة مذهلة". غير أن نادر يعتبر أن "هذه النوعية من الأفلام تحمل المشاهد غير الأميركي على الاعتقاد بأن المجتمع الأميركي فقد لحمته وتحول إلى مجتمع يخوض صراعات تصل إلى ذروتها في مواجهة الكومبيوتر وعالمه الافتراضي". وتعتبر هدى 29 عاماً أن الأفلام الأميركية "معاينة للواقع الأميركي وتشريح فني ودرامي وإنساني لمجرياته وتبدلاته"، مبينة أنه "مجتمع غني بالمتناقضات والخلافات في المعتقد والعرق التي رشحته ليكون تكثيفاً للتجربة الإنسانية على إطلاقها، ما فتح الباب واسعاً أمام المؤلفين لغرف القصص والحكايات وتفصيلها على مقاس الحلم الأميركي". غير أنها تخشى أن تكون الأفلام التي تتناول مواضيع مؤرقة مثل التجارب التي تجرى على الإنسان لتطوير أسلحة بيولوجية، أو استنساخ أشخاص معدَّلين وراثياً ذوي قوى خارقة، "أكثر من مجرد أفكار خيالية". وتشير إلى أن كثرة طرح الأعمال السينمائية لهذه القضايا "تثير في نفس المشاهد تساؤلات حول وجود برامج عسكرية حكومية حقيقة مشابهة لما يعرض على الشاشة البيضاء".