لم تكن حفلة ماريا كاري التي أحيتها أول من أمس في مركز "بيال" في بيروت بدعوة من لجنة "مهرجانات بيت الدين"، حفلة عادية. فعدد الحضور الذي فاق الخمسة آلاف، والفوضى التي ضجت في الصالة لحظة دخول المغنية، وأزمة السير التي خنقت شوارع وسط المدينة كانت كلها عناصر متوقعة للحدث الفني والاجتماعي الضخم... ما كان فوق العادة هو ذلك العرض الذي قدمته كاري في صوتها وحضورها واحترامها لجمهورها. أطلت المغنية الأميركية على الجمهور عند الساعة التاسعة وخمس دقائق، دخلت من باب قريب من المسرح في الجهة الشمالية وسط عاصفة من التصفيق والهتاف من جمهور يعرف ماريا كاري جيداً، يعرف أغانيها وحفظ معظمها عن ظهر قلب، وعاش معها نجاحها وفرحها وانكسارتها والأزمة النفسية التي تعرضت لها السنة الماضية، وشكلت مفترقاً في حياتها الشخصية والفنية. ويعرف الجمهور الذي تألف من مختلف الأعمار ان ماريا كاري اليوم تختلف عن ماريا السابقة، ويعي تماماً أن أعمالها اليوم ومسحة الحزن الموجودة على وجهها على رغم بصيص الأمل الذي يلمع في عينيها، تشكل تحدياً لفنانة أرادت ان تكون انطلاقتها الثانية أكثر فرحاً. وهذا ما ظهر جلياً في أغنية "سافينغ غرايس" التي غنتها للمرة الأولى لجمهور بيروت، وما حملته من أمل، وما رافقها من صور على الشاشات الكبيرة وعكست مقتطفات من عودتها. قدرة ماريا كاري على التحكم بالصالة، والسيطرة على المستمعين، بدت واضحة، وقدرتها على جمع الفرح والحزن، كانت جلية أمام مشاهدٍ قدَّر احترام كاري لفنها وجمهورها في آن. العروض الغنائية والراقصة التي رافقت إطلالات كاري الثماني، الأجواء المختلفة والإضاءات الباهرة، والديكور الخفيف التي استعانت به على المسرح، جوقة المنشدين الثلاثة، والفرقة الموسيقية اقتصرت على غيتار كهربائي، وبيانو، وكيبورد، ودرامز... عناصر كافية لتقديم عرض فني متكامل وساحر. نجومية تلك الخلاسية الفاتنة التي تتمتع ب"كاريزما" آسرة لم تأت من فراغ. فصوتها القوي القادر على تأدية الطبقات كل، وقدرتها على الغناء بطريقة أجمل من التسجيل، وتلك الحنجرة المتمكنة من تحدي النوتات الموسيقية... أكدت أن الصوت أحياناً يأتي أعظم من اللحن وأعذب من الكلمة. كاري التي وعدت الجمهور في المؤتمر الصحافي ألا تقدم إلا الأغاني الفرحة، خصت جمهور بيروت بباقة طغت عليها الأغاني القديمة... افتتحت الحفلة مع أغنية "هارت بريكور"، ثم أغنية "ثرو ذي راين"، وأغنية "ماي أول"، لتتوالى بعدها الأغاني القديمة والجديدة، 12 أغنية و7 فساتين مختلفة، و12 لوحة اختتمت مع إطلالة ثامنة لكاري بعد تصفيق الجمهور الحاد لتقدم أغنية "هيرو" الشهيرة بإحساس لافت. أسدل الستار مع أغنية "باترفلاي" التي اشتهرت بها كاري وحملت بعدها اللقب نفسه. حملت إطلالة ديفا موسيقى البوب الأميركية أكثر من رسالة... فتلك الفنانة التي خرجت من أزمة نفسية حادة وانهيار عصبي السنة الماضية، ومن طفولة صعبة ومراهقة معذبة، استطاعت ان تبرهن ان الانطلاق من جديد ممكن... لكنه يحتاج الى كثير من العمل والتحضير، حتى لو كانت صاحبة تلك الموهبة ماريا كاري. ووجهت المغنية الأميركية إلى جمهور بيروت تحيّة خاصة، مؤكّدة أن هذه المدينة هي من المحطات الأساسية في جولتها... على أن تتبعها حفلة في دبي خلال الايام القليلة المقبلة.