نائب أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة "أمان"    أمير القصيم يتسلم تقرير جمعية طهور    سوق تمور المدينة يبدأ بالتصدير ومزاد خيري    حرس الحدود في حقل تضبط مواطن مخالف للائحة الأمن والسلامة لمزاولي الأنشطة البحرية    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    الجناح الأوروغوياني لوتشيانو رودريغيز يقود هجوم نيوم    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية    مُحافظ الطائف يستقبل رئيس جمعية المودة للتنمية الأسرية    صقار المستقبل برنامج موجه للصغار    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    رئيس وزراء قطر يعلن تشكيل فريق قانوني للرد على الاعتداء الإسرائيلي    أمير القصيم: كلمة ولي العهد تجسّد نهج الدولة الراسخ ورؤية مستقبلية طموحة    وزير الدفاع يجري اتصالًا هاتفيًا برئيس مجلس الوزراء وزير خارجية دولة قطر    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10498.04) نقطة    "Grand Arrival"تجمع كانيلو وكروفورد في لاس فيغاس استعدادًا للأمسية التاريخية    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    المملكة تعزي قطر في وفاة أحد منسوبي الأمن جراء الاعتداء الإسرائيلي الآثم    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    الدولار يحافظ على استقراره وسط ترقب الأسواق بيانات التضخم الحاسمة    تجاوز الإشارة الحمراء.. خطر يهدد الأرواح ويعتدي على الحقوق    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    السعودية ترحب بتوقيع اتفاق استئناف التعاون المشترك بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية    حساب المواطن يودع 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر سبتمبر    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم الإسرائيلي على قطر    الإحصاء: ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 6.5% في يوليو 2025    المواقيت ومساجد الحل.. خدمات متجددة وتجربة ميسرة للحجاج    إسرائيل تشرِّع الفوضى المُقنَّعة    جلسة طارئة لمجلس الأمن اليوم    محمية الإمام تركي تُشارك في معرض كتارا الدولي    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    "الملك سعود الطبية" تطلق خدمة تخطيط القلب لمرضى الرعاية المنزلية    عيادة متنقلة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن اعتلال الشبكية الناتج عن السكري    الداخلية القطرية تعلن مقتل أحد منتسبي قوة الأمن الداخلي جراء الهجوم الإسرائيلي    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين بناء على ما رفعه ولي العهد.. نائب أمير الرياض يسلم وسام الملك عبدالعزيز للدلبحي    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    رقابة مشددة على نقل السكراب    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. سمو ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى غدًا الأربعاء    ولي العهد لأمير قطر: نقف معكم ونضع إمكاناتنا لمساندكم في حماية أمنكم    إطلاق خدمة «بلاغ بيئي» بتطبيق توكلنا    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    يسرا تستعد لعرض فيلم «الست لما»    نونو سانتو أول الراحلين في الموسم الجديد بإنجلترا    «براق» تحقق ثاني كؤوس مهرجان ولي العهد للهجن للسعودية    ولي العهد وملك الأردن يبحثان الهجوم الإسرائيلي الغاشم    رئيس موانئ يزور جازان للصناعات    السعودية: ندعم الحكومة السورية في إجراءات تحقيق الاستقرار.. قصف إسرائيلي لمواقع في حمص واللاذقية ودمشق    «حقيبة الرفاة».. جريمة هزت العالم    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    القبض على مروّج للقات    تاريخ وتراث    الاتفاق يجهز ديبملي    شراكة سعودية - صينية في صناعة المحتوى الإبداعي بين «مانجا» للإنتاج و«بيلي بيلي»    تعزيز الابتكار في خدمات الإعاشة لضيوف الرحمن    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    عندما يكون الاعتدال تهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تنشر نص المبادرة الألمانية لارساء الاستقرار في الشرق الأوسط . شراكة امنية ودعم الإصلاح والديموقراطية في دول المنطقة بعيداً من الاملاءات "الأبوية"
نشر في الحياة يوم 20 - 02 - 2004

اقترح وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر أمام مؤتمر ميونيخ الأربعين حول السياسة الأمنية الذي عقد في السابع من الشهر الجاري مبادرة أوروبية - أميركية لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط من خطوتين، الأولى تهدف الى جعل المنطقة الممتدة من المغرب الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية وسورية "منطقة تجارية حرة" تشمل كامل دول البحر المتوسط، والثانية وضع "اعلان من أجل المستقبل" موجه الى الشرقين الأدنى والأوسط وتشمل ايران وأفغانستان، للمشاركة في ارساء الديموقراطية ودولة القانون والتخلي عن العنف. وأعلنت قمة "الثلاثة الكبار" التي ضمت بريطانيا وفرنسا والمانيا في برلين أمس دعمها للمبادرة. وفي ما يأتي نص خطاب فيشر في مؤتمر ميونيخ:
"قبل عام تحاورنا هنا في ميونيخ وبكل صراحة، كما هو معتاد بين الأصدقاء، حول مسألة الحرب المحتملة ضد العراق. وكانت رؤيتنا مختلفة حول:
- ما إذا كان تحليل التهديد يكفي لتبرير وقف عمل مفتشي الأمم المتحدة؟
- ما هي النتائج التي قد تعود بها الحرب على مكافحة الإرهاب الدولي؟
- ما هي التداعيات التي قد تكون للحرب في العراق على الاستقرار الاقليمي؟
- ما اذا كان سيصبح في الإمكان التحكم في العواقب الطويلة المدى للحرب؟
- وعما اذا كان أساس مشروعية هذه الحرب الذي هو موضع خلاف، سيحُد في شكل خطر من القدرة على الصمود في فترة ما بعد الحرب؟
وترى الحكومة الألمانية أن مجرى الأحداث أكد صحة موقفها آنذاك. اذ كان قرارنا السياسي ألا نشارك في التحالف، لأننا كنا وما زلنا غير مقتنعين بأسباب الحرب.
ورغم ذلك كان هناك أيضاً أمران واضحان تماماً أمامنا بعدما اتخذ التحالف قرار الحرب: أولاً يجب على التحالف أن ينهي الحرب بنجاح في أسرع وقت ممكن، وثانياً ينبغي الفوز بالسلام. فالفشل سيؤدي الى نتائج سلبية تحيق بنا جميعاً، بأوروبا مثل أميركا، وبمؤيدي الحرب ورافضيها، بالقدر نفسه. وهذا المنطلق حدد موقف ألمانيا خلال حرب العراق وبعدها.
ولكم تفجعنا الضربات الارهابية البشعة، كما في أربيل أخيراً، التي ينجم عنها عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، بل وبين جنود حلفائنا وأصدقائنا أيضاً، ونخص أسرهم بكامل تعاطفنا.
عندما نقول ان علينا أن نفوز بالسلام معاً وإلا فإننا سنخسر معاً، بصرف النظر عما كان موقفنا من الحرب، يتحتم علينا أن ننظر الآن الى امام:
إننا متفقون على أن ما يبذله التحالف من جهود، يجب أن يُكلل بالنجاح. فلا يصح أن تصبح لقوى العنف والإرهاب اليد العليا في العراق. ولذلك فإننا مقتنعون بأن من الأهمية بمكان أن يستعيد البلد سيادته على أساس عريض من المشروعية، وأن تُنقل السيادة الى حكومة عراقية تكتسب صدقيتها، بقدر الإمكان، من الانتخابات. ويجب أن تتكفل الأمم المتحدة بالدور المحوري في نقل السيادة ودعم اعادة البناء الديموقراطي، اذ انها هي فقط التي في وسعها أن تضمن المشروعية المطلوبة للعملية.
ومنذ البداية ونحن في صف توجيه إعادة البناء في العراق على هدي من التجارب في أفغانستان. ينعكس هذا في التزاماتنا الانسانية في العراق ومشروعنا الخاص بتدريب قوات الشرطة.
واسمحوا لي أن أتطرق هنا بالصراحة المعتادة الى نقاش بدأ منذ بعض الوقت. انني أعتقد بأن القرار الخاص بمشاركة حلف الأطلسي المباشرة في العراق يجب فحصه والتمحيص فيه بعناية. ولن تخرج الحكومة الألمانية على إجماع محتمل، على رغم أننا لن نرسل قوات ألمانية إلى العراق. ولكن يجب في جميع الأحوال أن نراجع بإمعان خطر الفشل والنتائج المحتملة والجادة جداً، التي قد تشكل تحت ظروف معينة، عواقب وخيمة للحلف.
والأمانة تفرض عليّ ألا أخفي عنكم الشك العميق الذي يساورني.
اذ أصبحنا ندرك أكثر فأكثر ان الأزمة في العراق لن تُحل من دون عملية إصلاح دائم وطويل المدى في المنطقة بأكلمها. وبصرف النظر عن الخلاف حول الحرب في العراق فإننا نشارك ومنذ وقت طويل في القناعة بأن بعد 11 أيلول سبتمبر 2001 ليست فقط الولايات المتحدة هي التي لا يمكن أن تقبل بالوضع السائد في الشرقين الأوسط والأدنى، وإنما يسري هذا أيضاً على أوروبا، بل وعلى الشرق الأوسط نفسه.
والخطر الأكبر الذي يتهدد أمننا الاقليمي والعالمي في بداية هذا القرن، ألا وهو الإرهاب الجهادي المدمر بأيديولوجيته التوتاليتارية، بؤرته الشرقين الأدنى والأوسط، فهو لا يشكل تهديداً لمجتمعات الغرب فقط، وإنما في الدرجة الأولى للعالمين العربي والإسلامي أيضاً.
ولن ننجح في التغلب على التهديد النابع من هذه التوتاليتارية الجديدة بالأساليب العسكرية فقط. اذ ان إجابتنا عليها ينبغي أن تكون شاملة أيضاً، مثلها مثل هذا التهديد.
والغرب غير قادر على أن يصوغ هذا الرد بمفرده. وسنلحق بأنفسنا الهزيمة الأولى لو اتخذنا موقفاً أبوي التوجه. بدلاً من ذلك، علينا أن نصوغ عرضاً جاداً للعمل المشترك، يرتكز على تعاون أصيل، نطرحه على الدول والمجتمعات في المنطقة.
ان الارهاب الجهادي ليس قوياً في حد ذاته حيث يستطيع تنفيذ اهدافه السياسية مباشرة، ألا وهي خلخلة الاستقرار في الشرقين الادنى والاوسط. وهذا النوع من الارهاب يحاول ان يورط الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في حرب حضارات - الغرب ضد الاسلام - وان يستفزه ليدفعه الى المبالغة في ردود فعله او حتى نحو اتخاذ قرارات خاطئة، لكي يتوصل الى اثارة القلاقل في مجمل الشرقين الادنى والاوسط، لكي يؤدي الارهاب والحرب غير المتكافئة الى نتيجتين: من جهة تستنفد القوات المحاربة والرأي العام في الغرب قواها، ومن جهة اخرى تنزلق المنطقة الى فوضى تفضي الى فقدان الاستقرار.
ولهذا السبب علينا ان نراجع كل خطوة في اطار مكافحة الارهاب بعناية، ونطور استراتيجية مشتركة تتيح لنا مكافحة الارهاب الجهادي بنجاح.
ان 11 أيلول والارهاب القاتل ل"القاعدة" هما السبب في ان حلف الاطلسي اليوم يؤمن اعادة اعمار افغانستان واستقرارها على اساس من تفويض الأمم المتحدة ل"ايساف"، وتسهم المانيا حالياً بألفي جندي في افغانستان، 1800 منهم في كابول، و200 في فريقنا القائم على الاعمار في قندوز. كما نلعب دوراً قيادياً في اعادة بناء هياكل مدنية للشرطة. والى جانب ذلك فإن المانيا احدى اكبر الدول المانحة لمساعدات اعادة الاعمار في افغانستان: وسيصل المبلغ الاجمالي للمساعدات التي قدمناها حتى منتصف العام الى 280 مليون يورو، اي اننا نكون تجاوزنا ما كنا وعدنا به.
وعلى رغم ذلك فإن علينا ان نجد منطلقاً اكثر شمولية وعمقاً لمنطقة الشرقين الاوسط والادنى، لو اردنا ان ننجح في مكافحة الارهاب الجهادي. اذ تكمن وراء هذا الارهاب الجديد ازمة تحديث عميقة في بقاع شاسعة من العالم العربي - الاسلامي.
وستبوء جهودنا المشتركة في سبيل السلام والأمن بالفشل، لو اعتقدنا ان القضايا الامنية فقط هي المهمة. انها كذلك بالتأكيد. لكن تعريف الأمن في اطار مكافحة الارهاب اوسع من ذلك بكثير: قضايا التحديث الاجتماعي والثقافي، مثلها مثل مسائل الديموقراطية وسيادة القانون وحقوق المرأة والحكم الرشيد، تكاد ان تكون ذات اهمية اكبر من ذلك.
ويشكل هذا الاعتقاد اساس استراتيجية الامن الاوروبية التي اقرها لاتحاد الاوروبي في كانون الاول ديسمبر 2003.
ولم تظهر للأسف حتى الآن اي بوادر تذكر لتشكيل ايجابي للعولمة في بلدان الشرقين الاوسط والادنى. فحتى الآن لم تتوصل المنطقة الى اجابات عن تحديات القرن الحادي والعشرين الملحة. وتقف فارغة الايدي الى حد كبير ازاء توقعات سكانها وأكثرهم من الشباب، اكثر من نصف سكان المنطقة لم يبلغوا سن الثامنة عشرة بعد. وتظهر الارقام الاخيرة ان تطور الاستثمارات في الشرق الاوسط سلبي، بل وفي انحسار. كما ان تقرير التنمية الانسانية العربية الاخير الذي وضعه برنامج الامم المتحدة الانمائي يجب ان يكون انذاراً لنا. إذ يصوغ التقرير الرؤية الاستراتيجية الشاملة لمجتمع المعرفة في العالم العربي، كرد على القصور في المنطقة. ودعائم هذه الرؤية الديموقراطية ودولة القانون، المساواة بين المرأة والرجل ودمج المرأة في الحياة العامة، وبناء مجتمعات مدنية قوية ونظم تعليم واقتصاد حديثة.
وهذه مهمة يضطلع بانجازها جيل بأكمله. ولا يمكن ان تأتي المبادرة الخاصة بها من الخارج، وانما في الدرجة الاولى من الداخل، فمفتاح الاصلاحات الناجحة يكمن في المنطقة ذاتها.
ان من يظن ان هذا مجرد كلام منمق من صفحات الادب والفن ولا علاقة له من قريب او بعيد بسياسة الامن، يخطئ جل خطأ. فأمننا المشترك في القرن الحادي والعشرين لن تحسمه في الدرجة الاولى مسألة مشاركة حلف الاطلسي في العراق أم لا على رغم انني لا انتقص من اهمية هذه القضية ولا استخف بها اطلاقاً، وانما قدرتنا نحن، اميركا وأوروبا والدول المعنية في المنطقة، على ان نواجه تحديات التحديث واستتباب الاستقرار في الشرقين الاوسط والأدنى مواجهة استراتيجية.
ولكي ننجح، على الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وكندا ان تركزا قدراتهما ومواردهما ومشاريعهما في مبادرة جديدة عبر الاطلسي للشرقين الاوسط والأدنى، نواجه بها هذا التحدي الكبير لأمننا المشترك. وربما تمكنت مبادرة مثل هذه من ان تفتح آفاقاً جديدة تماماً امام بلدان الشرقين الاوسط والادنى: تعاون اقوى وشراكة أوثق في الامن والسياسة والاقتصاد والقانون والثقافة والمجتمع المدني. لكن نجاح مثل هذه المبادرة المشتركة عبر الاطلسي بلا شك مرتبط اولاً وأخيراً بشرطين يجب ان يوضعا موضع التنفيذ: تحتاج هذه المبادرة اولاً الى نفس طويل، كما يجب ان يكون التخطيط لها طويل المدى. وثانياً يجب الا نستبعد عنها النزاع الاقليمي الحاسم، اي نزاع الشرق الاوسط، لكن يجب الا نسمح لهذا النزاع في الوقت نفسه بأن يسد الطريق امام المبادرة منذ البداية.
ان التهديد المشترك الموجه الينا من الارهاب الجهادي والخلخلة المحتملة في منطقة تُعد استراتيجية بالنسبة لأمننا، ثم مصالحنا المشتركة، وتضاعف امكاناتنا من طريق التعاون الوثيق - كل هذا يحبذ ان تستخلص اوروبا وأميركا النتائج الصحيحة من الخلافات حول حرب العراق وتضعا معاً، بمصاحبة شركائنا في المنطقة، رؤية واستراتيجية للتطور في الشرق الأوسط الموسع، ويسترعي الانتباه انها يجب ان تكون استراتيجية مشتركة، وليست منطلقاً من "صندوق الأدوات".
وما يرد الى الذهن مبادرة من خطوتين. إن لحلف الأطلسي وللاتحاد الأوروبي تعاوناً في منطقة حوض المتوسط، لذا يمكن ان تكون الخطوة الأولى هي الاشتراك في عملية البحر المتوسط لحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. اما الخطوة الثانية فيمكن ان تكون على شكل "إعلان من اجل مستقبل مشترك"، موجه الى منطقة الشرقين الأدنى والأوسط بأكملها.
واسمحوا لي ان ابدأ بتوضيح الأفكار الخاصة بعملية حوض المتوسط للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.
سيكون من الأهمية بمكان لأمننا المشترك من الناحية الاستراتيجية ما اذا كان سيصبح البحر المتوسط في القرن الحادي والعشرين فضاء للتعاون او للمواجهة.
وفي الإمكان ان يدعم كل من الحوار الذي يدور بين حلف الأطلسي ودول حوض المتوسط وعملية برشلونة للاتحاد الأوروبي احدهما الآخر ويكمله، بأن يوفقا توفيقاً وثيقاً بين نشاطهما ما يؤدي الى عملية جديدة لحوض المتوسط من جانب الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.
لكن يجب الا تذوب عملية برشلونة في حوار حوض المتوسط لحلف الأطلسي، والعكس بالعكس، وإنما ينبغي ان يكمل احدهما الآخر، كل بقدراته الخاصة به.
ان عملية حوض المتوسط للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي الجديدة يجب ان تشمل كل المشاركين في حوار الحلف في حوض المتوسط: بجانب اعضاء الحلف والاتحاد الأوروبي الدول المغاربية، اي الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، ثم مصر والأردن وإسرائيل. يضاف إليها جميع المشاركين في عملية برشلونة، اي الدول المذكورة آنفاً مع الأراضي الفلسطينية وسورية ولبنان.
ونقترح ان يركز العمل المشترك من حيث المضمون على اربعة مراكز ثقل: الأمن والسياسة، الاقتصاد، القانون والثقافة، المجتمع المدني.
يكون موضوع مركز الثقل الأول تطوير تعاون سياسي وثيق وشراكة امنية، وهدفه الشفافية وبناء الثقة بين كل الدول المشاركة. اضافة الى ذلك يجب ان تُدعم عمليات الإصلاح في دول المنطقة، على ان يتم ذلك في جميع المجالات - السياسية والمؤسسات والديموقراطية والقانون.
وينبغي الاستجابة الى المصالح الأمنية المشروعة لجميع دول المنطقة بتعاون امني اقليمي يرتكز الى الشفافية والتحقيق، ونزع السلاح والحد من التسلح. وقدم الاتحاد الأوروبي في اطار عملية برشلونة اقتراحات محددة في هذا الصدد. ويستطيع حلف الأطلسي في هذا السياق ان يسهم خصوصاً في إنجاح شراكة سياسية وشراكة امنية فاعلة. فقدراته الخاصة المميزة وتجاربه في برنامج "الشراكة من اجل السلام" قد تصبح ذات اهمية فائقة.
ويمكن ان تشكل شراكة اقتصادية جديدة حول حوض المتوسط مركز الثقل الثاني. وهذا يكتسب ايضاً اهمية حاسمة بالنسبة لمسألة الأمن. اذ ان تطوير الفضاءات الاقتصادية الوطنية المنفصلة اليوم ودمجها، قد يدعم التحول السياسي والاجتماعي دعماً حاسماً.
لم لا نسعى بإلحاح نحو الهدف الطموح ألا وهو ان نؤسس معاً حتى سنة 2010 منطقة تجارة حرة تشمل حوض البحر المتوسط بالكامل؟
اضافة الى ذلك يمكن للأوروبيين والأميركيين خلق حوافز للتعاون داخل المنطقة بأن نفتح اسواقنا بالتحديد للمنتجات المصنعة عبر حدود الدولة القومية.
ويجب ان يشمل مركز الثقل الثالث - الشراكة في القانون والثقافة - تطوير مؤسسات ديموقراطية تستند الى دولة القانون، تضاف إليها وسائل الإعلام الحرة والتعاون في مجال التربية والتعليم.
كما ان الحوار بين الأديان والتبادل المكثف والتعاون الوثيق في المجال الثقافي وشراكة التسامح في الثقافة والتربية ذات اهمية محورية بالنسبة الى مركز الثقل هذا.
وعلى مركز الثقل الرابع ان يشمل تمكين المجتمعات المدنية وكل مجال المنظمات غير الحكومية ومشاركتها. فليس في الإمكان، لمصلحة الديموقراطية ودولة القانون، ان نستغني عن المجتمع المدني القوي، كما انه جوهري في اي عملية تجديد.
وعلى هذه المبادرة الجديدة عبر الأطلسي من اجل السلام والاستقرار والديموقراطية في حوض البحر المتوسط ان ترتكز على عمل المؤسسات الموجودة. وبالتالي يمكن استخدام اللقاءات المنتظمة لوزارة الخارجية او الوزراء المتخصصين الآخرين من الدول المعنية كأداة للتسيير، على ان تحظى المجتمعات المدنية بمنبر خاص بها.
واسمحوا لي الآن ان أشرح المرحلة الثانية للمبادرة - "اعلان من اجل مستقبل مشترك". يجب الا يتوجه هذا الاعلان الى المشاركين في عملية الاتحاد الأوروبي وحلف الاطلسي لحوض المتوسط فقط، وانما يجب ان يشمل الدول الاخرى الاعضاء في جامعة الدول العربية. كما علينا ان نفكر في مشاركة ايران ايضاً.
على الموقعين على الاعلان الالتزام بأن يدعموا معاً الاصلاحات في المنطقة ويشجعوها. ويقدم الاعلان شراكة على قدم المساواة وتعاوناً لجميع الدول المعنية من اجل مستقبل مشترك. وعلى الاعلان ان يتضمن عدداً من المبادئ تتعهد الدول المشتركة الالتزام بها.
اولاً: يعلن الموقعون ايمانهم بالأمن ونبذ العنف، وبالديموقراطية والتعاون الاقتصادي، وبالحد من التسلح، ونزع السلاح ونظام من الأمن التعاوني، ويلتزم كل الموقعين المشاركة في مكافحة الارهاب والتوتاليتارية معاً.
ثانياً: يرى الموقعون في سياسة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة والمجتمع الرد الحاسم على تحديات القرن الحادي والعشرين، ويدعمون دمج اقتصاداتهم الوطنية. كما يسعون الى الحكم الرشيد الذي يلتزم حقوق الانسان والحق والقانون، والى مشاركة المواطنات والمواطنين في عملية صنع القرار السياسي، والى مجتمع مدني قوي ومستقل، ومساواة المرأة ودمجها في الحياة العامة.
ثالثاً: يلتزم الموقعون اتاحة فرصة المعرفة والتعليم للجميع من نساء ورجال على قدم المساواة، والهدف من ذلك بناء مجتمعات المعرفة في المنطقة. ويتفق هذا الهدف والمهمة الاستراتيجية المحورية التي عرفها تقرير التنمية الانسانية العربية.
ستتاح لنا في باكورة صيف هذا العام فرصة الشروع في التطبيق العلمي لهذا المشروع، اذ تعقد جلسة اجتماعات القمة لمجموعة الثماني الكبار والاتحاد الأوروبي وحلف الاطلسي. فالمبادرات الحالية لحلف الاطلسي والاتحاد الأوروبي او للعواصم الوطنية المختلفة تتضمن مقومات هذا المشروع الاساسية، وفي الامكان ان نقدم في اسطنبول عرضاً مشتركاً كالشراكة مع بلدان المنطقة.
في الوقت نفسه تحتاج مثل هذه المبادرة الى الاعداد المتقن والتشاور مع الشركاء في المنطقة، اذ علينا - وأود ان أكرر ذلك - ان نتفادى كل سوء فهم ذي صبغة أبوية.
سيداتي وسادتي،
تستند هذه الافكار الخاصة بمبادرة جديدة عبر الاطلسي على القناعة بأن تحديث الشرق الاوسط الموسع سيكون ذا اهمية حاسمة لامننا المشترك في القرن الحادي والعشرين، ومنه فإن مشاركة الناس في الشرقين الاوسط والادنى في انجازات العولمة يتفق ومصلحتنا الذاتية نفسها.
في أول أيار مايو هذا العام سيستوعب الاتحاد الاوروبي عشرة اعضاء جدد ويتغلب ذلك نهائياً على تقسيم اوروبا. ان اوروبا تنمو في شكل متكامل. بالتأكيد ان هذا لن يتم من دون مصاعب وصراعات ونزاع، لكن يقيني اننا سننمو معاً. فتجاربنا منذ ذلك اليوم البشع في أيلول 2001 يجب ان تكون غرست فينا على ضفتي المحيط الاطلسي اليقين بأن الشراكة الاطلسية لا يمكن الاستغناء عنها في القرن الحادي والعشرين ازاء التحديات الضخمة التي تنتظرنا.
لو تعاونت دول اوروبا واميركا الشمالية في اطاري الاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي تعاوناً استراتيجياً كشركاء ازاء التهديد المشترك، ولو دمجت قدراتها وامكاناتها بالاشتراك مع دول الشرقين الادنى والاوسط في تعاون جديد، فاننا سنتمكن من ان نقدم هذه المساهمة الفائقة الاهمية من اجل امننا المشترك. لو لم نفعل ذلك، او لو كنا حتى فقط قصار نظر او ضيقي افق اكثر مما يجب، فاننا سنجبر ايضاً في شكل مشترك على ان ندفع ثمناً باهظاً لذلك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.