لم يخفض رمضان بروحانياته المعروفة من حدة المواجهة السياسية في جامعة صنعاء. ومع أن الدراسة غالباً ما تكون باهتة وغير جادة خلال الشهر الكريم وصولاً إلى إنقطاع رسمي في منتصفه الثاني، فإن طلاب المعارضة إحتفلوا به بمسيرات حاشدة الأسبوع الماضي إحتجاجاً على لائحة طلابية مذكرة تنظيمية أصدرتها رئاسة الجامعة قبل شهور يرون فيها قيوداً وأغلالاً لنشاطهم السياسي والثقافي. ولم تكد تهدأ أزمة انتخابات إتحاد الطلاب التي إستمرت سنوات عدة حتى جاءت أزمة اللائحة الطلابية لتجدد دورة الحيوية السياسية داخل أقدم جامعة يمنية. الآلاف من طلاب وطالبات جامعة صنعاء ممن ينتمون إلى أحزاب المعارضة طالبوا بإسقاط لائحة شؤون الطلاب، مؤكدين أنها تضمنت مخالفات تعسفية صريحة للحقوق والحريات. ودعت الفاعليات الطلابية التي تمت في ساحة كلية الشريعة والقانون الطلاب والطالبات إلى الوقوف جنباً إلى جنب في مواجهتها. وتحظر اللائحة الطلابية وفقاً لمصادر المعارضة إصدار أي نشرات أو إقامة احتفالات أو تجمعات أو اعتصامات أو تظاهرات، وتمنع كذلك مختلف الأنشطة الحزبية والسياسية والإجتماعية والثقافية إلا بإذن مسبق. وبحسب المعارضة فإن اللائحة الجديدة تكرس الجباية من خلال فرض رسوم إضافية على المعاملات كافة داخل الجامعة. ومن القواعد أيضاً حرمان الطلاب من الانتقال من مستوى الى آخر في حال رسوبه بثلاث مواد في الكليات العملية، وكذلك إعطاء الحق لأستاذ الطالب أو رائد الشباب في الكلية بتوقيع العقوبات التأديبية المختلفة والتي تصل الى الفصل، فضلاً عن اجراءات "تعسفية" تتعلق بالقبول والتحويل والنقل ووقف القيد والانسحاب من الدراسة، الى الغاء نظام الانتساب وحرمان الطالب من دخول الامتحان اذا غاب ما نسبته 25 في المئة من المحاضرات - وفي هذه الحال يعد راسباً وتفرض عليه غرامة مالية. كما تضمنت اللائحة اعطاء الحق لرائد الشباب في الكلية بتشكيل لجان لتسيير النشاط الثقافي والعلمي والأكاديمي. ووصف رئيس القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي المعارض سعد عمر اللائحة الصادرة عن رئاسة الجامعة بأنها "تجاوز للقانون والدستور وتعدٍ واضح على أي نشاط داخل الجامعة". قال عمر: "الجامعة هي المدرسة الأولى لتعلم الديموقراطية لأنها تجمع أهم شريحة إجتماعية وهم طلاب العلم لذا فإن منع الممارسة السياسية داخل الجامعة يمثل منعاً للديموقراطية". وأكد عمر وقوفه ضد هذه اللائحة بكل الوسائل القانونية داعياً الطلاب بمختلف انتماءاتهم إلى الوقوف ضد منع العمل السياسي في الجامعة والمطالبة بحقوقهم وانتزاعها بالطرق القانونية المشروعة. وأكد رئيس القطاع الطلابي للتنظيم الوحدوي الناصري المعارض أنس سنان أن صدور لائحة شؤون الطلاب "ليس مخالفة للقانون والدستور فقط ولكنه أيضاً تعبير عن سياسة النظام الحاكم في السيطرة على الحريات والتضييق على جوانب الحياة كافة، معتبراً أن ذلك "يأتي ضمن مسلسل يستهدف الحريات بأشكالها كافة". وكشف سنان عن عدد من الفاعليات القانونية التي سينظمها الطلاب لمواجهة اللائحة ومنها حملة توعية وتحرك ميداني لدى المنظمات الحقوقية واللجوء إلى الاعلام والقضاء. وقال وائل الفقيه رئيس اتحاد طلاب كلية التجارة: "أصبح التعليم في الغرب بل وفي بقية الجامعات العربية مجاناً والكتب توزع على الطلاب بصفة مجانية أيضاً، ونحن في جامعة صنعاء نفاجأ بهذه اللائحة بالنظام الموازي من أجل أن يدفع الطلاب عشرات الآلاف من الريالات كرسوم دراسية سنوياً فوق رسوم الغرامات والجبايات الأخرى التي تزداد مسمياتها مع كل عام". وأضاف: "هذه البلايين التي ندفعها نحن الطلاب من جيوبنا تذهب وللأسف إلى جيوب غيرنا، فرسوم أنشطتنا وميزانيتنا تصرف لبدلات السفر وشراء السيارات وتأثيث البيوت بل ودعم الفساد في جامعتنا بينما الطلاب محتاجون لأبسط الخدمات الضرورية من معامل وكتب وكراسي ومبان وغيرها". وأبدى الفقيه استغرابه للائحة التي تضمنت مواد تفرض على الطلاب الاستئذان من رئاسة الجامعة عند إقامة أنشطتهم وفعالياتهم الاحتجاجية. وقال إن الدستور والقانون كفل لهم هذا الحق ومن دون الرجوع إلى أي جهة، معتبراً أن اللائحة "تريد تكميم أفواه الطلاب". وطالب الطالب وضاح القاضي رئاسة الجامعة بالتراجع عن قرارها "الجائر" في إصدار مثل هذه اللائحة، مؤكداً أن "كل الطلاب سيدعمون مطالب الاتحاد العام لطلاب اليمن في جامعة صنعاء من أجل العمل على تغيير اللائحة. وترافق التصعيد الذي شهدته جامعة صنعاء مع تشديد الإجراءات الأمنية وإنتشار الأطقم العسكرية حول الجامعة وأيضاً ناقلات الجنود محملة بأفراد من قوات مكافحة الشغب. ولم تكن معركة اللائحة الطلابية ساحتها الحرم الجامعي فحسب ولا صفحات الصحف، بل أيضاً المواقف الإخبارية اليومية للأحزاب اليمنية على شبكة الإنترنت وأهمها "الصحوة. نت" و"المؤتمر. نت" . وأكدت الهيئات الإدارية لفروع الاتحاد العام لطلاب اليمن استمرار الفاعليات الاحتجاجية وفق الدستور والقانون حتى يتم إسقاط لائحة شؤون الطلاب. ووصف بيان الطلاب المشترك تلك الإجراءات بأنها "شكلت صدمة كبيرة ونكسة خطيرة للحريات والحقوق المكفولة دستوراً وقانوناً، مؤكداً أن اللائحة الطلابية "جاءت لتكرس سياسة القمع والتحريم والمنع الذي يحول الجامعة من بيئة أكاديمية خصبة لتنشئة أفراد متحررين وتنمية مواهبهم وقدراتهم إلى بيئة تنتهك فيها حقوق الطلبة وحرياتهم". كثير من الطلاب أعضاء الإتحاد العام لطلاب اليمن إتهموا حزب التجمع اليمني للإصلاح بدفع عناصره لإثارة الفوضى داخل الحرم الجامعي من خلال تنظيم مسيرات لا تخدم الكيان الطلابي، للاعتراض على لائحة شؤون الطلاب. وقال ممثل اتحاد طلاب اليمن فرع كلية الإعلام وضاح العبسي إن ما يعرف بالقطاع الطلابي التابع لحزب التجمع اليمني للإصلاح "أثار التظاهرات، من خلال تحريض الطلاب ضد رئاسة الجامعة تحت مبرر معارضة اللائحة الجديدة". من جانب آخر، فنّد رئيس جامعة صنعاء الدكتور صالح باصرة الاتهامات التي تطلقها المعارضة بشأن اللائحة الطلابية. وقال إن اللائحة "توضح حقوق وواجبات الطالب الأكاديمية وغير الأكاديمية داخل الحرم الجامعي، بالإضافة إلى تطوير مستوى الدراسة الجامعية، وإعداد كادر مؤهل من الناحية العلمية والنظرية، وكذا من ناحية المهارات المطلوب تنميتها عند الطالب ليكون في مستوى سوق العمل عند تخرجه". وأوضح باصرة أن اللائحة "تطوير للائحة السابقة وقد تم مناقشتها في مجلس شؤون الطلاب ثم في مجلس الجامعة الاستثنائي وكلف لجنة لاعلان الصيغة بحسب ملاحظات المجلس، ثم عرضت عليه وصادق عليها بعد تقديم الملاحظات النهائية وتم إعدادها بصيغتها النهائية ليتم إصدارها بقرار مجلس الجامعة رقم 424 لعام 2004. وهدف المجلس من هذه اللائحة الجديدة الى معالجة الثغرات الموجودة في اللائحة السابقة والتي خلقت بعض الإرباكات للدراسات الجامعية". وتابع باصرة:"تستهدف اللائحة توحيد نظام الدراسة الجامعية في كليات الجامعة، إذ كانت في السابق تخضع لاجتهادات وأمزجة إدارة كل كلية، وكذلك حفظ حقوق الطالب عند الاختلاف مع الكلية أو القسم، بالعودة إلى مرجعية قانونية". وأوضح أن إعادة النظر باللائحة"جاء استناداً إلى نصوص قانون الجامعات اليمنية والقانون رقم 33 لعام 2000 الذي تنص في الفقرة رقم 4 على أن يتولى مجلس شؤون الطلاب الاختصاصات المتمثلة باقتراح النظم والقواعد اللازمة لإجراءات قبول الطلاب وتسجيلهم وتحويلهم وتأديبهم وقواعد الامتحانات وشروط التخرج والتقويم السنوي للجامعة. وتنص المادة 62 على أنه "يحظر ممارسة أي نشاط حزبي داخل الجامعة أو أي مرفق تابع لها كما تحظر الدعاية لصالح أو ضد أي حزب أو تنظيم سياسي داخل الجامعة أو أي مرفق تابع لها". وإعتبر رئيس جامعة صنعاء إن ما ورد في الباب السادس وتحت عنوان ضوابط السلوك الطلابي "هو تنظيم لحقوق الطلاب بإقامة الأنشطة أو تأسيس الجمعيات أو الاعتصام والتظاهر، فالحرية الفكرية وحرية التظاهر أو إقامة الأنشطة أو تأسيس الجمعيات في المجتمع محكومة بالقوانين النافذة الخاصة بهذه الأمور"، متسائلاً: "هل الجامعة مكان مفتوح يستطيع أن يعمل أي طالب أو مجموعة من الطلاب ما يرغبون عمله من دون ضوابط أو إذن مسبق؟ كما أن تأديب طالب ارتكب مخالفة أو أخل بالنظام من خلال القيام بنشاط حزبي أو الاعتداء على أستاذ أو موظف أو طالب أو الغش في الامتحانات أو اقتحام القاعات وإقامة أنشطة والاعتصام والتظاهر من دون إذن مسبق وتخريب ممتلكات الجامعة وإرتكاب أعمال مخلة بالشرف أو الآداب العامة... هو انتهاك للدستور". وأوضح باصرة أن اللائحة ربطت توقيع أي عقوبة بتشكيل لجنة للتحقيق وبالنظر بالأمر في مجلس التأديب وتدرج العقوبات. وتفيد آخر التطورات أن مجلس الجامعة شكل في اجتماعه لجنة خاصة بمراجعة اللائحة الأولية، والنظر في الملاحظات التي قدمها الطلاب.