هل يستحوذ «السيادي السعودي» على 15 % من مطار هيثرو؟    الصين تنشئ صناديق مؤشرات للاستثمار في الأسهم السعودية    الذكاء الاصطناعي يسهم في تصعيد الحجاج إلى عرفات    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    توصية متكررة بتحديث متصفح «غوغل»    الأهلي وصفقات الصيف    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة «السلام في أوكرانيا» بمدينة لوتسيرن السويسرية    بياض الحجيج يكسو جبل الرحمة    الأجهزة اللوحية والبصمات تلاحق غير النظاميين    «الدرون» العين الثاقبة في المناطق الوعرة    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    15 خطيباً اعتلوا منبر عرفة.. أكثرهم «آل الشيخ» وآخرهم «المعيقلي»    «الهلال الأحمر» ل «عكاظ»: إسعافات «طويق» و«طمية» تخترق الصعاب    جماعات الإسلام السياسي وحلم إفساد الحج    5 مخاطر للأشعة فوق البنفسجية    ابتكار علاج جيني يؤخر الشيخوخة    في هذه الحالة.. ممنوع شرب القهوة    سعود عبدالحميد مطلوب في الدوري الإنجليزي    تصعيد أكثر من 42 مليون سلعة تموينية لضيوف الرحمن في مشعري عرفة ومزدلفة    "البيئة" تفسح أكثر من (2,1) مليون رأس من الماشية منذ بداية "ذو القعدة"    أمير الشرقية يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الأضحى المبارك    المتحدث الأمني ل"الوطن": المملكة مدرسة في إدارة الحشود    ضبط (12950) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    40 نيابة قضائية لمباشرة القضايا الخاصة بموسم الحج    خالد الفيصل يطمئن على سير الخطط والأعمال المقدمة لضيوف الرحمن    أمير منطقة الحدود الشمالية يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    عبدالعزيز بن سعود يتفقد قوات الأمن الخاصة المشاركة ضمن قوات أمن الحج    نائب أمير مكة يُعلن نجاح نفرة الحجيج إلى مزدلفة    أمير منطقة القصيم يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    الشيخ السديس يهنئ القيادة بنجاح نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة    مفتي عام المملكة يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    إيطاليا تفوز بشق الأنفس على ألبانيا في يورو 2024    «ميترو» الهلال جاهز    الملك وولي العهد يتلقيان تهنئة قادة الدول الإسلامية بعيد الأضحى    الوقوف بعرفة.. يوم المباهاة    نيمار يُعلق على طموحات الهلال في كأس العالم للأندية    أمير القصيم يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    وزير الخارجية يستعرض العلاقات التاريخية مع رئيس المجلس الأوروبي    خبراء صندوق النقد: استمرار ربط الريال بالدولار مناسب للاقتصاد    وزير الداخلية يؤكد اعتزاز المملكة واهتمام القيادة بخدمة ضيوف الرحمن    «الرياض» ترصد حركة بيع الأضاحي.. والأسعار مستقرة    النفط يسجل مكاسب أسبوعية بفضل توقعات الطلب القوية رغم انخفاضه    بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    العيد في غزة حزين وبلا أضاحي    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة بقمة السلام في أوكرانيا    "الصحة" تُحذر الحجاج من أخطار التعرض لأشعة الشمس    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    أبحاث تؤكد: أدمغة الرجال تتغير بعد الأبوّة    انضمام مسؤول استخباراتي سابق إلى مجلس إدارة شركة Open AI    نائب أمير مكة يتابع أعمال الحج والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    120 مليون نازح في العالم    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدار مكتبي البكر وصدام وتولى الإعلام ورافق ملفات السياسة الخارجية وزيراً وسفيراً حامد الجبوري : الملك حسين أطلق القذيفة الأولى في الحرب العراقية - الإيرانية صاروخ عراقي قتل وزير الخارجية الجزائري وصدام تسلم ملف التحقيق ولم يعلق
نشر في الحياة يوم 25 - 09 - 2003

خلال مراسم تشييع القائد الفلسطيني وديع حداد، في بغداد في 1978، استرجع رجلان ذكرياتهما مع الراحل على مقاعد الجامعة الأميركية في بيروت. كان اسم الأول جورج حبش الأمين العام ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، والثاني حامد علوان الجبوري وزير الدولة العراقي للشؤون الخارجية. وينقل الجبوري عن حبش قوله يومها انه رأى حداد، الطالب الخجول الوديع سابقاً، يصفع كارلوس ولا يجرؤ الرجل الذي يهز العالم على الاعتراض.
وخلال بحثي عن سيرة حداد التي نشرت في "الوسط" على حلقات عشية 11 أيلول سبتمبر 2001، استوقفني اسم الجبوري الذي شارك في تأسيس "حركة القوميين العرب" الى جانب حبش وحداد وهاني الهندي وأحمد الخطيب وآخرين. وقبل الحرب التي أطاحت نظام صدام حسين رحت أبحث عن اسماء عراقيين يمكن أن تساعد شهاداتهم قارئ "الحياة" في التعرف على ما دار داخل كواليس نظام البعث منذ استيلائه على السلطة في 17 تموز يوليو 1968. فاستوقفني اسم حامد الجبوري مرة أخرى.
لم يكن الجبوري الذي جاء الى "البعث" من "حركة القوميين العرب" جزءاً من النواة الصلبة في الماكينة الأمنية الحزبية التي أدارت البلاد بقسوة غير مسبوقة. ولم يكن شريكاً في صناعة القرار الذي كان في غالب الأحيان في قبضة رجل واحد. لكنه كان حاضراً في المواقع الحساسة. فغداة طرد رئيس الوزراء عبدالرزاق النايف في 30 تموز 1968 عين الجبوري وزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية، ليقيم في القصر ويكون على علاقة يومية مع الرئيس أحمد حسن البكر بعد مرور سنوات على تعارفهما في أحد سجون عبدالكريم قاسم. وبعد مرور بوزارتي الثقافية والإعلام والشباب وجد الجبوري نفسه وزير الدولة المكلف رئاسة ديوان صدام حسين، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك. ومن 1977 الى 1984 سيكون وزير الدولة للشؤون الخارجية، وشهد من ذلك الموقع اندلاع الحرب العراقية الايرانية. وبعد مرور بسفارة العراق لدى الاتحاد السويسري عين الجبوري في 1989 سفيراً لدى تونس ومنظمة التحرير ومندوباً دائماً لدى الجامعة العربية. وفي 1993 سيغادر منصبه رافضاً العودة الى العراق ومنتقلاً الى المعارضة.
سألت حامد الجبوري عن شعوره يوم سقط نظام صدام، فقال انه لم يبتهج "لأنني كنت أريد سقوطه بأيد عراقية ومن دون وقوع العراق تحت الاحتلال". واستغرب أن يقدم صدام نفسه زعيماً للمقاومة متناسياً "انه صانع الكارثة". لكن الجبوري لم ينكر أنه اعجب بصدام يوم لقائهما الأول في 1967 وأنه أحبه أيضاً. وروى أن البكر كان رجلاً وطنياً يمتاز بالدهاء والمكر لكنه غير مولع بالقتل والتصفيات الدموية التي اعتمدها صدام باكراً وحولها أسلوباً في الحكم.
انها شهادة من داخل النظام ومن داخل مكتبي الرجلين اللذين يفترض أنهما تقاسما السلطة. وسيكشف الجبوري ان "الرجل الثاني" بكر في الاستئثار بالأوراق وحول "الأب القائد" أسيراً في قصر الرئاسة. وها هي "الحياة" تنشر هذه الشهادة باستثناء حفنة عبارات وردت على لسان الرئيس المخلوع وتشكل مساً بكرامة قادة ومسؤولين. وكما سائر المساهمات في سلسلة "يتذكر" فإن الباب يبقى مفتوحاً لكل توضيح أو نقد أو تصحيح. وهنا نص الحلقة الأولى:
في أيلول 1980 كنتم وزير دولة للشؤون الخارجية، هل عرفتم بالحرب مع إيران قبل وقوعها؟
- لا. طبعاً لم تكن أجواء التوتر خافية على أحد لكن لم يتم التحدث في مجلس الوزراء عن حرب مع إيران. استدعي رئيس هيئة الأركان عبدالجبار شنشل إلى مجلس الوزراء، وقال له صدّام: "اشرح للاخوان الوزراء الوضع على الحدود بيننا وبين إيران". وكان شنشل يتحدث عن الوضع ولكن من دون أي تلميح إلى احتمال اندلاع حرب على رغم الاشكالات.
وعن الخميني؟
- كان صدّام يكرهه كرهاً شديداً. كان الخميني موجوداً في النجف ولديه مساعد هو الشيخ محمود دعائي الذي كان يتعاون مع الاستخبارات العراقية ويشرف على إذاعة بالفارسية موجهة من الأراضي العراقية ضد الشاه. وصار دعائي لاحقاً أول سفير للثورة الإسلامية لدى العراق. وسألني صدّام ذات يوم هل قرأت عن ولاية الفقيه؟ فأجبت بالنفي. فقال: إنه كتاب صغير يجب أن تقرأه. ثم انطلق في الحديث عن مساوئ الخميني وطمعه في السلطة. تخوّف صدّام من أن يكون لدى شيعة العراق هوى إيراني. ربما كان ذلك من أسباب الحرب العراقية - الإيرانية. السبب الرئيسي، في اعتقادي، هو طموحه في أن يكون سيد الخليج. شعر بأن هاجس الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، هو احتواء الثورة الخمينية التي رفعت شعار تصدير الثورة وأثارت قلق جيرانها. ولعله اعتبر أن تصديه لإيران الخميني سيضع الأساس ليصبح رجل أميركا في المنطقة. طبعاً لعب أحد الزعماء العرب دوراً في دفع صدّام في هذا الاتجاه ووعده بالحصول على دعم غربي.
حاولت الجزائر التوسط لإنهاء الحرب العراقية - الإيرانية وقتل وزير خارجيتها محمد بن يحيى في 4 أيار مايو 1982 خلال مهمة مكوكية بين بغداد وطهران، ماذا تذكر عن الدور الجزائري؟
- الجزائر صاحبة خبرة في ملف الخلاف العراقي - الإيراني. فهي كانت راعية الاتفاق الذي وقعه شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين في 1975 والمعروف ب"اتفاق الجزائر".
لا أريد الخوض في الأسباب التي دفعت صدّام إلى توقيع ذلك الاتفاق. نتائجه تكفي للايضاح فقد أدى توقيعه إلى انهيار الثورة الكردية التي تخلى عنها الشاه في مقابل ما حصل عليه بموجب الاتفاق. واضح أن صدّام فضّل في تلك المرحلة تأمين الداخل، أي سلامة النظام. وكل شيء يشير إلى أنه وقّع على أمل بأن تساعده التطورات لاحقاً على نقض الاتفاق الذي لم يتردد في تمزيقه وإعلان إلغائه بعد اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية.
بن جديد يتهم صدّام
إذاً تعرف الجزائر مواضيع الخلاف وتعرف الحساسيات. وقبل أن تسعى إلى انهاء الحرب، سعت إلى منع اندلاعها. خلال الحرب ولدى تزايد الضغط الإيراني بعد انقضاء فترة تفوق الجيش العراقي، حملني الرئيس صدّام حسين رسالة إلى الرئيس الشاذلي بن جديد تتعلق بالحرب وتطوراتها والجهود لوقفها. استقبلني الرئيس الجزائري وكان برفقتي عبدالحسين الجمالي وكيل وزارة الخارجية العراقية.
وعلى رغم التحفظ الذي يطبع سلوك المسؤولين الجزائريين فوجئت بالرئيس بن جديد يقول لي الآتي: تشكلت لدينا قناعة بأن الرئيس صدّام يعيش في أجواء توحي بالمزيد من التصعيد ضد إيران. لا مصلحة لأحد في اندلاع نزاع من هذا النوع يستنزف طاقات البلدين ويهدد الاستقرار في المنطقة. شعرت بأن من واجبي كرئيس للجزائر أن أحاول منع التصعيد والانزلاق إلى الحرب. ذهبت إلى بغداد وعرضت الموقف مع صدّام وألححت عليه من أجل العمل على تجنب مواجهة كنت اعتبرها مشروع كارثة. للأسف الشديد لم يكترث صدّام لما قلته. تجاهل رأيي ولم يعطني أي موقف مطمئن. خرجت من اللقاء معه قلقاً فقد بدا أنه اعتمد تماماً خيار التصعيد. أقول آسفاً انه بدا كمن يسعى إلى الحرب. وحين عدت إلى الجزائر لم تتأخر الحرب في الاندلاع.
ومقتل وزير الخارجية الجزائري؟
- اندلعت الحرب وظهرت دعوات إلى وقفها وتحركت وساطات. طبعاً لم يكن سهلاً وقف تلك الحرب. المشكلة لم تكن في الحساسيات التاريخية والقديمة بين البلدين. كانت هناك مشكلة آنية شديدة التعقيد وهي الكره الشديد المتبادل بين الرجلين القويين اللذين يتواجهان في الحرب، وهما صدّام حسين من جهة وآية الله الخميني من جهة أخرى. صدّام اعتبر أنه يصدّ الخطر الإيراني عن العراق والمنطقة. والقيادة الإيرانية اعتبرت أنها في موقع الدفاع عن النفس وان الجانب العراقي هو الذي بادر إلى اشعال الحرب.
موسكو تؤكد
تحركت الجزائر عبر وزير خارجيتها، وكان مسعاها يلقى ترحيباً من جهات كثيرة ادركت خطورة استمرار هذا النزاع في منطقة حساسة. جاء وزير الخارجية الجزائري في المرة الأخيرة ومعه وفد من كبار الموظفين الجزائريين محاولاً بلورة قاسم مشترك يمكن على أساسه وقف الحرب. وقرر التوجه إلى إيران في إطار تحركه المكوكي. سلكت طائرة الوزير الجزائري طريق المثلث الحدودي العراقي - الإيراني - التركي، واختفت فجأة.
بعد فترة طويلة جاءنا وزير النقل والمواصلات الجزائري مبعوثاً من الرئيس بن جديد. استقبله صدّام وكنت حاضراً. حمل الوزير الزائر معه ملفاً ضخماً جداً حوى نتائج التحقيقات التي أجرتها الجزائر حول اسقاط الطائرة. قدم الوزير ايجازاً شفهياً إلى الرئيس العراقي ومفاده أن بلاده أجرت تحقيقاً واسعاً وثبت لديها على نحو قاطع أن الصاروخ الذي اسقط طائرة وزير الخارجية الجزائري اطلق من طائرة عراقية. وأوضح أن أجزاء من الصاروخ سقطت في الأراضي الإيرانية وعثر عليها بما في ذلك الرقم الموجود على الصاروخ، وان الاتحاد السوفياتي أكد أن ذلك الصاروخ كان جزءاً من صفقة صواريخ اشترتها بغداد من موسكو. وقال الوزير الزائر إن الرئيس بن جديد أصدر تعليمات مشددة تقضي بأن يكون الاطلاع على ملف التحقيق محصوراً بمجلس الوزراء الجزائري وقيادة جبهة التحرير الوطني، وان التعليمات تشدد على عدم تسرب أي شيء إلى وسائل الإعلام، حرصاً على العلاقات بين البلدين. تسلّم صدّام الملف ولم يعلّق على كلام الوزير الجزائري ولم يقل كلمة واحدة عن نتائج التحقيق. وكان موقفه غريباً، إذ كان يمكن التخفيف أن يعد بتحقيق أو يشكك في النتائج.
التنازل عن الجزر!
لم يكن صدّام يريد وقف الحرب؟
- من خلال وجودي في وزارة الخارجية وما سمعته، وصلت إلى قناعة أن صدّام كان مصراً على اسقاط النظام الإيراني، أو على الأقل خلخلته تماماً لتسهيل سقوطه. لهذا لم يكن معنياً فعلياً في المراحل الأولى بأي وساطة ترمي إلى وقف النزاع. أذكر أن الرئيس أحمد سيكوتوري رئيس غينيا ورئيس لجنة المساعي الحميدة ل"منظمة المؤتمر الإسلامي" حاول بدوره انهاء النزاع. في رحلته الأخيرة عقد اجتماعاً مع صدّام في مطار بغداد وكنت حاضراً. كان سيكوتوري، ككل وسيط، يسعى إلى انضاج المواقف لترسيخ القناعة لدى الطرفين بأن الخيار الوحيد هو خيار وقف الحرب.
واستهل سيكوتوري اللقاء متفائلاً، وإذا بالرئيس العراقي يفاجئه بشرط جديد لوقف القتال وهو أن تعلن إيران تخليها عن الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. بدا الاستغراب واضحاً على وجه سيكوتوري الذي خاطب صدّام قائلاً: هذا مطلب تعجيزي يا سيادة الرئيس. أرى انك لست راغباً في انهاء الحرب. الجزر الثلاث ليست عراقية ولا يطالب العراق بالسيادة عليها. لا استطيع أن أنقل إلى الإيرانيين طلباً من هذا النوع. الأولوية يجب أن تكون لوقف الحرب.
بعدها تخلّى سيكوتوري عن المهمة التي انتقلت إلى رئيس غامبيا.
هذا يعني أن صدّام تبنى مطالب دولة الإمارات العربية المتحدة، فهل كانت علاقته معها جيدة؟
- نعم. ذات يوم وكان صدّام لا يزال نائباً توقف في الإمارات في طريق عودته إلى بغداد من موسكو. لم أكن حاضراً يومها، ولكن نُقل إليّ أنه اتخذ موقفاً يعبر عن عمق العلاقات. قيل إنه أبلغ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أنه إذا تحرش الاتحاد السوفياتي بدولة الإمارات، فإن العراق سيضع جانباً معاهدة الصداقة والتعاون مع السوفيات، وسيقف بكل قوته إلى جانب الإمارات.
طبعاً في موضوع الحرب العراقية - الإيرانية لم تبخل دول الخليج على صدّام بالدعم. لكن صدّام كان يعتبر أنه بمحاربته إيران يدافع عن العراق ودول الخليج معاً. بعبارة أخرى كان يعتقد بأن العراق هو الدولة الوحيدة المؤهلة للوقوف في وجه إيران، وان دول الخليج ليست قادرة على ذلك بقواها الذاتية. من هنا نظر إلى الدعم الخليجي كأنه واجب على هذه الدول، إذ أنها تدفع المال فقط، فيما يدفع العراق المال والدم معاً. وربما هذا ما يفسّر موقفاً مؤسفاً شهدته بنفسي.
قدمت دول الخليج مساعدات سخية إلى العراق بعد اندلاع الحرب مع إيران. لكن تلك الحرب بدت خطيرة على استقرار المنطقة وبدت باهظة التكاليف أيضاً.
في إحدى الفترات بدا أن الدول الخليجية راغبة في وقف الحرب وظهرت مؤشرات إلى ميلها لتقليص مساهمتها المالية فيها. جاء وزير الخارجية الإماراتي راشد عبدالله النعيمي واستقبله صدّام وكنت حاضراً. فجأة أراد صدّام توجيه رسالة قاسية وخاطب النعيمي قائلاً: "سلّم على… وقل له…". لا أريد نقل العبارة بحرفيتها لأنها غير لائقة، وهي تتحدث عما كان يمكن أن تفعله إيران بالإمارات ودول أخرى لولا وجود صدّام.
تكهرب الجو وامتعض الوزير الزائر لكنه لم يجب. رافقته إلى المطار وكان شديد الانفعال. نظر إلى الأمر كأنه دليل على نكران الجميل أو العنجهية والابتزاز. طبعاً من الخطير أن يتصرف رئيس دولة بهذا الاسلوب.
علاقات القوة
وعلاقات صدّام مع الكويت؟
- كان صدّام يعد نفسه ليكون زعيم المنطقة. يعتقد في قرارة نفسه بأن العراق دولة مهمة لديها جذور عميقة في التاريخ ولديها ثروة نفطية وماء وزراعة. ويعتقد في الوقت نفسه بأنه قائد استثنائي وان هذا اللقاء بين بلد يملك قدرات وقائد قوي يصنع دوراً كبيراً له وللبلد. اعتبر صدّام أنه الأقدر بين قادة المنطقة على اتخاذ القرارات الكبرى مهما كانت صعبة. اعتقد بأن الآخرين لا يملكون حرية القرار ويخشون إما شعوبهم وإما الدول الكبرى. لم يكن يقبل بأي تأثير في قراره لا من السوفيات ولا من الآخرين. ولم يكن في استطاعة رئيس يفكر بهذه الطريقة قبول مزاحمة من دول عربية أخرى. وإذا كان لا يقر لدول عربية أساسية بمثل هذا الحق فكيف يقر به لدولة صغيرة مثل الكويت يعتقد فريق من العراقيين بأنها جزء من بلادهم.
في العلاقات مع الدول كما مع الأفراد يريد صدام أن يكون مرهوب الجانب. أي انه يدخل عنصر القوة في المعادلة. وهو يؤمن بأن القوي يستطيع أن يفرض نفسه في الداخل وفي المنطقة أيضاً. سيطرته المطلقة على الآلة الحزبية والأمنية وسيطرته على جيش كبير وسيطرته على بلد يملك احتياطاً نفطياً هائلاً كلها عوامل جعلته يتعامل مع الآخرين بأسلوب يمتاز بالتعالي والغطرسة.
هل هناك حادثة معينة قبل الغزو تشرح هذه الصورة؟
- نعم. ذات يوم كان هناك اجتماع للسفراء العراقيين المعتمدين في الخارج. ودرجت العادة ان يحضر صدام الاجتماع الختامي. كان المطلوب من كل سفير أن يتحدث عن العلاقات بين البلد الذي يقيم فيه والعراق. أي ان يقدم ايجازاً عن وضع العلاقات وهل هناك مشاكل أم لا.
تحدث عدد من السفراء، وجاء دور سفير العراق في الكويت، وكان من آل الجعفري على ما أذكر. منذ اللحظة الأولى بدا ان السفير يريد إثارة صدام ضد الكويت. قال ان زورقاً حربياً كويتياً اخترق المياه الاقليمية العراقية، وأنه طلب لقاء عاجلاً مع وزير الدفاع الكويتي ولفته الى عدم جواز تكرار مثل هذا الحادث. وأضاف ان الحادث تكرر ملمحاً الى أن المسؤولين الكويتيين لم يأخذوا التحذير العراقي على محمل الجد.
حقق اسلوب السفير غرضه. بدت معالم الامتعاض على وجه صدام ثم تحولت الى معالم غضب. وفجأة خاطب السفير قائلاً: ترجع غداً الى الكويت بلا تأخير. تذهب فوراً الى صباح الأحمد وزير الخارجية وتقول له ان صدام يقول لك ... ولا أريد نقل العبارة حرفياً فقد تضمنت تهديداً وكلاماً شخصياً جارحاً. وأضاف: "وقل له ايضاً: العصفور الذي يخترق أجواء العراق نقص ذيله".
هذا حدث قبل التوتر الذي سبق الغزو في صيف 1990، كان صدام يعتبر صباح الأحمد مهندس السياسة الخارجية الكويتية.
وسام ووعد بزيارة
شاركت في القمة العربية في بغداد في أيار مايو 1990 قبل شهرين من الغزو العراقي للكويت، كيف كانت العلاقات؟
كانت العلاقات في تلك الفترة طبيعية على الأقل في الظاهر. منح صدام أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد وساماً رفيعاً. وعاتب أمير الكويت صدام لتأخره في تلبية الدعوة التي وجهها اليه مرات عدة وقال له: "صار دورك الآن ان تزورنا". فرد عليه: "ان شاء الله يجي وقت نزورك".
لم يكن أحد آنذاك يتوقع ان يعبر الجيش العراقي في آب اغسطس الحدود الدولية ليجتاح الكويت. طبعاً كان هناك قبل الغزو حديث عن أسعار النفط ولوم للكويت والامارات. وكانت لدى صدام مرارة نتيجة شعوره بأن العراق دافع عن دول المنطقة وخرج من حربه مع ايران مثقلاً بالديون. كان يعتقد بأنه حقق انتصاراً كبيراً وأن بعض دول الخليج يتواطأ مع دول كبرى لإضعافه وإنهاك نظامه وضرب الدور الذي بذل الكثير من أجل انتزاعه.
سوء التفاهم مع القذافي
والعلاقة مع العقيد معمر القذافي؟
- كانت سيئة. طبعاً العقيد القذافي تطلع الى دور كبير بعد غياب جمال عبدالناصر. أسلوبه جعله محط اهتمام وسائل الإعلام الى درجة أنه تحول نجماً. اعتبر صدام ان القذافي ليس مؤهلاً لمثل هذا الدور. قال صدام هذا الكلام وقال أكثر.
في السبعينات، وبعد سنوات من ثورة الفاتح، جاء الزعيم الليبي الى بغداد. وخلال الزيارة كنا معه في حديقة قصر الضيافة. جاء صدام، وكان السيد النائب، للسلام عليه. لم يظهر القذافي اهتماماً حتى وصل صدام اليه. من يعرف صدام يعرف أنه لا يقبل مطلقاً مثل هذا التعامل. صحيح أن لقبه "الرجل الثاني" لكنه كان يعتقد بأنه أهم من الرجل الأول. في وقت لاحق تحدث صدام عن الزعيم الليبي بعبارات ساخرة من نوع من هو هذا القذافي؟
في مؤتمر القمة العربية في بغداد تأخر بدء الجلسة الافتتاحية بسبب تأخر القذافي في الحضور. طبعاً للقذافي أسلوبه في المشاركة في القمم واجتذاب الأضواء خلال انعقادها. امتعض صدام. وقال القذافي حين وصل: ذهبت لأزور جدي الإمام موسى الكاظم. خلال الجلسة طلب القذافي الكلام فقال صدام بشيء من التهكم: "الكلمة الآن للأخ العقيد معمر القذافي رئيس الجماهيرية الليبية ولا أذكر بقية الاسم والتفت إلى القذافي وقال له أكمله أنت". وضجّت القاعة بالضحك.
العلاقة الخاصة
كيف كانت علاقة صدام مع الملك حسين؟
- كانت علاقتهما قوية وكان الملك حسين يعامل صدام كزعيم كبير. سأقول لك أمراً يصعب تصديقه. أول قذيفة من مدفع دبابة اطلقت في الحرب العراقية الايرانية أطلقها الملك حسين.
كيف حدث ذلك؟
- كان ذلك في 22 أيلول سبتمبر 1980. صعد صدام والملك حسين الى دبابة قرب خطوط النار. العاهل الأردني صاحب خبرة. بارك الحرب باطلاق أول قذيفة.
هل أنت متأكد من هذه الحادثة؟
- نعم أنا متأكد. كان للملك حسين دور كبير في تلك المرحلة. وكانت زياراته شبه اسبوعية ومعظمها غير معلن.
كيف كان صدام يستقبل الملك حسين؟
- بحميمية كاملة، ويخاطبه قائلاً: "يا ابن العم".
وماذا أيضاً؟
- أنا اعتقد بأن الملك حسين لعب دوراً مهماً في تشجيع العراق على خوض المواجهة مع ايران. كان من المهم لأميركا وأوروبا كسر الموجة الاسلامية التي اطلقتها الثورة الايرانية. لقد تلقى صدام حسين في تلك الحرب أشكالاً من الدعم الدولي والعربي. الأميركيون قدموا معلومات استخبارية وصوراً جوية للحشود الايرانية. أنا تسلمت قسماً من الصور من سفير عربي في بغداد. مصر كانت تبيع العراق اعتدة بالعملة الصعبة وأضعاف ثمنها الحقيقي.
موعد غريب
أعود الى مسألة غريبة حصلت معي في الأردن: كنت سفيراً في تونس ومررت في عمان في طريقي من بغداد الى مقر عملي. كان ذلك عام 1992. كنت في الفندق في عمان مع زوجتي حين تلقيت اتصالاً: "ان جلالة الملك يريد أن يراك غداً". اعتذرت وقلت انني سأغادر عمان في اليوم التالي. لم يكن ثمة ما يبرر اللقاء. أنا سفير في تونس وللعراق سفير في عمان، وإذا كان الملك حسين يريد ايصال رسالة فالقنوات الرسمية الطبيعية موجودة ومعروفة. اعتذرت، وإذ بي أتلقى اتصالاً جديداً يقول ان الملك ينتظرك بعد ساعة. لم يعد هناك خيار أمامي. وقلت انه يريد بالتأكيد قول شيء لا يريد قوله لنوري الويس سفير العراق في عمان والذي كان متغلغلاً في الحكومة الأردنية والطبقة السياسية والأوساط الحزبية والإعلامية.
جاءتني سيارة وأخذتني الى البلاط. ادخلت من الباب الخلفي. مدير المكتب قدم إلي القهوة وأبلغني ان الملك جالس مع الشريف زيد بن شاكر رئيس الديوان. خرج زيد وتعانقنا ودخلت على الملك. على مدى ساعة ونصف ساعة لم أفهم ماذا يريد الملك. تلميحات بشأن صدام من دون التورط في كلام واضح. ومن جملة ما قاله ان قبيلة الجبور الكبيرة والمحترمة حملت صدام على أكتافها فهل تكافأ بإعدام عدد من أبنائها! وسألني عن مستقبل العراق. كلام من هذا النوع ولكن من دون مواقف ملموسة. بعدها سألني: "تأمرنا بشيء". فأجبت: "جلالة الملك، ليس لدي ما أطلبه لشخصي، كل ما أتمناه هو أن تشمل برعايتك ابناءك العراقيين الذين اضطروا الى مغادرة وطنهم". فرد مؤكداً انه يعتبرهم ابناء له. قلت له: "اننا لا ننسى ما حل في العراق بعائلتكم الكريمة"، فدمعت عيناه. طبعاً الملك حسين كان يحب الملك فيصل الثاني محبة قوية، لكنه لم يكن يحب عبدالاله خال الشريف علي الذي يحاول استعارة شرعية ممن لا شرعية له.
غادرت ولم أفهم سبب الإلحاح على اللقاء. صرت في وضع محرج. يجب علي كسفير أن أقول لسلطات بلدي ما حصل معي. ترددت، فمجرد الابلاغ سيثير شكوك صدام. قررت أن أسكت على رغم مخاوفي من أن تتسرب حتى من داخل الديوان الملكي. والواقع ان تلك الحادثة كانت بين الأسباب التي جعلتني أخشى العودة الى بغداد. حدث ذلك في 1992 وفي السنة التالية تركت منصبي.
والعلاقات مع السعودية؟
- بأمانة كاملة أقول انها كانت جيدة وبدا لي ان صدام يكن تقديراً للسعودية وقيادتها. لم أسمع منه أي اساءة. ما حدث بعد غزو الكويت لم أكن شاهداً عليه.
غداً حلقة ثانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.