من الأخبار المضيئة بحقٍ الاعلان عن تأسيس مركز للحوار ومكافحة التطرف في المملكة العربية السعودية. فالمركز سيفتح أبواب الحوار لكي يقطع دابر التعصب والارهاب، ويتصدى المشاركون فيه للنباتات الطفيلية والسامة قبل أن يشتد عودها وتفسد المحصول. ولا ريب ان أكثر التركيز سيكون على مناهضة الفكر التكفيري المسلح الذي يرتدي أقنعة دينية براقة لجذب واستقطاب الشباب. بيد أن التطرف يعبر عن نفسه بعدة ظواهر بعضها غير عنيف ولا مسلح لكنه بغيض يبذر بذور الشقاق والتنافر. وأسطع مثل لذلك هو الافكار العنصرية التي تُروَّج باسم الاسلام في كتب تطبع طباعة فاخرة وتوزع مجانا في كل أنحاء العالم. بين يدي ثلاثة مجلدات من كتاب اختار له مؤلفه الشيخ السيد سابق عنوانا جامعا ولامعا هو: فقه السنة. ألف الكتاب ونشر لأول مرة في أربعينات القرن العشرين بدليل ان حسن البنا كتب له مقدمة قصيرة إلا ان النشر أعيد سبع مرات آخرها عام 1985، الذي ظهرت فيه طبعتان واحدة ببيروت والثانية بجدة. فاذا تركنا جانباً التحريض ضد الحكومات ورؤسائها الذين يطلق عليهم المؤلف نعت "المسلمين الجغرافيين" ويقول ان الافرنج اتخذوهم "آلات لاخضاع الشعوب" ويفتي بعدم دفع الزكاة لهم مهما كان دينهم "الرسمي"، فاننا نجد اشارات اجتماعية عدة للرق. في المجلد الأول افتراض متكرر بأن الرق لا يزال يمارس وأن الأحكام المتعلقة به سارية المفعول وينبغي ان تُنشر لتعم الفائدة ويكتمل التطبيق السليم! وهذا خطأ جسيم لأن المجتمعات الانسانية تجاوزت المراحل التي كان المجتمع فيها عند العرب او غيرهم يعترف بالرق وينظم شؤونه. ويقضي الوضع الاجتماعي الحديث ان يذكر المؤلف وناشرو الطبعات المتتابعة ان الرق أُلغي وان هناك اتفاقات دولية تنص على الالغاء وعلى المساواة بين البشر بصرف النظر عن ألوانهم وأديانهم ومناطقهم الجغرافية، كما تعاقب على بيع أو شراء الآدميين، أو اضفاء اية صبغة قانونية على لوائح تتصل بذلك. يكتب المؤلف ايضاً عن اللون الاسود باعتباره عيباً وسبة، وهذه عنصرية لا علاقة لها بالاسلام ولا بالعصر الحديث. ويشكل السود نسبة عالية لا يستهان بها من سكان البلاد العربية والاسلامية. كما ان أهم أسرار جاذبية الاسلام في افريقيا وآسيا وبين الأميركيين السود انه يدعو إلى لمساواة بين الشعوب والقبائل بمختلف ألوانها واجناسها، وان المسلمين يختلطون في الحج بلا حواجز أو تفرقة عرقية أو طبقية. ومن شأن الأفكار العنصرية الواردة في كتاب السيد سابق ان تفضي الى فتنة وتفرقة بين المسلمين. نجد امثلة اضافية للأفكار العنصرية في المجلد الثاني ص 65 حيث يلخص المؤلف رأي الفقهاء في فسخ عقد الزواج بسبب عيب معين فيقول: "فإذا شرطته شاباً جميلاً صحيحاً فإن شيخاً مشوهاً أعمى أخرس أطرش أسود فكيف تلزم به وتمنع من الفسخ؟". فهو يضح اللون الاسود في مرتبة مساوية للعاهات الجسدية المنفرة، وهذا لا يليق حضاريا كما انه غير دقيق واقعياً. فللون الاسود بمختلف درجاته عشاقه وعاشقاته! مما تشهد عليه الأغاني وأشعار التراث. ويعرف من يزورون السودان أو يدرسون عادات اهله ان الأبيض لا يعتبر أصيلا ولا شجاعاً ولا كريماً! هذه بالطبع "عنصرية مضادة" نوردها في مجال دحض المسلمات التي ينطلق منها السيد سابق وليس في مجال الاشادة بها. يقول المؤلف ايضاً في المجلد الثاني ص 91 "اتفق العلماء على انه يجوز للعبد ان يتزوج الأمَة وعلى انه يجوز للحرة ان تتزوج العبد إذا رضيت بذلك هي واولياؤها". ويحق لنا ان نسأل: أين يحدث ذلك؟ وما صلة هذه المعلومات بالعصر الذي نعيش فيه؟. ويقول في باب الكفاءة ص 148: "فالعبد ليس بكفء للحرة ولا العتيق كفئا لحرة الأصل". كما يقول ان "الاعجمي لا يكون كفئاً للعربية والعربي لا يكون كفئاً للقرشية"! ويقول في المجلد الثالث تحت باب "موانع الإرث" ص 608 ان الرق من موانع الإرث، سواء كان تاماً أم ناقصاً. ويحق لنا ان نسأل المؤلف: أين يطبق ذلك؟ وما صلته بعصرنا الراهن؟ وإذا راجعنا كتب التراث الاسلامي، فإننا نجد تطبيقاً عملياً للحديث الشريف "لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى" في الحادثة التي وردت في "صحيح مسلم" من ان ابا سفيان مر على بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، فقالوا بصوت مسموع: "والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها". فمسعهم ابو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: "أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟!". ثم اخبر النبي ص بما حدث فقال له النبي: "يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم. لئن كنت اغضبتهم لقد أغضبت ربك". فرجع اليهم أبو بكر الصديق معتذراً. ما أبعد الشقة بين هذا الموقف وبين الأفكار التي ينشرها الشيخ السيد سابق باسم الاسلام. ان هذا الكتاب بعنوان الجامع اللامع يوزع مجاناً ويسيء الى الاسلام والى حقوق الانسان. والقضية، بالتالي، متشعبة وتتلخص في منهج تناولنا للتراث: هل ننتقي ما يساعد على تناغمه مع العصر ونترك ما تجاوزه الزمن، ام ننقله بحذافيره على رغم اختلاف القرون دون مراعاة للظروف الاجتماعية المستجدة؟ أملنا ان يصير مركز الحوار ومكافحة التطرف ساحة للجدل الصحي الموضوعي حول الافكار العنصرية والقبلية المتخلفة التي تنشر وتوزع باسم الاسلام الحنيف.