في "الحياة" 14/9، وتحت عنوان "متى نواجه العنصرية المستترة خلف الدين"، كان هجوم الاستاذ خالد المبارك على كتاب "فقه السنة"، وعلى مؤلفه السيد سابق، هجوماً من النوع الذي يشهد ان عين السخط تبدي المساوئ - كما قال أحد الشعراء. بداية، أظن ان هذا الكتاب ومؤلفه زكاهما - على مدى عشرات السنين - ملايين من المسلمين الذين أرجو ان لا تعتبر نفسك أحرصهم جميعاً على "حقوق الانسان"، أو أكثرهم عداء، لتلك "العنصرية" التي تنسبها ظلماً الى الكتاب ومؤلفه. فلتسمح لي، اذاً، ان أوضح كيف ان محاور هجومك، على هذا المرجع الفقهي، لا تستند الى أساس أو منطق أو علم أو دليل. فأولاً أراك تنشغل - في نصف مساحة مقالك تقريباً - باستنكار ما أورده المؤلف من أحكام فقهية عن "الرق"، حيث لا ترى داعياً لذكرها بعد ان اندثر الرق. ولكنني سأذكر لك فقط، مثالاً صغيراً، أرجو ان يقنعك بخطأ رأيك هذا. في دورية "دراسات اقتصادية إسلامية" التي تصدر عن البنك الإسلامي للتنمية، في "المجلد الخامس / العدد الثاني - الصادر في المحرم، سنة 1419 ه، نشر فقيه معاصر في الاقتصاد الإسلامي، هو الدكتور محمد علي القري مقالاً بعنوان: "الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة - دراسة فقهية اقتصادية". واسمح لي ان أقرأ عليك سطوراً قليلة، من هذا المقال، في الدورية المشار اليها. يقول الكاتب: "كان الرق موجوداً. فجاءت الشريعة له بأحكام مفصلة، شغلت حيزاً ليس باليسير من كتب الفقه. لقد ظن البعض ان ليس لأحكام الرقيق ومعاملة العبيد، مناط في حياتنا المعاصرة. صحيح ان الرق انتهى الى غير رجعة. لكن تلك الأحكام، تمثل أصولاً مهمة... يمكن ان تلحق بها بعض فروع المعاملات المالية المعاصرة، لا سيما في مجال الشركات ذات المسؤولية المحدودة - وبخاصة شركات المساهمة العامة - وأحكام التعامل بالأسهم... كما سيأتي تفصيله". هذاالتفصيل للأحكام الفقهية لمسائل اقتصادية معاصرة ربما لم يكن بوسع فقيهنا المعاصر ان يبسط فيه آراءه الجديدة التي تناسب زماننا هذا، لو لم يسعفه تراثنا الفقهي عن "الرق". ذلك التراث الذي لا يعجبك، وتطالب فقهاءنا باسقاطه. وثانياً، أراك تجتزئ ثلاثة سطور من كتاب يناهز عدد صفحاته الألفي صفحة، ثم تخرج تلك السطور من سياقها وموضوعها الأصلي لكي تصدر حكماً عاماً يؤكد "عنصرية" الكتاب، ومؤلفه. وأسوأ ما في هذا الاجتزاء، أنك لا تشير الى ان هذه السطور المجتزأة ليست من كلام الكاتب، وانها مجرد قول نقله المؤلف - بحذافيره - عن قائله، مثلما نقل مئات غيره من الأقوال، في أكثر من موضع من الكتاب. حين نقل المؤلف هذا القول من دون تحريف، متفهماً ثقافة القائل وظروف مجتمعه، فانه يكفينا لكي نعرف ان الكاتب لم يقصد ابداً اي اشارة الى ان "الرجال البيض" أفضل من "الرجال السود"، يكفينا لكي نعرف ذلك، ان نكف عن الاجتزاء، واخراج الكلام من سياقه. وهو جاء في سياق طويل يبحث موضوعاً ملخصه ان "الزهري، يرى ان عقد الزواج يمكن ان يعتبر مفسوخاً، اذا اشترط احد الزوجين - في الطرف الآخر - شرطاً يراه جوهرياً، ثم تبين له عدم وجود هذا الشرط الجوهري". هل تسمح لي ان أدلك على رأي هذا الكاتب "العنصري"، وعقيدته، ومذهبه في هذا الموضوع بالذات، من واقع كلامه هو، وليس من واقع احد الأقوال التي نقلها، فكان هو القول الوحيد المنقول، الذي شاءت لك عين سخطك ان تختاره - من بين مئات الأقوال المنقولة - ثم تخرجه عن السياق وعن أصل الموضوع، لكي تصل الى نتيجة مؤداها ان "من شأن الأفكار العنصرية الواردة في كتاب السيد سابق، ان تفضي الى فتنة وتفرقة بين المسلمين"؟ اذا سمحت لي ان أدلك على رأي الكاتب وعقيدته بهذا الخصوص، فأرجو ان ترجع الى موضوع عنوانه الاعتراف بحق الفرد وكرامته في هذا الكتاب "العنصري"، فستجد ان كاتبه "العنصري" يقول: "والاسلام - بعد ان أشاد بمبدأ السلام وجعل العلاقة بين الناس علاقة أمن وسلام - احترم الانسان وكرمه، من حيث هو انسان بقطع النظر عن جنسه، ولونه، ودينه، ولغته، ووطنه، وقوميته، ومركزه الاجتماعي". ثم يضيف قائلاً: "ومن أجل ان يكون هذا التكريم حقيقة واقعة، وأسلوباً في الحياة: كفل الاسلام جميع حقوق الانسان، وأوجب حمايتها وصيانتها، سواء أكانت حقوقاً دينية أو مدنية أو سياسية. ومن هذه الحقوق: حق الحياة - حق صيانة المال - حق العرض - حق الحرية". ثم يضيف قائلاً: "وأوجب الاسلام على الدولة، المحافظة على هذه الحقوق جميعها. وأن حقوق الانسان لا تنتهي عند هذا الحد. بل هناك حقوق اخرى منها: حق المأوى - حق التعلم وابداء الرأي". أظنك تعرف، وهذا الكتاب "العنصري" بين يديك، انني كنت أستطيع ان استخرج لك من بين دفتيه المزيد من الشواهد والأدلة التي تهدم كل اتهاماتك لهذا الكتاب ولمؤلفه، لولا اني لا أريد الإطالة" كما انه من الواضح لك قطعاً، انني فيما نقلته لك آنفاً من اقوال، لم اجتزئ، ولم أبتسر، ولم أخرج الكلام عن سياقه ومعناه، ولم آخذ أقوالاً ينقلها الكاتب عن آخرين، فأنسبها اليه وأجعلها من كلامه. الدمّام - عادل محمد صومع