يعتمد المنتجون في الشاشة الصغيرة على السيناريوات الجاهزة أو التي كتبت خصوصاً لهذا الغرض، وآخر ما يفكر به هؤلاء الاعتماد على الرواية الخليجية. وسواء وافقنا الكثير أم لا... فإنها الحقيقة التي لا يمكن اغفالها في أي شكل من الأشكال. فكثيراً ما نشاهد مسلسلات اجتماعية وسواها على الصعيد الخليجي مكتوبة أصلاً ك"سيناريوات"، أي انها لم تكن رواية في الأساس، ولم تؤخذ أصلاً من رحم الرواية المطبوعة على خلاف الكثير من الدول التي تعتمد في انتاجها التلفزيوني على إرثها الروائي. وكذا الحال مع المسرح الخليجي الذي يعتمد دائماً على الأعمال الجاهزة أو على "الخلجنة"، أى تطويع النص للهجة الخليجية من خلال الارتكاز على مسرحيات أو روايات عالمية. وهو الأمر الذي يدعونا الى التوقف عنده طويلاً لمعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الظاهرة. فالرواية الخليجية وصلت الى الحدود الأخرى واستطاعت أن تكسر محيطها. ويمتلك الخليج العربي عدداً كبيراً من الروائيين الجيدين، لكنهم غائبون عن الشاشة الصغيرة وخشبة المسرح. ولا أعتقد أن المطلوب في هذا الوقت هو امتلاك الروائي الخليجي ل"السيناريو"، أو القدرة على الكتابة في هذا الشأن، وتطويع اعماله للشاشة الصغيرة أو الخشبة المسرحية. فليس على الروائي بالضرورة أن يكون "سيناريست"، لكن الأخير يمكنه أن يكون روائياً. وعليه فإن الدور يقع على عاتق السيناريست. وفي مصر مثلاً، هناك الكثير من "السيناريستية"، وعملهم الوحيد هو استثمار إرثهم الروائي والقصصي وتطويعه لمصلحة التلفزيون. ولو لم يوجد هؤلاء لما كان الجمهور العربي على تواصل مع نتاجات نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو يوسف السباعي أو غيرهم من الروائيين والمثقفين. إذاً ما الذي يجعل هذا الأمر غائباً في منطقة الخليج العربي؟ هل هو عدم وجود "السيناريست" الحقيقي الذي يستطيع استثمار مثل هذه الأعمال الأدبية؟ يقول الكاتب المسرحي محمد الرشود: "لدينا في الخليج "سيناريستية" من أفضل الموجودين في العالم العربي، لكن المشكلة تكمن في الروائي الخليجي نفسه، فهو غالباً ما يكون حساساً في التعامل مع عمله الأدبي، وعليه فإن "السيناريو" يجد التعامل مع الرواية الغربية والعربية أسهل بكثير من الرواية الخليجية، لأنه سيقع في مشكلات مع الكاتب حول وجهات النظر في تقديم الرواية وعرضها تلفزيونياً أو على خشبة المسرح". ويضيف الرشود: "هناك الكثير من الحسابات المادية وغيرها وأهمها "السيناريست". فإذا أخذ عملاً ل"غارسيا ماركيز" فهو غير ملزم أن يبحث عن غارسيا ماركيز أو يأخذ الإذن منه أو يدفع له الأجر، ولهذا يستطيع تقديمه، بينما يريد الكاتب الخليجي أجره من روايته في مقابل خروجها وهذا حق شرعي. لذلك فكثيراً ما تكون العملية "مادية". أما الأمر الآخر أيضاً فإن الرواية الغربية مثلاً يمكن السيناريست أن يعدل فيها ويضيف ويحذف ويفعل ما يشاء بها. لكن الرواية الخليجية لا يمكن أن يوافق الروائي الخليجي على هذه الغربلة التي يستطيع ان يقوم بها "السيناريست" والأمر نفسه في المسرح، على رغم انني لا أتعامل مع نصوص الآخرين لأني أكتب مسرحياتي بنفسي. ومع ذلك لم أفكر في طرح هذه النصوص للقراءة، وربما تأتي هذه المرحلة في وقت لاحق. إنها مشكلة حقيقية في عدم الاعتماد أو استثمار الأدب الخليجي، والسبب في رأينا يظل مادياً. ومعظم الأعمال التلفزيونية أو المسرحية التي تعاملت مع الأدب الخليجي قدمت أعمالاً لأدباء رحلوا عنا أصلاً وليس هناك من يراجع خلفهم. وفي هذا الصدد يقول الكاتب الكويتي حمد بدر: "كنت في السابق أقدم نتاجاتي للقراء، لكني وجدت الدائرة بسيطة جداً وهو ما جعلني أفكر في منحى آخر غير الذي أقوم به. وعليه تعلمت أصول كتابة السيناريو التلفزيوني، ثم بدأت التجربة ووجدتها تجربة "ثرية" في أن تنقل أدبك ونتاجك الى جمهور الشاشة، خصوصاً مع غياب القارئ الخليجي للرواية. فجميع الروائيين الخليجيين والمثقفين لا يعتمدون صراحة في أعمالهم على القراء الخليجيين بقدر اعتمادهم على القارئ العربي والأجنبي من خلال اللجوء الى الترجمة الغربية. ويقول بدر: "كنت أعتقد أن هناك من سيقدمني لكني وجدت أن الروائي أو القاص لا بد من أن يكون هو "سيناريست" أعماله الأدبية". ونبه جميع الروائيين والقاصين الى تقديم أعمالهم الى الشاشة الصغيرة أو الى مسرحة أعمالهم، لأنهم الأقدر على نقل الفكرة الأصلية والخطوط الدرامية لأعمالهم. ويضيف قائلاً: "اكتشفت أن الروائي الخليجي في حاجة الى الانتشار في الخليج ليس بواسطة الرواية، إنما عن طريق الأعمال التلفزيونية والمسرحية". وعلى رغم ان حمد بدر عرف اللعبة ولجأ الى التعامل مع السيناريو إلا أن الكثير من الروائيين في الخليج لم يتعاملوا مع الوضع الجديد بل ان البعض رفضوه جملة وتفصيلاً، ورأوا فيه أمراً مستحيلاً، وهو ما جعل الكثير من الروائيين غائبين لدى الكثير من الناس في الخليج. فالساحة الثقافية اليوم والأدبية في حاجة الى إعلام أكثر من نتاج فعلي، والكثير من هؤلاء في حاجة الى أن يستقرئوا المرحلة المقبلة بشيء من الواقعية. ويبقى الدور للأدباء والكتّاب الخليجيين في إعطاء التفاصيل التلفزيونية والمسرحية جرعة من "الغربلة" المقبولة، التي تضيف نمطاً جديداً لمصلحة كاتب الرواية في مدى قبول الأعمال المسرحية والتلفزيونية من دون التشبث بلهجة المادة ومن دون تغيير السرد الروائي أو الاحتفاظ بالصورة كما هي.