Eric Laurent. Le Monde Secret de Bush - La Religion, les Affaires, les Reseaux Occultes. عالم بوش السري - الدين، الأعمال، الشبكات الخفية. Plon, Paris. 2003. 220 pages. في تشرين الثاني نوفمبر 2000 صار جورج بوش الرئيس الثالث والاربعين للولايات المتحدة الاميركية اثر عملية انتخابية هي الاكثر التباساً في التاريخ السياسي الاميركي. فقد اعتبر فائزاً بمنصب الرئاسة رغم ان خصمه الديموقراطي آل غور كان يتقدم عليه بفارق 337576 صوتاً. وقد كانت الولاية التي حسمت الامور بالنسبة الى بوش هي فلوريدا التي يحكمها أخوه الاصغر جِب. وهنا ايضاً كان فارق الاصوات بين المرشحين المتنافسين ضئيلاً لا يتجاوز المئات. ومع انه لم يثبت رسمياً وقوع عمليات تزوير، الا انه قد ثبت عملياً ان عدداً من الناخبين لم يتمكنوا من الادلاء بأصواتهم لظروف يحوطها الإبهام. وعلى اي حال، ليس فارق الاصوات الضئيل هو الذي حسم المعركة، بل قرار المحكمة العليا بوقف عملية اعادة عدّ الاصوات في تلك الولاية / المفتاح. والحال أيضاً ان قرار وقف العد لم يتخذ بالاجماع، بل بغالبية أصوات القضاة المحافظين الذين يدينون بعضويتهم في المحكمة العليا اما لأسرة بوش، واما للمنظمات المسيحية المتطرفة الكبيرة النفوذ في فلوريدا وتكساس وآلاباما وجورجيا وغيرها من ولايات الجنوب خصوصاً. ولقد وجد في حينه من اعتقد ان بوش الثاني لم يصر رئيساً الا "بالصدفة". وهذا وهم عززته في حينه ايضاً مجلة "نيوزويك" الواسعة النفوذ التي نشرت بعد انتخابات بوش بثمانية اشهر حلقات مسلسلة من كتاب حمل هذا العنوان الدال: "رئيس بالصدفة؟". وعلى رغم اشارة الاستفهام التي احاطت بهذا العنوان، فإنه لم يكن هناك من قراءة أخطأ من هذه القراءة. فبوش لم يتسنم سدة الرئاسة العليا الا لانه أُريد له ان يتسنمها. وقد تضافرت على ترقيته وايصاله اليها ثلاث قوى اخذ تضافرها شكل سلسلة سببية حتمية: الدين والأعمال والشبكات الخفية. الدين اولاً: فبوش الابن هو نموذج ناجز لرئس "مؤمن". لم يحدث قط في تاريخ الحملات الانتخابية الاميركية ان وظف الكتاب المقدس كما وظف في خطابات بوش. وقد صرح هو نفسه في اول خطاب له عقب انتخابه ان "ملاكاً" هو من قاد خطاه وأرشده الى سواء السبيل في دوامة الانتخابات كما في عاصفة الحياة. ذلك ان بوش الابن كان مدمناً حتى الاربعين من العمر على الكحول. وبعد ازمة نفسية عميقة مرّ بها عام 1985، وكان في التاسعة والثلاثين من العمر، انتمى الى "جمعية دراسة الكتاب المقدس"، وغدا انجيل لوقا "كتاب وسادته". وقد اعجب بوجه خاص بشخصية القديس بولس الى حد التماهي معه. فبولس الرسول بقي هو الآخر تائهاً حتى الاربعين من العمر، الى ان اهتدى عندما ظهر له يسوع على "طريق دمشق". لكن معركة بوش لم تكن مع التربية الوثنية الموروثة، بل مع الادمان. وعقب انتخابه لم يتردد في التصريح بأنه يدين هو الآخر ل"الصديق" يسوع ب"ولادة ثانية". قال: "الايمان كان سندي في ساعات النجاح كما في ساعات الخيبة. ولولا الايمان لكنت شخصاً مختلفاً. بل لولاه لما وصلت الى هنا". والواقع ان ما اوصل بوش الابن الى البيت الابيض ليس ايمانه الشخصي، بل ما يسمى في اميركا حرفياً ب"حزام الكتاب المقدس" Bible Belt وهو الحزام الذي تشكله الولايات المحافظة والمتديّنة جنوبي خط العرض 3،36. فليست صحافة نيويورك وواشنطن هي التي تصنع الرأي العام في هذه الولايات، بل محطات التلفزيون المحلية. وهذه يتحكم بها، الى حدّ بعيد، الوعاظ الدينيون والمبشّرون الانجيليون. وقد عرف المشرف على حملته الانتخابية، كيف يوظّف هؤلاء الوعّاظ، ومعهم قساوسة الأبرشيات، كوكلاء انتخابيين. وقد امكن لديفيد فروم، وهو من يحرر لبوش خطاباته، ان يلاحظ بحق ان صفة "اليمين المحافظ" لا تكفي لتحديد هوية بوش. فرونالد ريغان كان هو الآخر يمينياً محافظاً، لكن الثقافة التي كان ينتمي اليها تختلف جذرياً عن الثقافة التي ينتمي اليها بوش الابن. فريغان كان متطرفاً في الليبرالية والنزعة الفردية في آن معاً. اما ثقافة بوش فهي "الانجيلية العصرية". ويروي ديفيد فروم في هذا الصدد ان اول ما فعله بوش عقب انتخابه رئيساً للبلاد، انه جمع في مكتبه البيضاوي في البيت الابيض ممثلي الطوائف البروتستانتية الاميركية الرئيسية وقال لهم: "كما تعلمون، فان عندي مشكلة مع الكحول. وفي هذه اللحظة بالذات كان يجب ان اكون في احد بارات تكساس بدلاً من ان اكون في المكتب البيضاوي. وليس هناك الا علّة واحدة يتيمة لكوني موجوداًَ الآن في المكتب البيضاوي لا في احد البارات: فقد اهتديت الى الايمان، اهتديت الى الله. ووجودي هنا انما أدين به لقوة الصلاة". وقد كان ينبغي ان يضيف: ولقوة الناخبين المتدينين ايضاً. فنسبة التردد على الكنائس هي في الولاياتالمتحدة اعلى بعشرين مرة مما هي عليه في بريطانيا 40 في المئة مقابل 2 في المئة، وهي في الولايات الجنوبية اعلى بضعفين مما هي عليه في الولايات الشمالية. وتقدر القوة الانتخابية للمتدينين الاميركيين بنحو 18 مليون صوت. وكثرة من هؤلاء قد صوّتوا لا لبرنامج بوش السياسي هذا ان كان له وجود اصلاً!، بل لبرنامجه اللاهوتي إن صح التعبير. فمن اولى العهود التي قطعها على نفسه قبيل انتخابه ان يقطع التمويل عن منظمات تحديد النسل واباحة الاجهاض، وان يحوّل الاموال الفائضة على هذا النحو من الخزينة العامة لتمويل البرامج الاجتماعية والمدرسية للمنظمات الدينية. وبوش لم يستمد برنامجه اللاهوتي - الاجتماعي من خطب المبشّرين الانجليين وحدها، بل كذلك من "قراءته" الشخصية التي انحصرت عدا الكتاب المقدس بكتب ثلاثة مفكرين اميركيين معاص رين: تشارلز موراي وداينش دسوزا ومارفن اوفالسكي. واذا صدق القول السائر: "قل لي ما تقرأ، أقل لك من انت"، فإن قراءات بوش لا تدع مجالاً للشك في ان رؤيته الدينية للعالم تقترن بنزعة يمينية ومحافظة الى حد التطرف. فتشارلز موراي، الذي لمع نجمه ك "مفكر" في عهد رئاسة ريغان، كان صاغ في كتابه "الجولة الخاسرة" الصادر عام 1984، البرنامج الايديولوجي لليمين المحافظ الاميركي الجديد. وقد أتبع هذا الكتاب عام 1994 بدراسة عن "الذكاء والبنية الطبقية في الحياة الاميركية" ربط فيها بين الذكاء والعرق، معتبراً ان الفقر في اميركا ليس نتيجة شروط اقتصادية اجتماعية محددة، بل هو موروث ثقافي وعرقي، وان اميركا تنحطّ عقلياً وتفقر اجتماعياً في آن معاً بقدر ما يخلي فيها العرق الابيض مكانه للعروق السوداء والملونة. وقد تضامن معه في هذا التأويل داينش دسوزا في الكتاب الذي اصدره عام 1997 تحت عنوان "نهاية العنصرية" والذي أرجع فيه هو الآخر "ثقافة الفقر" الى العوامل العرقية، مؤكداً على الحاجة الى الغاء جميع البرامج الاجتماعية التي تقدمها الدولة للسود الاميركيين، لأن مثل هذه البرامج ليس من شأنها الا ان تزيد نسبة الجانحين والمدمنين والمواليد اللاشرعيين والمعتاشين على حساب صناديق الضمان الاجتماعي. لكن يبقى الكاتب الاكثر تأثيراً على بوش هو مارفن اوفالسكي، مؤلف "مأساة الرأفة الاميركية". فأطروحات اوفالسكي في كتابه هذا غدت هي بنود البرنامج الاجتماعي لبوش في حملته الانتخابية الرئيسية عام 2000. وتتلخص هذه الاطروحات بفكرة واحدة: التفكيك التام واللامشروط لنظام الضمان الاجتاعي الاميركي. فالفقر في نظر مؤلف "مأساة الرأفة الاميركية" هو نتيجة لا للتفاوت الاجتماعي، بل لغياب القيم الاخلاقية. ومن ثم فان السبيل الوحيد لمكافحته هو الكنيسة ونشر التعليم الديني. وقد بادر اوفالسكي نفسه، وهو يهودي مرتد وشيوعي سابق، الى تأسيس كنيسة خاصة به في مدينة اوستن بولاية تكساس، كان بوش نفسه من أول المترددين عليها. وبوصفه مسيحياً اصولياً متشدداً، فإن كلمته هي المسموعة اليوم في البيت الابيض على الاقل في ما يتصل بالشؤون "الروحية". اما في ما يتصل بغير هذه الشؤون، لا سيما في مجال الاعمال ولوبيات النفط وصناعة التسلح والشبكات الخفية، فإن المعلومات التي يتضمنها هذا الكتاب عن "عالم بوش السري" تستعصي على أدب تلخيصي. والقارئ له لا يملك وهو يطوي آخر صفحاته، ان يدفع عن نفسه شعوراً مزدوجاً بالذهول والقلق في آن معاً: الذهول ازاء طبيعة القوى التي تحكم اميركا البوشية والقلق ازاء كون اميركا هذه هي عينها التي تتنطح اليوم لحكم العالم.