بدأت معارض الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية أواخر السبعينات على شكل مسابقات منتظمة كانت تقيمها وتمنح جوائزها حتى الآن الرئاسة العامة لرعاية الشباب. واستقطبت هذه المعارض عدداً من الأسماء من الهواة والناشئين ودارسي الفن أو التربية الفنية، وبعض الفنانين المعروفين. وفي العقد الأخير من القرن الماضي ظهرت في السعودية بعض المسابقات التشكيلية تنظمها جهات عدة كالخطوط الجوية العربية السعودية، ووزارة الخارجية السعودية، ولجان التنشيط السياحي في بعض المدن أو المناطق وغيرها. ومع ان هذه الجهات أو غيرها تجعل من دعم الفن التشكيلي السعودي والفنانين أحد أهم الأهداف، إلا ان بعض الإشكالات والمتغيرات ظهرت بوضوح في تجارب عدد من الفنانين وهم يتقدمون إلى مثل هذه المسابقات، لكنها في الوقت ذاته أيقظت عدداً من الفنانين وأعادتهم الى الساحة، وهذا أهم الإيجابيات. كانت اللجان التحكيمية للمعارض التشكيلية التي تقيمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب تتكوّن من موظفي قسم الفنون التشكيلية فيها، وكان منح الجوائز يتجه للتشجيع وللأخذ بيد الفنانين وخصوصاً أولئك الذين ينتظمون بالمشاركة في معارضها. ومع تقارب المستويات كانت النتائج مقبولة الى حد ما، لكن الأعوام الأخيرة، ومع ازدياد قيمة الجوائز المادية اتجهت الرئاسة الى أعضاء هيئة تدريس جامعي أو بعض الفنانين للمشاركة في التحكيم، لكن وجودهم لم يغير شيئاً. أما الجهات الأخرى التي تنظم مسابقات مماثلة فإن القيمة المادية للجوائز لديها كانت أكبر بكثير، فتفاوتت جائزة مسابقة ملون السعودية التي تنظمها الخطوط السعودية من تذاكر الى الولاياتالمتحدة الأميركية أو احدى الدول الأوروبية، أو غيرها الى خمسين ألف ريال سعودي في آخر دوراتها، الى جانب جوائز أخرى أقل قيمة مادية. ومع استقطاب هذه المسابقة لفنانين كثر الا ان إشكالات ظهرت بعد نتائج التحكيم كأن يكون أحد الأعمال الفائزة منقولاً أو مشابهاً لأعمال فنية، أو ان يبتعد بعض الأعمال الجيدة لسبب التحكيم المبدئي عن طريق شرائح سلايدات أو صور ضوئية. ونظمت وزارة الخارجية السعودية دورة واحدة من مسابقة سمّتها "مسابقة السفير" وارتفعت قيمة جائزتها الأولى الى ستين ألف ريال بفارق عشرة آلاف ريال عن قيمة جائزة مسابقة "ملون السعودية"، وهو شكل من المنافسة دخلت فيه مسابقة أخرى هي "باحة الفنون" لترفع قيمة جائزتها الأولى الى مئة ألف ريال لدورة مقبلة، وبشرط غريب ومفاجئ هو عدم إعادة الأعمال المقدمة للمسابقة سواء فازت أم لم تفز، إلى أصحابها. وكانت الدورة الأولى لهذه المسابقة تمّت من دون التقيد بشروط وضعتها للمشاركة. هذه المسابقات ومع دورها الايجابي والمهم في حركة الفن التشكيلي في السعودية اختارت محكمة من الفنانين العرب أو أساتذة جامعيين في أقسام التربية الفنية أو من الفنانين السعوديين، وكان من بين المحكمين عبدالحكيم رضوي وأسعد عرابي وأحمد فؤاد سليم وعلي ناجع وعزالدين نجيب ونجا مهداوي وصالح رضا وسامي محمد وفيصل سلطان وعبدالله المرزوق وعبدالرسول سلمان وسعد المسعري ومنيرة موصلي وعزالدين شموط وأحمد نوار. كانت الجوائز في معارض المسابقات المبكرة تمنح للتشجيع وبخاصة لأولئك المتعاونين والمنتظمين في المشاركة مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب. وهي كانت تنظّم معارض سنوية مثل معرض الفن السعودي المعاصر والمعرض العام لمناطق المملكة والمعرض العام للمقتنيات والمعرض العام للمراسم وسواها. لكن المسابقات الأخرى، و مع استمرار بعضها كمسابقة "ملون السعودية" أصبحت تترك أثراً في شكل ما يقدم لها من أعمال ذات توجه معين، وتبعد عن المنافسة والفوز. وكان التحكم يتجه - غالباً - الى الأعمال الحديثة الأكثر تجريداً أو الأكثر علاقة بالموروث واستلهامه، وابعدت في شكل واضح أعمال تتأثر بتيارات أو توجهات أخرى كالإنطباعية أو التعبيرية أو حتى الواقعية ولا سيما في الدورات الأخيرة، وهي التي يركز فيها على الأعمال العشرة الأولى وبمقابل مادي. ومع تنوّع الاتجاهات الفنية وبروز تيار استلهام التراث أو السعي الى شكل ما من المعاصرة فالملاحظة الجديرة بالاهتمام هي تخلي بعض الفنانين عن أساليبهم الفنية لمصلحة توجه جديد لعلهم يحظون من خلاله برضا لجان التحكيم واقتناص إحدى الجوائز المتقدمة. برز في "مسابقة السفير" تنوّع الاتجاهات، مع غلبة واضحة لأعمال التجريد واستلهام الموروث، فحظيت هذه الاعمال بجوائز متقدمة، ومع كثرة الجوائز التي ازدادت على الخمسين كان من الطبيعي - مع كثرة ما قُدّم للمسابقة - منح أعمال واقعية أو محاكية أو لاقطة لبعض المشاهد والمظاهر المحلية جوائز، ولكن من فئات متأخرة. ومع ان هذه المسابقة لم تُقم سوى دورة واحدة اتضح إنحياز تحكيمها لبعض الأسماء مع تواضع أو عدم ارتقاء مستواها للجوائز المتقدمة. وثمة عدد من الفنانين التشكيليين السعوديين اتجهوا مع ميلهم الى أعمال التجريد أو استلهام الموروث في تحكيم المسابقات ذات القيمة المادية الكبيرة، اتجهوا الى هذه الصيغ متنحلين عن أسلوب عُرف عنهم، فتشابهت بعض التجارب الفنية. لم يحظ - على سبيل المثال - معرض فنان تأثرت أعماله بالسيريالية أو حاول الافادة من بعض صيغها بالاهتمام الإعلامي أؤ النقدي أو باقتناء بعض أعماله. وهو ما حدث في مدينة جدة التي انتشرت فيها صالات العرض وازدادت المعارض وتشكلت فيها ذائقة نسوية خطيرة ربما تسهم في ديكورية الأعمال الفنية. وفي العام الماضي شهدت مدينة القطيف - شرقي السعودية - معرضاً تقاربت فيه الأعمال الى حد عدم تفريقنا بينها، بل ان كل فنان تخلى عن أسلوبه لمصلحة شكل تتشابه فيه الخامات والصيغ المتقاربة. تخلى منير الحجي عن أعماله المتأثرة بالانطباعية وهي الأكثر بروزاً ولفتاً بين تجاربه الفنية العائدة الى أوائل الثمانينات لتجريبات تسعى الى الاكتمال، ومثله علي الصفار الذي برزت أعماله المائية ذات المفردة المحلية، كما اتجه شاب آخر هو محمد السيهاتي عن رسم الوجوه، وبعض المظاهر المحلية لمصلحة مفردات وعناصر زخرفية يحاول تطويرها. كما ان عدداً من الأسماء الشابة الجديدة اتجه الى التجريد في تقليد واضح لمن حصلت أعماله على شكل من الجوائز أو الاقتناء، مثل بعض من أشرت اليهم. ولعل من الأسباب الاخرى الدعوات الموجهة الى بعض الفنانين للمشاركة في مناسبات عربية ذات صبغة دولية مثل بينالي القاهرة، وبينالي الشارقة. تمثلت فيهما اتجاهات نحو ما هو أكثر حداثة من الأعمال الفراغية أو أعمال "لانستليشن". وكان فنانون مثل بكر شيخون، وفهد الحجيلان ونايل ملا شاركوا في القاهرة في أعمال على خلاف ما يقدمونه أو عرف عنهم في المعارض المحلية، وعلى نحو مفاجئ، لم يستطع الحجيلان أو ملا الاقناع برؤية فنية. ومن الأهمية ان يُخضع الفنان بحثه أو يكرّسه من خلال وعي، وقناعة خاصة، والا أصبحت أعماله تقليداً أو تابعة لموضة ما، فالإنجذاب وراء تيارات أو صيغ مطلوبة يذيب شخصية الفنان ويجعله تابعاً بدلاً من ان يكون مساهماً في تغيير ما. ومسابقات الفن التشكيلي التي ظهرت في الأعوام الأخيرة، والتكريس الإعلامي لبعض الاتجاهات أو لبعض الفنانين، وكذلك الذائقة المخملية أو الديكورية ساهمت، ومع غياب نقد جريء وواع في التحوّل الى ما هو مطلوب، وما هو أقرب الى الموضة والذائقة العامة وبخاصة لمقتني أو مانح الجائزة وإن كان فناناً تشكيلياً محسوباً، أو جهة تهيئ إمكانات معينة لتنظيم مسابقة فنية.