وزارة الخارجية تُعرب عن تعازي المملكة لجمهورية السودان إثر حادث انهيار منجم للذهب    نتائج قوية تتجاوز مستهدف رؤية 2030.. 2.8 % معدل البطالة في المملكة خلال الربع الأول    مطار الملك عبدالعزيز الدولي يوفر وسائل نقل رسمية متنوعة    المملكة تقود تعاوناً دولياً لدعم الطاقة النظيفة    وسط استعدادات لعملية عسكرية كبرى في غزة.. تصاعد الخلافات داخل الجيش الإسرائيلي    تصعيد متبادل بين العقوبات والمواقف السياسية.. روسيا تشن أعنف هجوم جوي على أوكرانيا    الملكية الفكرية ليست مائدة نقاش ديني.. بل مبدأ لا يُمس!    مدرب تشيلسي ينتقد الفيفا ومونديال الأندية    بعد وداعه لكأس كونكاكاف الذهبية.. رينارد: أتحمل المسؤولية.. وسنكون جاهزين لتصفيات ملحق المونديال    في دور ال 16 من كأس العالم للأندية.. طموح الهلال يصطدم بمانشستر سيتي.. وإنتر ميلان يواجه فلومينينسي    التعليم في ميزان المجتمع    توقيف شخصين ظهرا في محتوى مرئي بسلاحين ناريين    نقل 1404 مرضى داخل المملكة وخارجها عبر 507 رحلات إخلاء    ما عاد في العمر متسع للعتاب    مادتا التعبير والخط    حين يهمس لك المشروع بأنك لست في مكانك.. فاستمع!    أكد أهمية مناهج التعليم الديني.. العيسى يشدد: تحصين الشباب المسلم من الأفكار الدخيلة على "الاعتدال"    "الصحة العالمية" تفشل في تحديد سبب جائحة كوفيد- 19    دواء جديد يعطي أملاً لمرضى السكري من النوع الأول    أخضر السيدات يخسر أمام الفلبين بثلاثية في تصفيات كأس آسيا    بعنوان "النمر يبقى نمر".. الاتحاد يجدد عقد مدافعه "شراحيلي" حتى 2028    فاطمة العنزي ممثلة الحدود الشمالية في لجنة المسؤولية الاجتماعية بالاتحاد السعودي للدراجات    سعود بن بندر يستقبل مديري "صحة الشرقية" و"وقاية"    أمين القصيم يفتتح ورشة «تعزيز التخطيط العمراني»    رئيس الشورى يبدأ زيارة رسمية إلى كمبوديا    المملكة تواصل ضرباتها الاستباقية ضد المخدرات    الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في خمسة مواقع    خمس شراكات لدعم مستفيدي «إنجاب الشرقية»    "الملك سلمان للإغاثة".. جهود إنسانية متواصلة    المملكة تنافس لرفع إسهام الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي ل 130 مليار دولار    الواجهة البحرية بالوجه.. متنفس رياضي وترفيهي    أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزتي المواطنة المسؤولة و"صيتاثون"    انطلاق برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي بجامعة المؤسس    انطلاق أعمال «المؤتمر الدولي للصيدلة السريرية» بحائل    أمير القصيم يشيد بزراعة 7.5 ملايين شجرة    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    استعراض أعمال الشؤون الإسلامية أمام أمير تبوك    تنسيق سعودي - جيبوتي تجاه أبرز القضايا الإقليمية والدولية    أرقام صادمة بعد هزيمة «الأخضر» أمام المكسيك    إنطلاق برنامج "موهبة الإثرائي الأكاديمي" بجامعة الإمام عبدالرحمن    وزارة الرياضة وهيئة الطيران المدني توقّعان مذكرة تفاهم للتنسيق والإشراف على الرياضات الجوية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصلَ العام لجمهورية العراق    أمير تبوك يطلع على التقرير السنوي لاعمال فرع وزارة الشؤون الاسلامية بالمنطقة    جمعية "وقاية" تنظّم معرضاً توعوياً وندوة علمية بمستشفى وادي الدواسر    بيئة نجران تعقد ورشة عمل عن الفرص الاستثمارية بمنتدى نجران للاستثمار 2025    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للأنيميا المنجلية"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 37 شهيدًا    أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزتي المواطنة المسؤولة و"صيتاثون" في دورتها الرابعة    اتفاقية استراتيجية" بين مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة ومصرف الإنماء    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ جولات ميدانية لصيانة جوامع ومساجد المنطقة    انطلاقة عام 1447    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من دفاتر الذكريات : مدرسة الأزقة والبراري في جنين عام 1917
نشر في الحياة يوم 14 - 05 - 2003


1
لما انتقلنا لنسكن في جنين سنة 1917، وجدنا انه ليس فيها مدرسة. فالمدرسة الرسمية التركية التي كان لها مبنى جيد خارج البلدة، اقفلت كمدرسة وأعطتها الادارة لصف ضباط كانوا يعملون في الوحدة الجوية الحربية الالمانية التي كانت تتمركز في جنين.
ولما تعرفت بي البعض من لداني، من جيران الحارة الغربية، كنا نصرف وقتنا في البراري حيث نلتقي الرعيان مع اغنامهم. ومع الوقت صارت بيننا وبينهم شبه صداقة. فكنا نحمل الخبز معنا الى حيث يرعون اغنامهم، فكانوا يعطوننا الحليب الطازج ونعطيهم بعض الخبز في مقابل ذلك. لكن المهم اننا لم نكن نأكل الحليب بالخبز كما هو. فقد علمونا ان نقطف حبة التين غير الناضجة ضافورة وننقط من عصيرها بضع نقاط في الحليب، فيصبح جبناً حلو المذاق خلال ساعة او ما يشبه ذلك.
ومن هؤلاء الرعيان تعلمنا كيف نجمع الفطر ويسمى محلياً الفُقّْع عند قواعد الاشجار.
اما عين "نينة" وهو النبع الاول لنهر المقطع الذي كان يصب شمال حيفا في البحر المتوسط، فقد تعلمنا فيه كيف نصطاد السمك الصغير او الحَنكْليس او حية الماء الذي كان يؤكل مقلواً او مشوياً في البيوت. وكانت زيارتنا مرات تصل الى بعض القرى القريبة من جنين.
وفي ايام البيادر - في مطلع الصيف - كان عندنا مجال للعب والسرور والسهر خصوصاً في ايام القمر على بيادر جنين التي كانت تقع غرب البلدة. هناك تعلمنا كيف نقف على النورج لوح الدراسة للحبوب الذي يجره جحش او كديش او بغل ويدور حول كومة القمح المحصودة حديثاً، فيؤدي ذلك الى فصل الحب عن القصل. ويأتي بعد ذلك الفلاح فيحمل المذراة ليزري هذا الذي يُدْرَس كي يتم الفصل النهائي.
2
لكن الذي كان يؤلمني انا شخصياً هو انني مع انني في سن العاشرة كنت قد تعلمت القراءة في المدارس الابتدائية الخمس التي قضيت فيها خمس سنوات وهي ثلاث مدارس في دمشق وسنة في الناصرة وسنة في طولكرم. كان يؤلمني انني لا اجد كتباً اقرأها!
كنت اتحرق في سبيل الحصول على كتاب، لكن لم يكن الى ذلك سبيل.
وأخيراً جاء الفرج.
كان لنا جار عنده كتب ولم اكن اعرف عنه شيئاً، لكنه سمع من جيران الجيران انني احب القراءة.
استدعاني يوماً الى منزله وقال لي انه بلغه انني اريد ان اقرأ ولكنني لا اجد كتباً للقراءة. وأضاف: "انا عندي كتب، وأنا مستعد لاعارتك الكتب لتقرأها على ان تحافظ عليها"، وتناول من رف كتبه المجلد الاول من "ألف ليلة وليلة" طبعة بولاق الاصلية، وقال لي: "خذ هذا الكتاب ومتى اعدته وكنت قد حافظت عليه سأعطيك غيره". والاجزاء الاربعة من "ألف ليلة وليلة" تبعها "تغريبة بني هلال" و"قصة عنتر" وقصة ملك اليمن سيف بن ذي يَزَن وافتتاحه بلاد السند. كتب شغلتني عن اللعب، لكنها كانت ذات اثر في نفسي. قد وسعت مجال خيالي وآفاق حياتي على نحو اقلق امي احياناً.
نتيجة لهذه الهبة الكريمة، اخذت نفسي باستعارة اي كتاب تقع عيني عليه عند احدهم. فقرأت "قصة عائشة اوهي" لرايدر هاجرد مترجمة الى العربية طبعاً، وقد رأيتها بالمصادفة عند شخص كنا في زيارة لبيتهم مرة. الواقع ان اعارة الجار الاصلي الكريم شجعني حيث كنت اطلب ان اعار كتاباً وأشير الى الرجل الكريم الذي اعارني عدداً كبيراً من الكتب. واكتشفت في احدى زياراتي لجدي لأمي في الناصرة انه كان ثمة خزانة فيها كتب. كانت هذه مكتبة خالتي التي كانت قد هاجرت الى اميركا. لكن جدي كان حريصاً على ألا تمس. لكنه لأنه كان يحبني سمح لي ان اقرأ فيها ما دمت في زيارته. ولم يسمح لي قط ان آخذ كتاباً منها معي الى جنين.
في مكتبة خالتي تعرفت الى كتاب "مجاني الأدب" الذي قرأت الكثير منه وحفظت بعض الاشعار قبل ان تفتح المدرسة، ونعود الى التعلم.
وهذا الكتاب كان في ما بعد انيسي، وقد ابتعته للمرة الأولى وأنا في دار المعلمين. ولما نهب بيتي بما فيه في القدس سنة 1948، اشتريت نسخة منه في بيروت ولا تزال بين يدي.
ومن الذي وقعت عليه في مكتبة خالتي اعداد مجلة "المحبة" مجلدة وهي مجلة اصدرها فضلو ابو حلقة الاديب الطرابلسي في حيفا. قرأت فيها الكثير، البعض لم افهمه، ولكن الكثير منها كانت فيه معارف ومعلومات كان لها اثر وفائدة لي في ما تلا من الايام.
وهكذا اضفت الى مدرسة الازقة والبراري عادة القراءة التي لازمتني طوال حياتي طبعاً لا تزال تلازمني والتي مكنتني احياناً كثيرة من التعويض عما فاتني قبل ان دخلت جامعة لندن سنة 1935.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.