يعتقد مسؤولون سوريون ان "الوحدة" بين سورية والعراق هي "البديل الوحيد لانقاذ الامة العربية". ويستندون الى "دروس" التاريخ القديم والمعاصر للاعتقاد ان قيامها يؤدي الى "تغيير موازين القوى الاقليمية والدولية"، مع الحرص على "عدم فرض اجندة او خطوات محددة" على العراقيين. ومرت العلاقات بين دمشقوبغداد عبر العصور بمراحل عدة من الشد والجذب. وانتقل مركز الخلافة الاسلامية من الدولة الاموية الى العباسية قبل دخول القوات الصليبية الى المنطقة واحتلالها بين 1100 و 1128. واستندت مقاومة الاحتلال الفرنجي الى "الهلال الخصيب" على ايدي عماد الدين الزنكي الذي انطلق من حلب الشامية والموصل العراقية الى دمشق بعد عام 1132 فكان "صانع اول هجوم مضاد"، الامر الذي كرسه نور الدين محمود الزنكي مدعوماً من الأمير الكردي شركوه عم صلاح الدين الايوبي. وعززت القوة الشامية بالاتحاد مع بلاد النيل بعد فتحها من قبل شيركوه اسد الدين بعد الحملة التي دامت بين عامي 1163 و 1169. وكانت تلك الانطلاقة لتحرير صلاح الدين يوسف الايوبي القدس في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر 1187. وفي الايام الاخيرة ل"الرجل المريض" اسس "الكثير من السوريين والعراقيين" الجمعيات للتخلص من السلطة العثمانية في بداية القرن الماضي. كما ان الملك فيصل عين لدى قدومه عام 1918 الى سورية العراقيين تحسين العسكري محافظاً لدمشق ونوري السعيد محافظاً لحلب. وبعد دخول الجنرال غورو الى دمشق عام 1920، انتقل الملك فيصل الى بغداد وتسلم العرش الهاشمي فيها آخذاً معه سوريين. كما اصبح محافظ حلب السابق رئيساً للوزراء. وصارت بعدها سورية مسرحاً للتنافس بين النفوذين الهاشمي - العراقي والسعودي - المصري. وحصلت انقلابات عدة على هذه الخلفية: ناور حسني الزعيم بعد تسلمه السلطة 1949 على هذين القطبين الى ان استقر على النفوذ السعودي - المصري، الامر الذي "حسمه" سامي الحناوي بانقلابه ل"استرداد" النفود الهاشمي - العراقي الذي لم يدم بسبب انقلاب اديب الشيشكلي الذي انتهى بفتح الباب امام انتخابات حرة عام 1954 تنافس فيها "حزب الشعب" المحسوب على العراق و"الحزب الوطني" المحسوب على النفوذ السعودي - المصري، وشهدت صعود نجم "البعثيين" والاشتراكيين والشيوعيين. مركز استقطاب واستمرت سورية مركز استقطاب بين هذين النفوذين في شكل عام وبين تنافسات اكثر تفصيلية داخل الاسرة الهاشمية بين "سورية الكبرى" المدعومة من عمان و"الهلال الخصيب" المدعوم من بغداد التي صارت محور "حلف بغداد" في منتصف الخمسينات الذي كان "رد الفعل" السوري عليه ب"الوحدة السورية - المصرية" بعدما حط الرئيس جمال عبدالناصر على الشواطئ السورية لدعمها ضد التهديدات التركية - العراقية. وفي خضم الحماسة للوحدة السورية - المصرية حصلت ثورة تموز يوليو 1958 في العراق. وطرح بعض ضباط الاستخبارات في "الجمهورية المتحدة" شعار الوحدة مع العراق من دون دراية بالوضع العراقي وأخذوا يضغطون على "ثورة تموز"، ما ادى الى حصول انقسام فيها. واستمرت المحاولات في الستينات وصولاً الى عقد السبعينات الذي صارت فيه سورية تنافس على النفوذ في الشرق الاوسط: شاركت قوات عراقية في حرب تشرين الاول اكتوبر 1973. كما جرت مناقشات لاحقة لتوقيع "ميثاق العمل القومي" بين بغدادودمشق عام 1978 رداً على الخلل الحاصل بسبب توقيع مصر اتفاق كامب ديفيد مع اسرائيل. لكن هذا لم يدم طويلاً، اذ دخلت العلاقات في جمود سياسي وديبلوماسي وتبادل اتهامات. ووقفت سورية الى جانب طهران التي "اسقطت الشاه محمد رضا بهلوي وقطعت العلاقات مع اسرائيل" في الحرب العراقية - الايرانية. كما وقفت الى جانب "التحالف الدولي" لاخراج القوات العراقية من الكويت. وبقي الجمود الى عام 1997 عندما بدأت خطوات التقارب من البوابة الاقتصادية وتعززت سياسياً في السنوات الثلاث الاخيرة. ويقول نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام في لقائه مع وفد عراقي: "ان الوحدة السورية - العراقية ليست حلماً، بل ان لا بديل منها لانقاذ الامة. وهذه الوحدة هي الحقيقة الاكثر موضوعية في العلاقات العربية. ولا شك في ان تحقيقها سيغير في موازين القوى ليس فقط في المنطقة بل في التوارنات الدولية". ماذا تعني الوحدة او الاتحاد؟. يقول متحمسون للفكرة: "دولة تمتد من البحر الابيض المتوسط الى الخليج العربي، دولة بين قطرين تأسست في احداهما دولة امتدت حدودها الى اوروبا وحدود الصين، وأخرى شهدت الثقافة العربية وأسست الى ما هو غال في موروثاتنا". يشار الى ان عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي تدعو الى وحدة "الهلال الخصيب" الذي يضم "سورية الطبيعية" الاردن، لبنان، فلسطين، سورية والعراق. فيما يدعو حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في دمشق الى "الوحدة العربية". ويقول خدام: "اذا لم ننجح في تحقيق الوحدة، فإن الجيل المقبل سيدرك ما سيعني للسوريين وللعراقيين وللعرب ان تكون سورية والعراق في موقع واحد". استراتيجية الاحتلال ويؤكد مسؤولون سوريون ان "العراق لم يجر احتلاله بسبب وجود اسلحة دمار شامل وليس من اجل تغيير النظام الذي تعاملوا معه لفترة طويلة" بل لأسباب "استراتيجية" بسبب الموقع المهم للعراق. فهو يقع بين ست دول ذات تأثير مباشر على العلاقات الدولية: "تركيا: دولة في حلف شمال الاطلسي وتجري فيها تحولات تستحق المتابعة. ايران: دولة كبرى فيها ثورة اسلامية وتجاور الخليج وآسيا. الكويت والسعودية: دولتان نفطيتان ومهمتان. الاردن: منطقة فاصلة بين المصالح البريطانية - الاميركية - الاسرائيلية والمصالح العربية. سورية ولبنان: دولتان في وجه اسرائيل. كما ان العراق مطل على فلسطين وساهم في جميع الحروب ويضم ثاني احتياط نفطي عالمي وقريب من آسيا وروسيا. أي بلد مهم في الاستراتيجية الكونية بعد احداث 11 ايلول سبتمبر 2001". ومنذ احتلال العراق يتجنب المسؤولون السوريون الدخول في خطوات عملية تحدد المسار للعراقيين او تقديم أي دعم مادي للمقاومة، لكنهم فتحوا ابواب دمشق امام استقبال الوفود العشائرية والسياسية والحزبية ومن مجلس الحكم الانتقالي على رغم عدم الاعتراف الرسمي به. وقال خدام: "ليست هناك خطوات. هناك عملية لأن العراقيين يعرفون بلدهم ومصلحتهم وحقوقهم، هم فقط يحتاجون الى ان يشعروا ان الامة العربية تقف الى جانبهم". وتسعى الوفود التي تزور دمشق الى عقد مؤتمر وطني عام "تنبثق منه هيئة سياسية تدعو الى التمسك بالوحدة الوطنية ونبذ كل اشكال الفرقة والاختلاف وانهاء الاحتلال واجراء انتخابات تحت اشراف دولي لانتخاب مؤسسة تشريعية تضع دستوراً للبلاد". ويتابع نائب الرئيس السوري: "كان هناك رهان من اعداء الامة ان تنشأ في العراق حال من الاقتتال المذهبي، لكن ذلك لم يحصل لأن الشعب العراقي اكثر تمسكاً بوحدته وتحرره اكثر من أي وقت مضى". و"ما يسر" السوريين الى الآن وجود "اجماع وطني على عدم الانزلاق الى ما يضعف الوحدة الوطنية وما يؤدي الى إضعاف الشعب العراقي".